العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ

بوليوود أمام هوليوود... الفائز أشقر

بوليوود الهندية التي أنتجت الآلاف من الأفلام السينمائية طوال العقود الماضية، فغنى أبطالها ورقصوا بين الأشجار والورود، وتمايلت خصور حسناواتها بألوان زاهية وأصوات قوية وحادة، وتحمل أبطالها من الرجال المشاق والشدائد بكل أشكالها، ليصلوا للبطلة الحسناء الفاتنة، فيرقصوا الرقصة الختامية للفيلم مع كل من أدى دور فيه.

كل هذا الرقصات والأغاني لم تنتصر لبوليوود الهندية، أمام هوليوود الأميركية، التي لو نظرنا إليها بتمعن لوجدنا أنها لا تتفوق على بوليوود بالكثير وإنما تختلف عنها بالنوع والشكل والجمهور.

خلال فترات الأربعينيات والخمسينيات كان لحفلة الفيلم الهندي في السينمات العربية صدى وحضور قوي، ففي بعض الدول العربية كانت نساء الحي يعلن الاستعداد للفيلم قبل ساعات من بداية عرضه، فينزلن مجموعات لمتابعته على هذه الشاشة الفضية التي كن يرينها ساحرة، وتخرج غالبيتهن بعيون حمراء وأنوف متورمة لكثرة البكاء على البطل والبطلة وعلى أم البطل وأم البطلة، ويتبادلن المحارم الورقية ما بينهن ويشتمن الأشرار الذين فرقوا الأم عن ابنها والحبيبة عن حبيبها.

غير أن أيام البكاء على هؤلاء النجوم ولت وضاعت، وحل مكانهم نجوم ينطقون الإنجليزية وبلكنة أميركية في غالب الأحيان، وحسناواتهن شقراوات لا يمتلكن سمرة فتيات الهند الجميلات.

فهوليوود التي تتربع الآن على عرش إنتاج الأفلام السينمائية، لم تترك فرصة لبوليوود للتقدم عليها ولا حتى لعام، على رغم أن ما قد ينتج في أميركا من أفلام يقارب عدد ما ينتج في الهند من أعمال.

إلا أن هوليوود بأدواتها المبهرة تفوقت من دون منازع، بعدد أكبر من الوجوه الفنية الشهيرة والمحترفة لمهنة التمثيل، وبتكنولوجيا تخدم متطلبات تصوير مشاهدها بخدع تفوق الخيال، وموازنات ترصد لدعم كل شاردة وواردة بما فيها الحملات الدعائية والإعلانية للأعمال.

وبوليوود على رغم الموازنات الكبيرة التي تنفقها على أعمالها السينمائية فإنها مازالت تعاني من أزمات إبداعية صعبة من بينها قلة الوجوه السينمائية المحترفة للتمثيل، وتكرار قصص الأفلام ومشاهدها في كل فيلم تقريبا، وكثرة اللوازم (من لازمة) في الأفلام، فالفيلم الهندي لابد أن يكون فيه على أقل أربع إلى خمس رقصات استعراضية، (هذا طبعا إذا كان الفيلم حزينا)، أما في حال كثرت الأفراح في الفيلم وتلاقى العشاق كثيرا أثناء سرد الأحداث، فيمكن التحدث عن عدد أكبر من الرقصات والأغاني.

كما أن وقائع الفيلم الهندي في غالبية الأحيان تجري في دائرة صراع بين فاحشي الثراء والفقراء جدا، فالبطلان العاشقان بالضرورة من طبقتين مختلفتين، وهلم من هذه الأمور الكثير.

وعلى رغم العيوب التي تشوب عددا كبيرا من الأعمال الهندية فإن هذا لن ينفي تميز وإبداع الكثير منها، وخصوصا الأعمال التي حاولت أن تعالج قضايا وأزمات إنسانية مقتبسة من واقع الحياة الهندية.

وفي حين أن هوليوود التي ترمي علينا وعلى مختلف جماهير العالم مختلف أنواع الأعمال المميزة والسطحية والمعقدة والفاشلة، استطاعت أن تجنب نفسها الإقصاء الذي عانته بوليوود في دول العالم الأخرى، فغفر للكثير من الأعمال الهوليوودية شح الإبداع فيها، على أن تتمكن من تتصدر شباك تذاكر السينما لفترة معينة، حتى وإن أجمع النقاد والمهتمون على سطحيتها.

وقد تكثر المقومات التي تقدم هوليوود الأميركية في المرتبة السينمائية على بوليوود الهندية، إلا أن البعض يرى أن الإشكالية هي في التقبل والتفاعل الجماهيري مع مصدر العمل (الهند أو أميركا)، فيقول هذا الرأي، إن شعوب العالم الثالث وخصوصا الدول العربية كانت تتفاعل مع العمل الهندي في فترة من الفترات لكونه كان النموذج المتاح، والذي يتفوق على ما كانت تنتجه من أعمال سينمائية في حينها، كما أن عدد العمالة الوافدة من تلك المناطق كان أقل بكثير، في حين أننا نتعامل الآن مع العمل السينمائي الهندي من منطلق تعاملنا مع عدد كبير من العمالة الوافدة المنتشرة بكثرة في عدد كبير من الدول العربية، وفي مقابل ذلك مازال الأميركي الأشقر قادرا على أن يبهر ناظره في الشارع فكيف بناظره على الشاشة الفضية.

ولعل الفيلم الهندي سيتمكن في يوم من الأيام من أن يحدث له قصة هندية عجيبة غير منطقية تجعله يتربع على عرش الإنتاج السينمائي مرة أخرى، فنكتشف من دون سابق إنذار أن بوليوود كانت في الصدارة دون علمنا كما على غرار الدعابة التي تطلق على الأفلام الهندية (أن رجلا هنديا كان يمشي على ضفة النهر فوجد طفلة رضيعة ملقاة على أحد الجوانب فأخذها ورباها، وعندما كبرت اكتشف أنها أمه).

العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً