العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ

الدول الخليجية مطالبة بإنجاز الكثير للدخول في عصر «الاقتصاد المعرفي»

ينقصها الابتكـــار ورأس المال البشري

يشهد العالم ازديادا مطردا لدور المعرفة والمعلومات في الاقتصاد المعرفي, فالمعرفة أصبحت محرك الإنتاج والنمو الاقتصادي، كما أصبح مبدأ التركيز على المعلومات والتكنولوجيا عاملا من العوامل الأساسية في الاقتصاد. ويعتبر الاستثمار في الموارد البشرية باعتبارها رأس المال الفكري والمعرفي، والاعتماد على القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة بجانب انتقال النشاط الاقتصادي من إنتاج وصناعة السلع إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية من أهم سمات الاقتصاد المعرفي. فما مدى استعداد الدول الخليجية عموما والبحرين خصوصا للاستفادة من التطور التكنولوجي والمعرفي للدخول في حقبة الاقتصاد المعرفي.

يرى المختصون الذين استضافتهم «الوسط» في هذه الندوة أن الدول الخليجية وصلت إلى مراحل لا بأس بها في القطاع الصناعي على رغم وجود عوائق كثيرة منها توفر الأيدي العاملة والمواد الأولية, وقالوا «إن الاقتصاد المعرفي لا يعني إهمال الاقتصاد التقليدي, بل على العكس من ذلك فمن خلال الدخول إلى الاقتصاد المعرفي يمكن تطوير الصناعات التقليدية الحالية من خلال الاعتماد على التقنية العالية».

وعلى رغم تأكيد المختصين أن الاتجاه في تطوير الصناعات التقليدية يترابط بشكل وثيق مع اتجاه تطوير الاقتصاد المعرفي إلا أنهم أكدوا أهمية وضع استراتيجية واضحة لمستقبل الاقتصاد الوطني وقالوا «لا بد من وضع استراتيجية من قبل الهيئات العليا تشير إلى الاتجاه التي يجب اتخاذه في هذا المجال».

وأضافوا أن «الوصول إلى الاقتصاد المعرفي يتطلب وجود شراكة حقيقية بين القطاعات: الخاص، الأهلي والحكومي, وهذه الشراكة يجب أن تبنى على مشاركة المعلومات، في حين أن ذلك ما نفتقر إليه في الوقت الحالي, فالوزارات الحكومية غالبا ما تتعمَّد حجب المعلومات والأرقام عن القطاعين الأهلي والخاص لذلك فإن القطاع الخاص والشركات الكبرى لا تستطيع أن تضع لها خططا مستقبلية «. وفيما يأتي نص الندوة:

* قبل الدخول في موضوع الاقتصاد المعرفي وماهيته، وأهم الأسس التي يقوم عليها. هل نحن كمجتمعات خليجية نمتلك الخصائص الأولية لتحقيق المجتمع المعرفي؟ بمعنى آخر أليس من المفترض نصل إلى المجتمع المعرفي أولا ومن ثم نشرع في الدخول إلى الاقتصاد المعرفي أم أن ذلك يتم بالتوازي؟.

- عبد الله الصبياني: هناك خلط بين الاقتصاد المعرفي والمجتمع المعرفي, ولكن في نهاية المطاف يمكن أن يكونا الشيء نفسه, نحن في الجمعية العربية للاقتصاد المعرفي اقترحنا أن نأخذ بتسمية الاقتصاد المعرفي لأننا رأينا أن في هذه التسمية يوجد (فعل) وهو الممارسة الاقتصادية إذ إننا يمكن أن نخلق مجتمعا معرفيا ولكنه لا ينتج شيئا, ولذلك فإن أغلبية العالم اختارت الاقتصاد المعرفي كتعريف. وتعريف الاقتصاد المعرفي هو أن الاقتصادات التي لدى أفرادها ومؤسساتها وشركاتها الصغيرة والكبيرة القدرة على إنتاج معرفة جديدة أو معرفة موجودة لدى المجتمع البشري وتحويلها إلى منتجات وخدمات جديدة لرفع الإنتاجية والتنافسية والنمو الاقتصادي.

لو أخذنا هذا العريف وطبقناه على المجتمع الخليجي لوجدنا أننا لم نصل إلى هذه المرحلة فلدينا اقتصادات مواد أولية في الغالب وهي مادة النفط، وعلى رغم وجود خدمات إلا أننا نستجلبها من الخارج، وكل ما نقوم به هو تفعيل هذه الخدمات من خلال الشركات الصغيرة, ولكننا إلى الآن لم نستطيع أن نوجد معرفة ونحولها إلى اقتصاد. هناك بوادر جدُ ضعيفة في هذا الاتجاه ولكن المطلوب هو النية الصادقة للتحول إلى الاقتصاد المعرفي, كشركات أو جامعات أو حتى مجتمع وبعد ذلك يمكن وضع الاستراتيجيات والآليات لذلك.

القطاع المالي واقتصاد المعرفة

* بالنسبة إلى القطاع المالي وخصوصا المصارف الإسلامية ألا يدخل ذلك ضمن الاقتصاد المعرفي؟.

- الصبياني: ذلك يعتبر شيئا بسيطا جدا لأننا أوجدنا أدوات بسيطة جدا فباستثناء الصكوك الإسلامية ففي الخليج عموما الأدوات المالية التي نستخدمها لا توازي 10 في المئة من الأدوات المالية الموجودة في نيويورك مثلا أو في لندن. الفرق بين قطاعنا المصرفي والقطاع المصرفي لديهم هو أنهم لديهم القدرة على خلق أدوات مالية جديدة تتواكب مع احتياجات الاقتصاد لديهم, ولذلك أقول إننا مازلنا في البداية.

* السؤال موجه إلى حسين المهدي. قرأت تصريحا لك بأن الاقتصادات الخليجية ستنفق ما يوازي 1000 مليار دولار خلال العقد المقبل لاستثمارها في الاقتصاد المعرفي لدينا. أليس هذا المبلغ كبير جدا بالنسبة إلينا؟.

- حسين المهدي: أولا فيما يخص الاقتصاد المعرفي فإنه يرتكز على ما يملكه الإنسان من معرفة أكثر مما يملكه من وسائل مادية. سأرجع إلى موضوع الـ 1000 مليار دولار بعد قليل, ولكن عبدالله الصبياني ذكر قبل قليل تعريفا لاقتصاد المعرفة وأحب أن أضيف إلى التعريف نقطة مهمة وهي أن الاقتصاد المعرفي هو الذي يعتمد في جل قيمته المضافة على المعرفة, والمعرفة تعتبر في الوقت الحالي هي الثروة التي يمكن استغلالها, ففي الحقبة الصناعية كانت الثروة تتمثل في الآلات, وفي العصر الحجري كانت الثروة تتمثل في الصيد والبناء العضلي, في حين أن الاقتصاد التقليدي الذي نمر به الآن يعتمد على المبادلات التجارية, في حين اقتصاد المعرفة يعتمد في جزء كبير منه على المعرفة. فمثلا لو أخذنا الهاتف النقال فإن المواد التي تدخل في صناعته لا توازي 1 في المئة من قيمته في السوق وإن قيمته الحقيقية هي ما يدخل في تصنيعه من معرفة وتكنولوجيا.

فيما يخص المجتمع المعرفي والفرق بينه وبين الاقتصاد المعرفي. فالاقتصاد المعرفي يدخل في تكوينه أربعة أشياء أساسية وهي: المعرفة ورأس المال البشري والتشريعات الاقتصادية ومدى تطور تكنولوجيا المعلومات. الآن بخصوص الـ 1000 مليار. هذا الرقم تم أخذه من أحد الأشخاص المسئولين خلال افتتاحه لأحد المعارض المهمة، وخلال كلمته صرح بأن البنى التحتية في الدول الخليجية والعربية ستصرف زهاء 1000 مليار دولار خلال العشر سنوات المقبلة. من جانبي أعتقد أن هذا الرقم صحيح في حال أخذنا الاقتصاد العالمي الذي يستثمر 60 تريليون دولار ولذلك فإن هذا الرقم لا يمثل مبلغا كبيرا, كما لو أخذنا الاقتصاد الأميركي المسيطر على اقتصاد المعرفة فإنه يمثل 30 تريليون دولار.

* ولكن في الوقت الحالي ما حجم الاستثمار الخليجي؟.

- المهدي: إن الشركة الخليجية لاقتصاد المعرفة التي أسسناها حديثا قدرت حجم التجارة الالكترونية في العالم بين 5 إلى 10 تريليون دولار في حين بلغ حجم هذه التجارة في الخليج 1,98 في المئة من حجم التجارة العالمية وهي نسبة بسيطة جدا, فمثلا حجم التجارة الالكترونية في البحرين تقترب من 40 مليون دولار.

نقطة أخيرة في هذا المجال أحب أن أضيفها, لو نظرنا إلى مليارديرات العالم لوجدنا أن الغالبية منهم أتت ثرواتهم من الاقتصاد المعرفي مثل بيل غيتس الذي يمتلك شركة مايكروسوفت في حين المكسيكي كارلوس ملحم مستثمر في الاتصالات.

المجتمع المعرفي

- أسامة البحارنة: قبل أن نتخطى مسألة المجتمع المعرفي أحب أن أضيف نقطة مهمة هنا, أن المجتمع المعرفي لا يعني اقتصاد المعرفة وإنما هو عنصر مهم منه ويلعب دور تحسين الوصول إلى الاقتصاد المعرفي من خلال وضع الأطر التشريعية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية, فهذه الأطر إن تمت بشكل صحيح تحسن الوصول إلى الاقتصاد المعرفي.

إن الأطر الاجتماعية تُعنى بشكل أساسي بتحسين المهارات وتشجع الابتكار, ولذلك فإننا إن وصلنا إلى المجتمع المعرفي فإن بإمكاننا تحفيز الابتكار وقدرات الأفراد وهذه أمور مهمة في رفد الاقتصاد المحلي بغية الوصول إلى الاقتصاد المعرفي وبذلك نرى أن المجتمع المعرفي يمثل جزءا من آلية الوصول إلى الاقتصاد المعرفي.

* ما يعني أن المجتمع المعرفي يمثل خطوة أولى للوصول إلى الاقتصاد المعرفي؟.

- البحارنة: إنه يمثل إحدى الخطوات المهمة لذلك, قد لا نصل إلى المجتمع المعرفي في قفزة واحدة ولكن من خلال قفزات كثيرة لكي تصل إلى مجتمع متطور في هذا الاتجاه وفي الوقت نفسه يكون الاقتصاد قد حقق هو الآخر قفزات نوعية في الاتجاه نفسه.

* ما يعني إمكانية السير بشكل متوازٍ؟.

- البحارنة: من دون شك. في حين أن المجتمع المعرفي من المفترض أن يسبق الاقتصاد المعرفي على أساس أن المجتمع المعرفي هو محفز إلى الاقتصاد المعرفي.

- أحمد ناصر: لابد أن تكون هناك سياسة واضحة بخصوص الاستثمار في تنمية الموارد البشرية, بالإضافة إلى أهمية إيجاد تغيير في الثقافة الموجودة. إن نشر الثقافة تأتي من خلال حملات توعوية يجب أن تتبناها سياسات الدولة.

إن الهوة التقنية بيننا وبين الدول المتقدمة في هذا المجال كبيرة جدا, فنحن نعتمد بشكل أساسي على استيراد التقنيات من هذه الدول, وبالتالي فإن ذلك يساهم في تأخرنا عن الالتحاق بإطار الاقتصاد المعرفي.

* يذهب الباحثون الى أن الاقتصاد المعرفي يقوم على أربع ركائز أساسية هي: التعليم والتدريب, توافر بنية تحتية معلوماتية ديناميكية «كالانترنت ووسائل الاتصال الحديثة « توفر شبكة معلوماتية تربط مراكز البحوث والجهات الاستشارية والجامعات والشركات التجارية بالإضافة الى وجود بيئة اقتصادية وتشريعية تسمح بتدفق رؤوس الأموال بحرية وتدعم الاستثمار, الى أي مدى تتوفر هذه الركائز في دولنا الخليجية وفي البحرين؟.

- الصبياني: إذا نظرنا إلى ركيزة الإبداع , وركيزة البحث والتطوير والريادة في الأعمال, فإنها تعتمد بشكل أساسي على الشباب والمستقبل, هذه الركائز قد تزيد أو تنقص ولكن التعليم يعتبر أم الصناعات - إن جاز التعبير- إن هذه الركائز في الخليج تتفاوت في الضعف, إذ لا توجد قوة لدينا فيها, يمكن أن نوجد تعليما عاليا جدا ولكننا نفتقر إلى إيجاد المعرفة أو أن نخلق معرفة جديدة عن طريق مراكز البحث والتطوير. هناك بوادر بدأت في بعض البلدان الخليجية, إذ إن الجامعات كثيرة لدينا في المنطقة ومراكز الأبحاث كذلك. إن أهم ما ينقصنا حاليا هو وضوح الرؤية لدى المسئولين في الحكومة ورجال الأعمال والأكاديميين, إن وضحت الرؤية لديهم وتناغموا في الأداء فإن الباقي من السهل إيجاده حتى وإن كانت الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة كبيرة جدا.

* هل صحيح الحديث في الوقت الحالي عن الاقتصاد المعرفي في حين نفتقر كدول خليجية إلى الصناعات التقليدية حتى الخفيفة منها. أليس من الأجدى التركيز في الوقت الحالي على تطوير الصناعات التقليدية بدلا من الاتجاه إلى الاقتصاد المعرفي؟ على سبيل المثال خلقت أزمة التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا أزمة لدينا وكشفت مدى هشاشة نظمنا الاقتصادية؟.

- البحارنة: هذا الموضوع يعتبر استراتيجية الدولة, إذ لا بد من وضع استراتيجية من قبل الهيئات العليا تشير إلى الاتجاه التي يجب اتخاذه, فهل الدولة تريد أن تخطو في اتجاه بسيط لتطوير الصناعة ومن ثم القفز إلى الاقتصاد المعرفي, ولكنني مع ذلك أرى ترابط الاتجاهين مع بعضهما البعض, بسبب أن الخليج وصل إلى مراحل لا بأس بها في الاتجاه الصناعي ولكن هناك معوقات كثيرة منها توفر الأيدي العاملة والمواد الأولية. إن الاقتصاد المعرفي لا يعني إهمال الاقتصاد التقليدي ولكن يمكن من خلال الاقتصاد المعرفي تطوير الصناعات بالاعتماد على التقنية العالية. نحن نقول بأن نسبة كبيرة من الدخل القومي يأتي من خلال الاقتصاد المعرفي ولكن هناك نسبة أخرى يمكن أن تأتي من خلال الصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وهذه الصناعات تحتاج إلى تقنيات عالية في حال دخولنا في مرحلة الاقتصاد المعرفي.

والسؤال عن مدى استعداد الدول الخليجية والدول العربية للدخول في اقتصاد المعرفة يمكن الإجابة عليه من خلال أربع خصائص, أولا من حيث مدى توفر البنى التحتية, فهذه البنى متوفرة في الدول الخليجية بشكل أكبر من الدول العربية الأخرى وهي بلا شك تنافس الدول الأجنبية, والسبب الرئيس في ذلك هو أننا لدينا قدرة كبيرة على شراء هذه التقنية, ولذلك فإن البنى التحتية من تقنية المعلومات والاتصالات متوفرة لدينا فهي لا تمثل إشكالا لدينا للوصول إلى الاقتصاد المعرفي.

بالنسبة إلى التعليم والتدريب. لدينا في البحرين مشروع جلالة الملك (مدارس المستقبل) وذلك سيؤدي إلى أن خريجي الثانوية العامة والذين يشكلون مشكلة كبيرة في الاقتصاد البحريني حاليا سيكونون في المستقبل أقرب إلى المجتمع المعرفي من خلال قدرتهم على التعامل مع التقنية المتطورة والتعامل معها, كما أن البحرين اتخذت خطوات أخرى في هذا المجال كالتدريب, ولذلك في هذه الخاصية دول الخليج تتخذ خطوات جادة ويمكن القول أيضا إننا أفضل من دول عربية كثيرة بل ويمكن القول بأننا في الدول الخليجية يمكن أن نصل في مجال التعليم والتدريب إلى مجتمع معرفي.

إما بالنسبة للخاصية الأخرى وهي الابتكار فإن المجتمعات الخليجية لازالت ضعيفة بسبب أننا لا ننتج بحوثا, فإن الابتكار يقاس بعدد براءات الاختراع والاستثمار في مصانع التقنية وكل ذلك لم يصل إلى المستوى المطلوب. الابتكار يأتي من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية.

أما ما يخص الأطر القانونية والتشريعية فإنها أيضا ضعيفة لدينا على رغم أن البحرين متقدمة في هذا المجال بالنسبة إلى الكثير من الدول العربية. إن هذه الأطر تساهم بشكل كبير في جذب الاستثمارات والشركات الأجنبية. لا يمكن خلق مجتمع معرفي أو اقتصاد معرفي في ظل وجود مجتمع منغلق وغير منفتح مع الأفكار والمجتمعات الأخرى.

الابتكار وبراءات الاختراع

* فيما يخص الابتكار يمكن إيراد بعض الأرقام الدالة على مستوى الابتكار لدينا مقارنة مع الدول الأخرى، ففي العام 1991 أنتجت الدول العربية 5600 كتاب مقابل مليون و2000 كتاب في أميركا الشمالية و42 ألف كتاب في أميركا اللاتينية, كما بلغ إنفاق الدول الغربية في البحث العلمي 360 مليار دولار في العام 2000 كانت حصة أميركا منها 180 مليار دولار. فهل ترون أن ما تنفقه الدول العربية في مجال البحث العلمي والابتكارات مقبولا مقارنة مع الدول الأخرى؟

- المهدي: سأبدأ أولا فيما يخص الابتكار الذي يقاس بعدد براءات الاختراع فلنتصور أن الولايات المتحدة في العام 2000 سجلت 265 ألف براءة اختراع وبعدها اليابان 124 ألفا والصين 50 ألف براءة اختراع, في حين أن العالم العربي بعيد جدا بسبب أن العالم العربي يصرف 0.1 في المئة من دخله القومي على الأبحاث.

النقطة الأخرى هي الموارد البشرية التي تحتاج إلى مدة طويلة ومبالغ كبيرة لإيجادها وتطويرها ونحن نعاني من ذلك, ولهذا فإن إصلاح التعليم والتدريب مهم جدا للوصول إلى اقتصاد المعرفة.

إن « الإسكوا» أجرت تقيما كليا على الدول العربية من حيث البنى التحتية والتعليم والتدريب ومستوى الابتكار والتشريعات ولم تحصل أية دولة عربية على المستوى المتقدم المحدد بخمس نقاط, البحرين حصلت على أربع نقاط في البنى التحتية للاتصالات إذ إن البحرين كانت لديها منذ العام 1954 أول شركة اتصالات كما حصلت البحرين على مستوى متقدم في مجال التعليم ومحو الأمية وكان مستوى البحرين يعادل لبنان وبريطانيا.

* هناك مؤشر آخر للبنك الدولي للمجتمع المعرفي للعام 2006 وضع البحرين في المرتبة 55 عالميا من أصل 132 دولة خضعت للتقويم إذ حصلت الدانمارك على المرتبة الأولى وسيراليون المرتبة الأخيرة؟

- البحارنة: إن أحد الأسباب التي وضعت البحرين في المرتبة 55 في حين حصلت دولة قطر على مرتبة 44 وهي كذلك قفزت 8 درجات أعلى في فترة بسيطة بسبب أن دولة قطر سجلت براءات اختراع واحدة في العام 2005, إن مثل هذه الأمور ترفع في حسابات البنك الدولي و «الإسكوا» وغيرهما من المنظمات وهي مهمة جدا لديهم ولكنها لدينا غير مهمة بتاتا ولذلك لا يوجد تشجيع على الابتكار فلا أحد من المسئولين مستعد أن يصرف مبالغ كبيرة ولمدة طويلة مقابل أن تسجل البحرين براءة اختراع.

- المهدي: الدول الخليجية تصرف في المتوسط على الشئون العسكرية والأمنية ما بين 5 و10 في المئة من الدخل القومي في حين تصرف 0.1 في شئون البحث والتطوير.

على رغم ذلك لدينا خاصية لا توجد في الدول الخليجية الأخرى وهي وجود عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني المرتبطة بشكل وثيق مع مجتمع المعرفة فهناك مثلا ما يقارب من خمس جمعيات أهلية للتطوير والتدريب, كما يوجد لدينا توجه لتطوير اقتصاد المعرفة من خلال طرح منتجات وإقامة ندوات وورش عمل تصب في هذا الاتجاه, ففي العام 2005 وضعنا اللبنات الأولى لإنشاء الجمعية العربية لاقتصاد المعرفة وفي العام 2006 أنشأنا الشركة الخليجية لاقتصاد المعرفة اللتين قامتا بالكثير من ورش العمل كالمنتدى الأول للتجارة الإلكترونية كما عقدنا ورشة عمل في الكويت عن التشريعات الإلكترونية وننوي خلال الشهر الجاري إقامة ورشة عن إدارة المعرفة كما قمنا بتوقيع اتفاقية مع إحدى الجامعات لتدشين شهادة الماجستير في إدارة المعرفة واقتصاد المعرفة خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

إدارة المعرفة

* غالبا ما يتم الحديث عن المجتمع المعرفي والاقتصاد المعرفي في حين يكون الحديث عن إدارة المعرفة مغيبا تماما ما هو السبب في ذلك؟

- ناصر: إن إدارة المعرفة أساس مهم فيما يتعلق بالاقتصاد المعرفي, نحن نقر بأن هناك اقتصادا معرفيا موجودا لدينا ولحد ما ولكن إدارة المعرفة هي الأساس لذلك, نحن نتحدث عن إدارة معرفة في حين أن المعرفة يمكن أن تكون مشتتة وغير ملموسة وكوننا نحول هذه المعرفة إلى معرفة مقروءة وملموسة هنا يقع التحدي الأساسي, إضافة إلى أننا حين نتحدث عن إدارة المعرفة فإن هناك الكثيرين ممن يخلطون بين تقنية المعلومات وإدارة المعرفة ولذلك يجب أن توجد ثقافة معينة سواء على المستوى المؤسساتي أو المستوى الوطني.

* ذكرتم في مقابلة سابقة أن الجمعية بصدد عمل أول تقرير عن وضع الاقتصاد المعرفي في العالم العربي على شكل دراسة إحصائية سيعلن عنها نهاية العام 2007 بعد جمع ورصد كل الأرقام والبيانات الإحصائية من مختلف الدول العربية, الى أين وصلتم في هذا المشروع؟

- الصبياني: سنقوم بذلك في مرحلة متقدمة إنشاء الله, إذ واجهتنا صعوبات في الحصول على المعلومات المطلوبة, ولكننا في الجمعية ركزنا في الفترة السابقة على تحفيز الشركات على الابتكار؟

* ولكن لماذا أوقفتم مشروع التقرير حول الاقتصاد المعرفي؟

- الصبياني: بسبب عدم توفر المعلومات الخاصة بالوطن العربي.

* ولكن اقتصاد المعرفة يعتمد اعتمادا أساسيا على نشر المعلومات واستثمارها بالإضافة إلى توليدها طبعا. وهنا يمكن أن يظهر أكثر من سؤال, الدول الخليجية تتعامل مع المعلومات كسر من أسرار الدولة وفي حال توافر هذه المعلومات غالبا ما تكون قديمة تعود لأربع أو خمس سنوات ماضية والسؤال هنا كيف يمكن الدخول في الاقتصاد المعرفي في هذه الحالة؟ قبل أسبوع واحد من الآن تم استجواب أحد الوزراء في البرلمان البحريني بسبب المعلومات الخاصة بعدد السكان في البحرين فإن كنا لا نعرف عدد السكان هل يمكننا الحديث عن الاقتصاد المعرفي في البحرين ناهيك عن نسب البطالة والتضخم والنمو؟

- الصبياني: هذه الأرقام بسيطة ولكن في الاقتصاد المعرفي نحتاج المعلومات الأكثر تعقيدا؟

أهمية الشراكة في خلق الاقتصاد المعرفي

- البحارنة: حتى في حالة المعلومات المركبة, إن أردنا الوصول إلى الاقتصاد المعرفي يجب أن تكون هناك شراكة بين القطاع الخاص والقطاع الأهلي والقطاع الحكومي, وهذه الشراكة يجب أن تبنى على مشاركة المعلومات وذلك ليس موجودا لدينا, فلو ذهبت لأية وزارة وطلبت منها الخطة الخمسية لديها وحتى إن كانت موجودة فإنها لا تقدم لك معلومات عنها, في حين أن الشركات الكبرى تريد أن تخطط للمستقبل وتريد أن تعرف اتجاه الاقتصاد المحلي خلال الخمس أو العشر سنوات المقبلة للاستعداد لذلك من خلال الموارد المالية والبشرية والصناعية كما تريد هذه الشركات وضع خطة تدريبية لموظفيها. ولذلك فإن هذه الشركات لا تستطيع أن تخطط للمستقبل بسبب أن الاقتصاد يدار من قبل الحكومة والوزارات ونحن لا نعرف إلى أين يتجهون بسبب أن الخطط توضع في الأدراج ولا يستطيع أحد أن يطلع عليها وذلك يعد معوقا كبيرا للوصول إلى الاقتصاد المعرفي.

- ناصر: يجب على الحكومات أن تأخذ دورها في تعزيز ونشر الوعي فيما يتعلق بالاقتصاد المعرفي.

- البحارنة: كما يجب على الحكومات أن تقدم الحوافز للقطاع الأهلي والقطاع الخاص.

- ناصر: بالضبط, فمن الضروري أن تتخذ الحكومات خطوة شجاعة فيما يتعلق بمشاركة المعلومات وتعزيز مفهوم الاقتصاد المعرفي, فأي منتج اليوم وحتى المنتجات البسيطة قائمة على أساس أرقام أكثر منها قائمة على أساس مواد أولية, فإن تعديل وتحليل والمواد الأولية يتم عن طريق أرقام ورموز وهي التي تدخل كعامل أساسي في إنتاج أية بضاعة بسيطة.

- البحارنة: لو دخلنا على أي موقع إلكتروني لأية وزارة من الوزارات فلن تجد أية معلومة عن الخطط الموضوعة, وكل ما تحصل عليه هو ما قام به الوزير من افتتاح لمعارض أو ما شارك به الوزير من حفلات التكريم أو غيرها من أمور سابقة, حتى أنهم لا يضعون الأخبار المقبلة أو التي سيقومون بها في المستقبل.

حتى أن الإحصاءات والأرقام دائما ما تكون قديمة وتعود لأربع أو خمس سنوات ولا يمكن الاستفادة منها.

- ناصر: نحن نتحدث اليوم في البحرين عن وجود مشكلة البطالة وإشكالية التوظيف وإيجاد وظائف للبحرينيين, كما أصبحنا نصدر عمالتنا للدول المجاورة في حين أن تفعيل الاقتصاد المعرفي سيحد من هذه المشكلة.

- البحارنة: إن ما هو حاصل أن بعض الوزارات تحفز الشركات على توظيف البحرينيين في الوظائف الدنيا كالسواقين والباعة بدل أن تحفزهم على توظيف البحرينيين في الوظائف ذات القيمة المضافة العالية من خلال تدريبهم ولكي يصبحوا في النهاية جزءا من المجتمع المعرفي وفي نهاية الأمر جزءا من الاقتصاد المعرفي.

الأيدي العاملة الماهرة

* يعتمد الاقتصاد المعرفي بصورة أساسية على الأيدي العاملة المتخصصة والماهرة في حين تعتمد سوق العمل لدينا على الأيدي العاملة الرخيصة, ألا يؤثر ذلك على تأخر مجتمعاتنا في الدخول لعصر الاقتصاد المعرفي؟

- الصبياني: إن الاقتصاد المعرفي موجود لدينا ومن مدة طويلة, ولكن ما هو حاصل أن مكونات المعرفة لدينا مفقودة, ولنأخذ مثالا كصناعة النفط الموجودة لدينا فهي موجودة في الدول الخليجية منذ أكثر من 70 سنة, ولكن كم تبلغ براءات الاختراع التي حققناها في هذه الصناعة على مدى السنوات الماضية, أنا موظف في شركة «ارامكو» التي تعتبر أكبر شركة مصدرة للنفط في العالم, لم تبلغ براءات الاختراع في هذه الشركة العملاقة أكثر من 40 اختراعا على مدى السنوات الماضية, وذلك على رغم وجود خبراء وموظفين على مستوى عالٍ من المعرفة بصناعة النفط, هناك أكثر من وجه للمعرفة, هناك خلق المعرفة، وهناك نشر المعرفة, وهناك إدارة المعرفة.

هناك معرفة موجودة لدينا وفي صناعات كثيرة حتى في صناعة اللؤلؤ مثلا هناك معرفة لدى أبائنا وأجدادنا ولكن كيف استفدنا من هذه المعرفة وكيف وظفناها.

- البحارنة: لا أظن أن نشر مجتمع المعرفة لدينا في الدول الخليجية يشكل معضلا كبيرا والسبب في ذلك هو أن عدد السكان لدينا قليل جدا مقارنة بباقي الدول, فالبحرينيين يشكلون ما بين 40 و50 في المئة من عدد السكان الذين لا يتجاوزون المليون نسمة, وكذلك في الإمارات يشكل الإماراتيون ما بين 20 و25 في المئة من عدد السكان والكويت كذلك, ولذلك فإن إيصال المواطنين الخليجيين إلى المجتمع المعرفي أو الاقتصاد المعرفي لن تكون مشكلة كبيرة, كما أن الموارد المالية موجودة لتحقيق ذلك, كما أنه يجب التركيز على جلب العمالة الأجنبية المبدعة وليس العكس أي التركيز على العمالة الرخيصة التي تحتاج إلى التدريب.

- الصبياني: إن ما حدث من تطور علمي في أميركا كان بسبب استقطاب العقول الأوربية والصينية والآسيوية وحتى العربية للولايات المتحدة والاستفادة منها, وذلك ما يجب أن يحدث لدينا من خلال استقطاب أصحاب المعارف والتفاعل معهم.

- ناصر: إن ما يجب معرفته هو أننا لن نبدأ من الصفر في إيجاد الاقتصاد المعرفي .

ما هو الاقتصـــــاد المعرفي؟

هو الاقتصاد الذي يدور حول الحصول على المعرفة، والمشاركة فيها، واستخدامها، وتوظيفها، وابتكارها، بهدف تحسين نوعية الحياة بمجالاتها كافة، من خلال الإفادة من خدمة معلوماتية ثرية، وتطبيقات تكنولوجية متطورة، واستخدام العقل البشري كرأس للمال، وتوظيف البحث العلمي، لإحداث مجموعة من التغييرات الاستراتيجية في طبيعة المحيط الاقتصادي وتنظيمه ليصبح أكثر استجابة وانسجاما مع تحديات العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعالمية المعرفة، والتنمية المستدامة بمفهومها الشمولي التكاملي.

وعناصر الاقتصاد المعرفي هي:

- بنية تحتية مجتمعية داعمة.

- الربط الواسع ذو الحزمة العريضة.

- الوصول إلى الإنترنت.

- مجتمع متعلم.

- عمال وصناع لديهم معرفة: معرفة، قدرة على التساؤل، والربط.

- منظومة بحث وتطوير فاعلة.

فوائد الاقتصاد المعرفي

- يعطي المستهلك ثقة أكبر وخيارات أوسع.

- يصل إلى كل محل تجاري ومكتب وإدارة ومدرسة.

- يحقق التبادل إلكترونيا.

- يغير الوظائف القديمة، ويستحدث وظائف جديدة.

- يقوم على نشر المعرفة وتوظيفها وإنتاجها في المجالات جميعها.

- يرغم المؤسسات كافة على التجديد والإبداع والاستجابة لاحتياجات المستهلك أو المستفيد من الخدمة.

- له أثر في تحديد: النمو، والإنتاج، والتوظيف، والمهارات المطلوبة.

سمات الاقتصاد المعرفي

- الاستثمار في الموارد البشرية باعتبارها رأس المال الفكري والمعرفي.

- الاعتماد على القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة.

- انتقال النشاط الاقتصادي من إنتاج وصناعة السلع إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية.

- اعتماد التعلم والتدريب المستمرين، وإعادة التدريب.

- توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ict) بفاعلية.

- تفعيل عمليات البحث والتطوير كمحرك للتغيير والتنمية.

- ارتفاع الدخل لصناع المعرفة كلما ارتفعت وتنوعت مؤهلاتهم وخبراتهم وكفاءاتهم.

- عقود العمل هي أكثر مرونة ومؤقتة ومرتبطة بالمهمة.

ويعتمد الاقتصاد المعرفي اعتمادا أساسيا على نشر المعلومات واستثمارها بالإضافة إلى توليدها طبعا. فنجاح المؤسسات والشركات يعتمد كثيرا على فعاليتها في جمع المعرفة واستعمالها لرفع الإنتاجية وتوليد سلع وخدمات جديدة، وقد أصبح الاقتصاد يقاد من قبل سلسلة هرمية من شبكات المعرفة التي تتغير فيها المعلومات بمعدلات سريعة. وهناك أنواع عديدة بشبكات المعرفة مثل شبكات الجامعات وشبكات مراكز البحوث وشبكات مؤسسات المعلومات كالمكتبات ودور النشر ومراكز التوثيق وشبكات الصناعات المختلفة وغير ذلك من الشبكات. وأصبح المجتمع الذي لا يعتني بتشبيك مؤسسات المعرفة مجتمعا متأخرا عن الركب الاقتصادي العالمي.

ويقدر الاقتصاديون أن أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في الدول (OECD) مبني على المعرفة. فقد ازدادت الصناعات المبنية على المعلومات في معظم الدول المتقدمة بالنسبة إلى مجمل الصناعة بشكل ملحوظ بين العام 1970 والعام 1994 ، ويتبين ذلك من زيادتها في صادرات هذه الدول إذ تراوحت هذه الزيادات لتصل إلى 36 في المئة في حال اليابان و37 في المئة للولايات المتحدة و43 في المئة في ايرلندا و32 في المئة في المملكة المتحدة. ويزداد استثمار الدول في المعرفة والمعلومات من خلال الصرف على التعليم والتدريب والتطوير في القطاعين العام والخاص.

العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً