الكلمة في مقابل صورة، وحينما تكون الكلمات متراصات في جمل شعرية، تكون الصور التي شكلتها كلمات الشاعر السوري مروان ألبوما من الذكريات والمواقف الساخرة، كي يكون للحاضر عرضا في مخيلته من ذكريات هذا الشاعر الذي اغترب عن موطنه، مهاجرا لألمانيا بحثا عن فضاء أرحب للشعر.
مروان علي استهل أمسيته التي استضافته فيها أسرة الأدباء والكتاب، ودع مع الحاضرين أرض القاعة الصغيرة، ليعرج بهم في فضاءات مختلفة من حياته التي عاشها، إذ بدء بسرد لقصته مع التجنيد، وما واجهه من ظروف بعد تخرجه في إعادته للتجنيد الإجباري، ومدى القسوة التي كان يعاني منها ورفاقه في المعسكرات التدريبية التي كان المدربون فيها يتعاملون بحقد مع حملة الشهادات، في أسلوب لتغطية النقص الذي يستشعرونه في أنفسهم أمام هؤلاء.
بعد سرد هذه التجربة، أخذ مروان يسرد مجموعة من النصوص الشعرية التي حملها بين يديه، ومن هذه النصوص، نصطفي هذه المجموعة الصورية.
ألم
كانوا يحملون على ظهورهم ألم العالم
فجأة اهتدوا إلى نور بعيد
توقفوا ووضعوا الألم جانبا
لحظات ظنوا أنهم على حافة حياة أخرى
تنسيهم مرارة الحياة الأولى والخيانات الكثيرة
لم تكن سوى سعادة عابرة
كان الحمل يثقل
وكانت الحياة الأخرى
نسخة أخرى غير منقحة
من حياتهم الأولى
كان الألم يدل على الألم
راكضا باتجاه البحر
أنا مروان علي
ولدت في القامشلي
وسأموت في أمستردام
قريبا من ساحة الدام
وحـدائق التوليب والريد لايتس
منتشيا برائحة الماريجوانا
تفوح من غرباء
يشبهونني تماما
حملتني الحياة حملها الثقيل وكنت كمن يمشي على الماء أحيا وأفكر بالآخرين ناسيا نفسي وحياتي الشخصية لدرجة كنت أشعر أنني الآخرون وكان الآخرون ينظرون إليّ
غريبا عنهم
نبشوا ذكرياتي - كل ما كنت أملكه
كنت أظن يائسا مثل غيري من الشعراء
أن الشعر المنقذ الوحيد ولكنه الخائن الوحيد
كان يترصدني في الحانات المهجورة
وعلى أرصفة مدن غريبة
وعلى أسرّة باردة في غرف رطبة
ليدير ظهره لي حين كنت أحتاجه
إلهي
لم يعد لي حتى الشعر
ها أنا أدير ظهري للأصدقاء وللخيانات وللشعر راكضا باتجاه البحر
ضاربا صداقات جديدة مع الأمواج والنوارس والطحالب والرمل وأسماك القرش بعيدا عن وحوش تبتسم لي في وجهي وتترصدني لتنهشني في أقرب فرصة تتاح لها.
شاعر سوري مقيم في ألمانيا
أريد أن أموت عاليا
أريد موتا جميلا
أريد أن أموت عاليا.
الأخطاء…
الأخطاء الكثيرة
التي أضاءت عمري
لم تترك لي فرصة
النجاة.
أخطائي
لم تعد لي
غادرتني
إليهم
كل هذا الحب
كل هذا الألم.
موت
موت
موت
يا لروعة هذه الكلمة
يا للرغبة
في تجربتها.
لا أدري
لماذا كلما فتحت نافذة
لمحت حياة غير متوقعة
وموتا أيضا.
مت
كما تريد
ولكن أرجوك
لا تمت وحيدا.
الذين أحبهم
ماتوا
واحدا
واحدا
لذا أنتظر موتي
بشغف.
ستموت عذبا
كما تموت غيمة
ستموت رائعا
كما تموت أشجار التين
في الخريف
إنك رائع
حتى في موتك.
العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ