كشف عضو هيئة المدرّسين بدار القرآن التابع للجمعيّة الخيريّة للخدمات الاجتماعيّة بالقطيف زكي سلمان العبّاس أنّ مصر أقفرت الآن من القرّاء المبدعين القدامى، واعتبر أن تقليد المقرئين الكبار كالشيخين عبدالباسط عبدالصمد ومحمّد صدّيق المنشاوي يعدّ مرحلة أولى لا يصحّ الثبات عليها؛ لأنّها تفقد السامع عنصر المفاجأة.
وأوضح العبّاس الذي يحضّر لنيل الرواية بالقراءات السبع أنّ مستوى قرّاء القرآن الكريم في العالم الإسلاميّ إلى انحدار، مشيرا إلى أنّ المدارس الصوتيّة للقرّاء محصورة الآن في عدد محدود لم يظهر فيها ابتكار جديد بعْدُ. ودعا العبّاس إلى التزوّد من المعين نفسه الذي نشأ عليه المقرئون الكبار عبر اعتماد «المنهج الإقرائيّ».
وقال زكي على هامش التصفيات النهائيّة لتلاوة الكبار ضمن مسابقة الذكر الحكيم التاسعة إنّ «تقليد الشيخين محمّد صدّيق المنشاويّ وعبدالباسط عبدالصمد مرحلة أولى تقليديّة لا يصحّ الثبات عليها، فالمقرئان محدودان في استخدام المقامات القرآنيّة بالنسبة إلى غيرهما، ولذلك يكون تقليدهما أسهل وأيسر، بخلاف تقليد الشيخ مصطفى إسماعيل الذي يمتاز باستخدام أوسع للمقامات الأصليّة والفرعيّة»، وأضاف «الغريب أنّنا لا نجد عبدالباسط متقنا لجميع المقامات، فعند استعراضنا لمقاماته نلاحظ أنّ مقام النهاوند نادر جدّا وربما مفقود في كثير من تلاواته المشهورة، وبالنسبة للمقامات المتفرّعة فنكاد لا نجدها مثلا كمقام الرَّمَل، بينما العكس صحيح عند أستاذه مصطفى إسماعيل فهو متقن لها جميعا، وحقيقة أعتقد أنّه قلّما نجد قارئا متقنا لجميع المقامات مثله».
وأضاف العبّاس أنّه «على قارئ القرآن المبتدئ أن يعتبر التقليد مرحلة أولى ولا يقتنع بها، بل عليه دائما أن يحاول تطوير نفسه ليخرج من طور التقليد إلى طور الإبداع والتجديد»، لافتا إلى أنّ ذلك «لا يعني التقليل من أهمية التقليد، ولكنّه طور للقارئ المبتدئ وليس هدفا، والقضية في النهاية بحسب الاجتهاد وبحسب الاستعدادات والقابليّات».
وقال العبّاس إنّ مستقبل مصر على مستوى القرّاء لا يبدو مشرقا، مشيرا إلى أنّ إحدى الجلسات التي جمعتهم مع المقرئ المشهور الشيخ أبي العينين شُعيشع تمّ التطرّق فيها إلى مستقبل قراءة القرآن في مصر، فكان ردّ شُعيشع بكل أسف بأنّ «مصر أقفرت من القرّاء المبدعين القدامى ولا تجد إلا المقلّدين».
وأشار العبّاس إلى أنّ «من سيّئات التقليد افتقاد عنصر المفاجأة للمستمع المتذوق، فبمجرّد أن يبتدئ القارئ حتى يدرك السامع كيف سيغلق المقام، وبالتالي لا يغدو القارئ مؤثّرا في السامع»، وأضاف «أتمنى من لجان التحكيم في مسابقة الذكر الحكيم وأيّة مسابقة للتلاوة أن تعنى بهذه الظاهرة، وتعتبرها سلبيّة للقارئ بحدّ أدنى، كما يجب أن يقدّم القارئ المجدِّد على المقلِّد في مقام معدل المقامات».
وأضاف «وتأسيسا على ما سبق لابدّ أن تتوافر في لجنة التحكيم صفات أساسية على مستوى أحكام التجويد ومستوى البلاغة ومستوى الفصل والوصل وعلى مستوى جلوس القارئ وهيئته وتحرّكه بعدما أصبح النقد الإقرائيّ في العصر الحاضر فنّا كبقيّة الفنون ينبغي مراعاته مثلما الفنون الأخرى، صحيح أنّ المجتمع ينظر للصوت فقط، إلا أنّ هناك جوانب أخرى مهمّة للقارئ، فينبغي اطّلاعه على علوم العربية والبلاغة وتفرعاتهما والمقامات بشكل وافٍ حتى يستخدم المقام المناسب للآية المناسبة، وتحديدا هذه النقطة هي ما أعطى الشهرة لمصطفى إسماعيل والمنشاوي».
وأوضح العبّاس أن المنهج الإقرائيّ يجعل المتلقّي أمام رُكام قرائي قرآنيّ متنوّع يناقشه ويتعامل معه بشكل تفاعليّ في البداية، وهو ما يجعل من تالي القرآن قارئا له بفكره، ومشدودا بخاطره، ومتمثّلا له في صوته بالتالي.
وأسِفَ العبّاس لكون بعض المقرئين الكبار كالشيخ محمّد رفعت المتقن لجميع المقامات المعدود مثالا لجميع القراء لم تسجّل قراءاته القديمة لعدم توافر التكنولوجيا حينها، وما وجد من إبداعاته كان في آخر حياته.
وقال العبّاس إنّ «مستوى القرّاء إلى انحدار، إذ انحصرت المدارس الصوتيّة للقرآن في خمس مدارس أساسية الكلّ ينهل منها حاليّا، وهي: مدرسة مصطفى إسماعيل وعبدالباسط والمنشاويّ والبنّاء والحصريّ. ونلاحظ أن الإذاعة المصرية تركز على هؤلاء القراء بالدرجة الأولى لاسيّما في المصحف المرتل وبقية القراء ينهلون من هذه المدارس أو هم مطوّرون لها فقط، أما القرّاء الإيرانيّون فينهلون من المعين نفسه بلا تجديد، وبقيّة قرّاء العالم الإسلامي لهم طرق خاصة لا ترقى إلى الطريقة المصريّة التي تتميز بالهندسة الصوتيّة الصعبة التي تحتاج مرونة كبيرة في الحنجرة، فالقرّاء المصريّون يتميّزون بالصوت الحسن، ولذلك قيل: (نزل القرآن في مكّة، وكُتب في تركيا، وقُرئ في مصر)».
العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ