قال نبيل أبوشقرا انه لا يؤيد اقامة أي مركز ثقافي رسمي داخل الدول العربية او خارجها لأن من شأن هذا المركز الرسمي ان يعمل على قتل الثقافة وليس تنميتها او ازدهارها، مضيفا انه «مهما اعتبرنا القائمين على هذه المراكز احرارا في الآراء والمواقف، فالحقيقة هي ان هؤلاء موظفون يتعاملون مع الثقافة كوظيفة، في حين ان الثقافة رسالة وليست وظيفة».
جاء ذلك في المحاضرة التي القاها المثقف العربي المهاجر إلى باريس منذ 30 سنة نبيل أبوشقرا، الذي أتت هجرته بعد أن هاجر المثقفون والكتاب والشعراء والفنانون العرب إلى الدول الغربية هربا من الاختناق الثقافي وأجواء الحريات المخنوقة في بلدانهم العربية، وعملوا على خلق مكانة ودور للمثقف العربي في تلك البلدان الديمقراطية المتقدمة.
محاضرة أبوشقرا كانت بعنوان «المثقفين والعمل الثقافي في المهجر» ألقاها في مركز الشيخ ابراهيم للثقافة والبحوث، وتناول فيها واقع العمل الثقافي العربي في المهجر بصفة عامة، وفرنسا خصوصا على المستويين الرسمي والشعبي، ومعاناة المثقف العربي المهاجر في ظل محدودية امكاناته المادية التي يحتاجها لتقديم وابراز اعماله وابداعاته الثقافية، واحجام الجهات الرسمية والفنية العربية عن الاستثمار في الثقافة وبالتالي اظهار الوجه الثقافي العربي المشرق والمبدع لشعوب ومثقفي دول المهجر.
استهل أبوشقرا محاضرته بالإشارة إلى أن في فرنسا 22 سفارة عربية، وأن معظم هذه السفارات لديها مراكز ثقافية رسمية تتعامل مع المثقفين العرب من باب الموالاة والتبعية، وليس من باب الابداع والانتاج والاستقلالية، وتبذل أموال طائلة لتنشر اعلانات تحريرية في الصحف الفرنسية ملمعة لبلدانها أو المسئولين تكلف عشرات الآلاف من اليورو. واضاف أنه «في المقابل نجد أن فنانا تشكيليا عربيا يأتي إلى باريس من أجل إقامة معرض له لا يملك من المال ما يستأجر به قاعة صغيرة في زقاق، ولا تبادر أية جهة رسمية أو غير رسمية عربية بتقديم الدعم له».
وفي هذا الصدد قال أبوشقرا وبحرقة «اسمحوا لي أن أقول ان المال العربي غبي وجبان لأنه لا يستثمر في الثقافة، مع العلم أننا عندما نستثمر المال في الثقافة فإننا نستثمر في العنصر البشري».
وذكر أن في الدول الغربية، الاستثمار الحقيقي والكبير يكون في اللغة والكلمة والثقافة والفن، مدللا على أنه في فرنسا، يتصارع اليسار واليمين في السياسة، ولكن عندما يتعلق الموضوع بنشر اللغة والثقافة الفرنسية يتناسى الجميع خلافاتهم ويتضامنون ويضعون الموازنات ويقدمون الدعم المادي من أجل تحقيق هذا الهدف، ذلك أن تحسين وجه الانسان العربي في الخارج لا يتم بالظهور في الصالات الفخمة، وإنما بدعم ومساندة فنان عربي غير قادر على تأجير دار عرض يقيم فيها معرضا ويوصل من خلاله رسالة للاوروبي يقول فيها «أنا أيضا إنسان مثلك أفكر وأبدع وأنجز عملا فنيا راقيا».
ورأى أبوشقرا باعتباره عينا في المهجر أن الجمعيات أو المؤسسات الدينية هي الاكثر ثراء بسبب ارتباطها مع الدول العربية، مؤكدا أن هذه المؤسسات لا تريد الانفتاح وتدافع عن الانغلاق والتقهقر إلى الوراء، ومع ذلك تبدو بقوة صوتها ونفوذها وكأنها تمثل الثقافة العربية الإسلامية. واستعرض من خلال حواره عددا من القضايا وصور التعاطي مع تيار الدينيين وتيار المثقفين، موجها إلى بروز التيارات الدينية كصورة للعرب، بما يقومون به من ممارسات قد تنعكس بالسلب على الانطباعات المأخوذة عن العرب.
وفي الخلاصة، ذكر نبيل أن «هذه التجربة قد تبدو انها مريرة ومتشائمة لكنها واقعية، خلاصتها ان يتداعى المثقفون العرب الى تأسيس هيئة ثقافية عربية حرة يلتقي فيها المثقفون العرب ويعملون من خلالها على ابراز الثقافة العربية ودعم كل عمل ثقافي عربي، واجراء الحوارات الثقافية مع المثقفين الغربيين بهدف تحسين صورتنا لدى الغرب وتعريفهم بالثقافة العربية الحقيقية».
العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ