العدد 2049 - الثلثاء 15 أبريل 2008م الموافق 08 ربيع الثاني 1429هـ

من حق شعوب الخليج اختيار حكوماتهم في ظل ملكيات دستورية

أكدت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات ابتسام الكتبي ضرورة منح شعوب الخليج حقهم في اختيار حكوماتهم في ظل الإمارات والملكيات الدستورية الحديثة القائمة على أساس المواطنة المتساوية والشراكة في تقاسم الثروات الوطنية والمشاركة الفاعلة في مؤسسات الدولة بسلطاتها الثلاث.

وقالت الكتبي في ندوة «أهمية المشاركة السياسية وقيام دول مدنية في الخليج» التي نظمتها جمعية المنتدى في فندق الخليج مساء أمس الأول: «لا يزال مصطلح الدولة المدنية يثير الكثير من الالتباس في المنطقة العربية، ومرد ذلك إلى الخلط الكبير بين مفهوم الدولة المدنية والمجتمع المتدين، والمسافة ما زالت شاسعة بين دول المجلس وبين الدولة المدنية ودولة المواطنة القائمة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، فما زال هناك تمييز على مستويات وأصعدة عدة، فئوي ومذهبي وطائفي ومناطقي ونوعي».

وأوضحت الكتبي في الندوة التي أدارتها عضو مجلس الشورى ندى حفاظ بحضور عدد من أعضاء مجلسي الشورى والنواب وقادة الجمعيات السياسية والسفراء ونشطاء المجتمع المدني أن «دول الخليج تغيرت كثيرا من حيث الشكل الخارجي، بل هي أخذت بكل أسباب الحداثة من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية ولكنها ظلت عصية على التغيير من ناحية الحداثة السياسية وظل جوهرها محافظا، وبالرغم من اتجاه النظم الحاكمة في الخليج في السنين الأخيرة إلى تحديث بعض جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، إلا أن عملية التحديث لم تمس سوى الأشكال فقط، وبقيت المضامين تقليدية كما هي».

ورأت أن «الريع النفطي أدى إلى تحديث اقتصادي لكنه لم يخلق تحديثا سياسيا، وظل التناقض قائما في دول الخليج من عدم اعترافها بوجود تلك العلاقة الجدلية بين التحديث والديمقراطية والتي لم تر فيها إلا نموذجا غربيا لا يصلح للمجتمعات العربية ولا ينسجم مع تقاليدها وأخلاقها، بينما كان الأمر على خلاف ذلك في مجال السياسة الاقتصادية».

وأشارت الكتبي إلى أن «المشكلة الكبرى في دول مجلس التعاون تكمن في استمرارها في طور «دولة الرعاية» ولم تنتقل إلى دولة الشراكة. وأضافت «ما زالت العلاقة بين الدولة ومواطنيها قائمة على أساس أنهم رعايا لا شركاء، متلقون لا فاعلون، كما لم تنجح دول المجلس في عبور دولة القبيلة إلى الدولة المدنية الحديثة بمقوماتها العصرية القائمة على قاعدة المساواة والأهلية والانجاز بدلا من الولاء الشخصي والقرابة»، مردفة «لا تزال القبيلة هي محور الحياة السياسية والاجتماعية، ولا يزال الولاء للقبيلة أو العائلة هو احد المحددات المهمة للسلوك السياسي للفرد، فالمؤسسة القبلية في دول الخليج هي عقلية عامة ومبدأ تنظيمي وهي قنوات لإعادة توزيع الدخل».

ولفتت الكتبي إلى «عدم تمتع الدولة الخليجية باستقلالية حقيقية عن شخص الحاكم، ما يجعل جهاز الدولة في التحليل الأخير أداة في يد نخبة أو طبقة أو أسرة أو طائفة تستخدمها من أجل تحقيق مصالحها، وهو ما أسهم ولا يزال يسهم في تكريس حالة عدم التعاون بين الدولة والمجتمع، وكذلك غياب الفصل بين السلطات إلى جانب غياب التوازن بين السلطة التشريعية في النظام السياسي، إضافة إلى عدم وجود استقلالية للقضاء».

وانتقدت الكتبي تهرب الأنظمة السياسية الخليجية من الإصلاح السياسي الحقيقي بذرائع الخصوصية الاجتماعية أو الجغرافية، وقالت: «في مجال الحقوق والحريات، ومن خلال استقراء دساتير ونظم الحكم الأساسية لدول مجلس التعاون، نجد أنها تضمن الكثير من الضوابط والقيود الدستورية التي ساهمت في تهميش حقوق المواطنة ما يجعل ممارسة الحقوق والحريات العامة مجرد رخص قانونية وليست حقوقا أساسية للمواطن كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية».

وأضافت الكتبي «لقد برزت في مجتمعات الخليج شرائح اجتماعية تتطلع إلى المشاركة السياسية التي لا توفرها لها سوى العملية الديمقراطية، ومن هنا يصبح الخيار الديمقراطي بمثابة السبيل لاستيعاب هذه القوى الاجتماعية الصاعدة والطموحة، وتصبح المشاركة السياسية هي السبيل لخلق مصدر جديد للشرعية السياسية هو (الشرعية الديمقراطية)، وبذلك تنتقل المجتمعات الخليجية من صيغة المشاركة في تقاسم الثروة و(الكعكة الاقتصادية) في حقبة الطفرة النفطية إلى مشاركة سياسية في نطاق مجتمع مدني حديث ودولة مدنية حديثة لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها دولة حق وقانون، لا دولة نخبة وشريعة».

وذكرت أن «السلطات الحاكمة يجب أن تعي أن هناك متغيرات كثيرة ولا يمكن التعاطي معها بمنطق الماضي، ولا يمكن أن تحكم في القرن الواحد والعشرين بشيخ قبيلة، فالحديث يجب أن يكون على أسس الملكية الدستورية وليس على قواعد المشيخة والقبيلة وهذا ليس انتقاصا بالقبيلة».

وحذرت أنه «ما لم يتقرر حق شعوب الخليج في اختيار حكوماتهم ولو في ظل ملكيات وإمارات دستورية، وما لم يفسح الطريق للتعددية السياسية السليمة، والتداول السلمي للسلطة، وما لم يشعر الجميع بأنهم أبناء وطن واحد وشعب واحد لافرق بين مواطن وآخر ودون أي تمييز طبقي أو فئوي أو عشائري، وسواء أمام القانون والقضاء، وسواء في حصولهم على فرصهم في الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ معيار الكفاءة والأفضلية، وما لم يتم مراعاة ذلك فستظل منطقة الخليج عرضة لتغييرات كبرى سيكون للشعوب يد طولى في صناعتها، ولن يستطيع أحد تعطيل حركة التاريخ، أو إيقاف عجلة التغيير الاجتماعي الذي سيغير حتما الواقع السياسي، وهو ما يوجب على القوى السياسية والاجتماعية والفكرية العمل من اجل معالجة الوضع للوصول إلى رؤى إصلاحية توافقية سلمية تحقق الحرية والعدل والمساواة للجميع قبل فوات الأوان».

وفي تعقيبه على المحاضرة أشار الاقتصادي البحريني خالد عبدالله إلى أن «إحدى أهم الإخفاقات السياسية تبرز في عدم تطبيق مفهوم المواطنة، فلا زالت ذهنية الرعاية هي التي تهمين على التعامل بين الحاكم والمحكوم في دول المنطقة».

وأوضح أنه نتيجة لتراجع مفهوم المواطنة ولدت مفاهيم المرجعيات الفرعية، مبينا أن «هناك تجليات لهذا المفهوم تأخذ أبعادا في نسق تفاعل بين الحاكم والمحكوم، فنتيجة لتراجع المواطنة أدى ذلك إلى بروز مفاهيم المرجعيات الفرعية، وهناك تجليات صارخة في بعض البلدان العربية منها لبنان ما بعد الحرب والعراق اليوم وللأسف هذه الصورة قابلة للتكرار في مستويات مختلفة من الأزمة في دول أخرى أيضا».

وأكد أن «الثقافة الديمقراطية الحقيقية معناها منح الشعوب القدرة على اتخاذ القرار والتأثير في نسق حياتها، ولكن مع الأسف فان الثقافة الديمقراطية لدينا لم تتجلى حتى على مستوى قبول الرأي الآخر وهو أهم ركائز الديمقراطية، بل وصل الحال إلى نفي الآخر وانتشار التكفير، ونرى حاليا مجرد أحزاب ذات أطروحات فئوية، وهذه الجمعيات خلقت جدراناُ من التفتيت ولها مرجعيات عالمية».

وبدوره، رأى الباحث عبدالله المدني أن «العلمانية هي العلاج الانجح لمشاكل الدول متعددة الأعراق والقوميات والمذاهب والثقافات، فلا ديمقراطية بلا علمانية ولا علمانية بلا مشاركة سياسية حقيقية، وهناك خطر كبير هو تحالف صناع القرار مع المؤسسة الدينية المتشددة».

من جهته أوضح الناشط السياسي تقي الزيرة «ان الهاجس العام الموجود في الخليج حاليا يتجه نحو التغيير ولكن إلى أين درجة ومن أين يبدأ، فهناك مبادرات بدأت حتى من دون ضعط من الجماهير، ولكن الإشكالية من أين نبدأ التغيير، وهذه العملية ترتبط بإشكاليات كثيرة ومتعددة وإحدى الإشكاليات تكمن في وجود مراكز قوى ضد التغيير، والمصالح الاقتصادية للبعض والمصالح القبلية لآخرين وفي الفترة الأخيرة بدأت المصالح الطائفية، فالأحداث في العراق بدأت تنثر هذه السموم في المنطقة».

وانتقد الزيرة فرض خيار فكري محدد على الناس «لأن تأطير الطرح يغير دفة الصراع ويجعل المجتمع المدني يتضارب مع بعضه، وهذه مسألة يجب أن يجاوزها المثقفون، فهذه النظرة لم تعد تصلح لهذا العصر، والمسألة الأساسية هل يبدأ التغيير من الداخل والخارج وهل قوى المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني قادرة على التعبير عن نفس جماهيري يسد فجوة عدم الثقة بين الحكم والشعوب؟».

إلى ذلك، رأى نائب رئيس الهيئة المركزية في جمعية العمل الوطني (وعد) عبدالله جناحي «ان القيد الأكبر لبناء دولة مدنية في المجتمعات الخليجية يتمثل في الاقتصاد الريعي والثقافة الريعية وبالتالي عندما نصل إلى منعطف بأن النظم السياسية القبلية يجب أن تسمح للمشاركة والتداول السلمي للسلطة نصطدم مع قيد الاقتصاد الريعي».

وأضاف أن «الأنظمة تتعامل مع الثروة الوطنية وكأنها غنيمة، فالأنظمة تنظر إلى مسألة الشراكة وكأنها شرك، فأي إنسان يطالب بالشراكة في السلطة والثروة يتهم بالشرك، والتحدي الأكبر الماثل أمامنا هو كيفية تغيير هذا الاقتصاد ذو البنية الفوقية، ولكن الحكومات سيطرت على سياسات الاقتصاد، وأصبحت القبائل تملك الشركات الخاصة».

ونوه جناحي بأن «إحدى أهم أسباب لجوء الموطن إلى دائرة الطائفة بدلا من دائرة الوطن والأمة هي سياسات الحكومات، فحتى نستطيع تعزيز فكرة المواطنة نحتاج إلى نقد سياسات النظم السياسية، ولا بد من محاربة العقل الطفيلي في توزيع الثروة وفي رسم السياسات الاجتماعية».

العدد 2049 - الثلثاء 15 أبريل 2008م الموافق 08 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً