العدد 2079 - الخميس 15 مايو 2008م الموافق 09 جمادى الأولى 1429هـ

مقاربة الرؤية الكلية وعملية التنمية

مقاربات الإسلام والتنمية في الفكر العربي والإسلامي الحديث

صاحب هذه الرؤية هو ضياء الدين سردار. وفيها يقارب سردار قضيته تلك في إطار الربط بين رؤية الإسلام الكلية، والمعرفة والعلم والوسائل التقنية وعملية التنمية، ويهتم بالرؤية الحضارية الكلية، وينطلق من قواعد مترابطة بين مفاهيم ترتبط جميعها بالعملية التنموية.

المعرفة وفق رأي سردار لا يمكن فصلها عن التصور العالمي والنظام العقدي الذي تمتدّ فيه جذورها، وإن الإبستمولوجيا (نظرية المعرفة) هي النواة المركزية لأي تصور عالمي. وهى في نظر الإسلام العامل الذي يحدد الممكن وغير الممكن إسلاميا، أي ما يمكن معرفته، أو ينبغي أن يعرف، وما يمكن معرفته ولكي يفضل تجنبه، وما لا يمكن معرفته نهائيا.

إن المصطلح القرآني «العلم» الذي عادة ما يترجم بـ «المعرفة»... وقد صاغ العلم نمط الفكر والبحث الإسلاميين وحدّد كيف يمكن للمسلمين تحسين نظراتهم للواقع، وإقامة مجتمع عادل وتطويره. والعلم هو الذي يربط المجتمع الإسلامي بمحيطه ويعطى للإسلام حركيته وحيويته... وقد يغيب عن الكثيرين الدور الرئيسي الذي تلعبه الإبستمولوجيا في تكوين المجتمع وإهمال الإبستمولوجيا في الكتابات الإسلامية المعاصرة، ومن ثم غياب تقدير المعنى الحقيقي لمفهوم وقيمة «العلم» ناتج في الغالب عن النمط المعرفي السائد الذي عزا إلى نفسه دورا عالميا.

إن اكتشاف إبستمولوجيا إسلامية معاصرة لا يمكن أن يبدأ بالتركيز على الفروع القائمة، ولكن بتطوير عدد من المنظورات Paradigms داخل التعبيرات الخارجية الرئيسية للحضارة الإسلامية، العلم والتكنولوجيا، السياسة والعلاقات الدولية، الأنساق الاجتماعية، والنشاط الاقتصادي، التنمية الريفية والحضرية - التي يمكن دراستها وتطوريها وفق الاحتياجات والواقع المعاصر -، إننا نحتاج إلى نوعين من المنظورات (معرفية وسلوكية).

كما أن العلم لا يرتبط بالعبادة فقط، بل بجميع القيم القرآنية الأخرى مثل «الخلافة» و «العدل» و «الاستصلاح»؛ فمثلا إذا كان الارتباط بين العلم والعبادة يعني أنه لا يمكن طلب العلم مع خرق صريح لأوامر الله. وكذا فإن الارتباط بين العلم والخلافة يحول الطبيعة إلى مجال مقدس، إن الإنسان بصفته خليفة الله في الأرض فهو المسئول عن هذه المنة ولا يمكنه طلب المعرفة على حساب الطبيعة (ولا بلوغ التنمية على حسابها)، بل على العكس من ذلك - بصفته مسئولا عنها - فهو يسعى لفهمها، ليس بهدف السيطرة عليها، بل عرفانا وتقديرا لآيات الله.

وحري في هذا السياق أن تكون إحدى مهمات البحث الإسلامي أن تتوجه الطاقة لإبداع أنساق إسلامية متميزة، حيث يمكن أن ينجز العمل حول الاحتياجات العاجلة ومتطلبات المجتمعات الإسلامية.

في هذا السياق تبدو الرؤية الكلية للنموذج المعرفي الإسلامي تتكون ضمن عناصر (التوحيد، الرؤية للإنسان، الرؤية للكون والبيئة، الرؤية لتفاعلات وجوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعبادية، أصول العلاقات الاستخلافية، الآخرة محرك وحافز للفعالية وتكريس عناصر المسئولية والحساب)، إن هذه الرؤية تكون نماذج معرفية، ونماذج سلوكية.

إنه من الواجب تفعيل هذه الرؤية ضمن إمكانات «الأمة» كمفهوم جامع وشامل (الدول ذات الأغلبية الإسلامية - المؤسسات الإسلامية - الدولية... إلخ)، وبما يحقق عناصر التعبئة لموارد الأمة المادية وقدراتها وطاقاتها المعنوية والثقافية. وتحقيق أهداف اقتصادية تنموية (معدل النمو - التصنيع - التشغيل الكامل - التوزيع العادل للدخل - تعديل موازين المدفوعات لصالحها)، بينما يجب أن تهدف المنظمات الإسلامية لزيادة درجة التضامن من خلال (زيادة الوعي بالانتماء للأمة كإطار أشمل يعلو الولاءات الجزئية - تحقيق درجة أعلى من التمسك الفردي والالتزام بقيم الإسلام الحضارية على المستوى الجماعي، وتقليل تغلغل الثقافات الأجنبية في الثقافة الإسلامية - ربط المؤسسات الإسلامية الدولية بحاجات ومصالح الأمة ككل - خلق وإنشاء مؤسسات إسلامية وظيفية جديدة متخصصة كي تؤدي وظائف غير قومية توحد الأمة ككل - تزكية روح التضحية في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى.

يتحفظ سردار في إطار هذه الرؤية على مفهوم التحديث الغربي وما يتولد عنه من رؤية تنموية؛ ذلك أن كل المجتمعات وطبيعة الحياة وعيشها في الزمان حديثة، ويرفض كل النعوت التي تستخدم في وصم المجتمعات الإسلامية، فالحداثة وفق هذا تعبير عن نموذج مثالي ترتئيه الحضارة الغربية، ومسار تجسده المجتمعات الصناعية المتطورة، والمجتمع الإسلامي عليه ألا يتقبل عناصر هذه الرؤية المركزية.

اهتم سردار ضمن مقاربته بمسألة كيف يمكن أن نحرك مفهوما للتنمية ضمن نموذج إسلامي مغاير؟ ذلك الأمر الذي يوجب الاهتمام بعناصر المدخل الثقافي والأخلاقي للتنمية وفى إطار ارتباطه بالتغيير الاقتصادي.

إن أية استراتيجية تنموية حضارية ضمن سياقات النموذج الإسلامي يجب أن تكسر هيكل السيطرة العالمي، وتضع حلولا للمشكلات التي تعانى منها دول العالم الثالث النامية، فإن هذه الدول - ومنها العالم الإسلامي - لا يمكن أن تكتسب مكانة مستقلة في النظام الدولي، طالما استمر هيكل القوى الدولية القائم على تبني نظريات تنموية واستراتيجيات لا تنبع - كما لا تتفق - مع الهيكل الثقافي والاجتماعي السائد في العالم الثالث.

إن مفهوما جديدا للتنمية يجب أن تحرص على تأسيسه وتأصيله يتكون من: إشباع الحاجات الأساسية - الاعتماد على الذات - العدالة الاجتماعية - الأصالة الثقافية، والجمع بين هذه العناصر والتفاعل فيما بينها عملية في غاية الأهمية.

الاعتماد على الذات يجب أن يؤخذ على مستويين: مستوى إسلامي عام بين الدول الإسلامية بعضها وبعض (الأمة)؛ ومستوى يتحرك داخل البعد الوطني، كل دولة على حدة.

أما الأصالة الثقافية فإنما تنبع من أن مشاركة الشعوب ودعمها في الإسهام ضمن عملية التنمية ومجالاتها لابد أن يتضمن عناصر مهمة تسمح لهم بالسيطرة على مقدراتهم ومستقبلهم، ويرتبط كل ذلك بضرورة الاهتمام بالأصالة الثقافية.

إن سردار وفق هذه الرؤية وتلك المقاربة يحرّك أكثر من عنصر ضمن فهم علاقة الإسلام بالتنمية أهمها:

إن النماذج المعرفية والرؤى الكلية هي التي تولّد أنماط التنمية ونماذجها وأهدافها، وتحدد عناصرها ومنظوماتها.

- إن النموذج المعرفي الغربي إذا ولّد مفهوم الحداثة ونموذج التحديث فإنه خرج لتحقيق مطالبه واحتياجاته وفق خبراته، وأن النموذج المعرفي الإسلامي - فضلا عن رؤيته الكلية للعالم؛ للإنسان والكون والحياة - لابد أن يُولّد رؤية مغايرة للتنمية.

- إن تسكين مفهوم التنمية ضمن منظومة قيمية وثقافية ومعاني الخلافة والعدل والاستصلاح لابد أن تخرج معنى متميزا للتنمية وعملياتها المختلفة المرتبطة بها.

- إن عناصر التنمية لا يجب أن يُنظر إليها ضمن حدود الدولة الوطنية أو القومية، بل يجب أن تمد ببصرها إلى أفق الأمة ضمن تفعيل مؤسساتها ونماذجها القيمية، وعلاقاتها التعاونية والبينية، وتحرك معنى الاعتماد على الذات ضمن دائرة الأمة الواسعة وكذلك مفاهيم الأصالة الثقافية.

وسام فؤاد

نقلا عن إسلام اون لاين

العدد 2079 - الخميس 15 مايو 2008م الموافق 09 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً