العدد 2093 - الخميس 29 مايو 2008م الموافق 23 جمادى الأولى 1429هـ

التنمية... مِنَ الكَمِّ إلى الإنسان (2-2)

إن الاتجاه الجديد في تعريف عملية التنمية الاقتصادية، يرتكز على ثلاث قيم جوهرية تشكل الأساس المتين لعملية الارتقاء المستديم للمجتمع البشري في سعيه نحو حياة أفضل وأكثر إنسانية، وفي الوقت نفسه تمثل هذه القيم الجوهرية الثلاث الأهداف العامة للتنمية على مستوى الأفراد والمجتمعات.

ويمكن تحديدها في الآتي:

- توفير قوت المعيشة: وتعني القدرة على تلبية الحاجات الضرورية بما يشمل الطعام والمأوى والصحة والأمن، وهي في مجملها الاحتياجات الأساسية لاستمرارية الحياة لجميع البشر، وبذلك تعتبر سياسات تخفيف الفقر وإتاحة فرص العمل وزيادة الدخول شروطا ضرورية، ولكنها ليست كافية لإحداث التنمية ما لم تتجه عملية التنمية في أساسها لتوفير الحاجات الضرورية.

- تـقـديـر الذات: وتعني أن يكون الشخص إنسانا مكرمّا، فواحدة من مقومات الحياة الكريمة الشعور بالقيمة وتقدير النفس الإنسانية، وجميع الأفراد والمجتمعات تحاول أن يكون لها شكلا أساسيّا في تقدير الذات يطلق عليه أحيانا الهوية، أو الأصالة أو السيادة، وطبيعة هذا التقدير تختلف من مجتمع لآخر ومن أمة لأخرى، ولكنها في العموم قيمة لابد منها.

- التحرر من العبودية: ويقصد بذلك أن يكون الشخص قادرا على الاختيار بحرية تامة، ما يعني التحرر من ربقة الجهل والفقر والعادات والمعتقدات الخرافية، والحرية متضمنة أيضا لهدف توسيع مدى الاختيارات الاقتصادية، بالنسبة إلى لأفراد والمجتمعات وتقليل المعوقات الخارجية لمواصلة تحقيق الأهداف الاجتماعية من خلال التنمية.

ويلاحظ الاقتصاديون أن هناك علاقة ارتباط وثيقة بين الحرية والنمو الاقتصادي، فالسعادة الحقيقية ليست بالثروة، ولكن بزيادة مدى الاختيارات الإنسانية والبدائل المتاحة. والحرية تشمل أيضا الحريات الأساسية «السياسية والاقتصادية» وسيادة حكم القانون والفرص المتساوية والمشاركة في بناء المجتمع.

- المدخل الإنساني مدخل إسلامي أصيل: وخلاصة القول في المدخل الإنساني للتنمية الاقتصادية وسعيها نحو الرشد أنها تتجه نحو المفهوم الإسلامي للتنمية الاقتصادية، وهو مفهوم يُعلي من شأن النفس الإنسانية، ويضعها موضع التكريم اللائق بها، والذي يُمَكِّنها من أداء دورها الاستخلافي في تعمير الكون وتحقيق العبودية الخالصة لخالق هذا الكون وحده، وكفى بالآية الكريمة من سورة الإسراء في بيان ذلك، فهي أوضح بيان: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلا» (الإسراء: 70).

لقد استطاع المفكر الإسلامي والاقتصادي الضليع البروفسور خورشيد أحمد أن يقدم المفهوم الإسلامي للتنمية الاقتصادية في سياق نظري متكامل، يعكس عظمة الإسلام واستيعابه لمشكلات الإنسان وتقديم الحلول المناسبة لها من واقع التفهم والإدراك الواعيين لطبيعة البشر، وما جبلوا عليه من الطبائع والفطر والسنن الإلهية.

ويقول خورشيد: «إن الإسلام يهتم بعمق بمشكلة التنمية الاقتصادية، ولكن يعالجها في إطار التنمية البشرية؛ لأن الهدف الأساسي للإسلام هو هداية الإنسان نحو الطريق المستقيم».

عناصر المفهوم الإسلامي للتنمية

ويحدد خورشيد المفهوم الإسلامي للتنمية في الآتي:

- المفهوم الإسلامي للتنمية له خصائص الشمولية والتوازن، بحيث يشمل الجوانب المادية والروحية معا، ويلبي حاجة الفرد والجماعة في تناسق تام وتناغم.

- الجهد التنموي يهتم بالإنسان، وهذا يعني أن التنمية موجة للإنسان ولترقية حياته المادية والاجتماعية والثقافية والبيئة المحيطة به.

- عملية التنمية في المفهوم الإسلامي هي نشاط متعدد الأبعاد ولا يقتصر على جانب دون الآخر، والإسلام يسعى إلى إحداث التوازن في الحياة بين العوامل والقوى المختلفة.

-الإسلام يحاول إعادة التوازن بين المتغيرات الكمية والنوعية، وهذا ما تسعى إليه التنمية الاقتصادية في إطارها التطبيقي.

- الاستخدام الأمثل للموارد، وتحقيق التوزيع المكافئ والمتساوي للعلاقات الإنسانية على أساس العدل والحق. وبذلك تصبح التنمية الاقتصادية في المفهوم الإسلامي تنمية الأفراد والمجتمعات ماديّا وروحيّا وأخلاقيّا، ما يقود إلى تعظيم الرفاهية الاقتصادية الاجتماعية.

وما تقدم يمكن أن نحدد الأهداف الأساسية للتنمية الاقتصادية بناء على المفهوم الإسلامي، بما يصلح أساسا علميّا للتنمية في جميع دول العالم المتقدم منها والمتأخر والصناعي والنامي معا، وهي كالآتي:

- زيادة إنتاج السلع النافعة وتوسيع توزيعها، بما يكفل تلبية الحاجات الأساسية لجميع الناس ويقيم حياتهم على التكريم.

- توسيع مدى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية وكفالة حريات الناس الأساسية والقيم المعنوية العالية والدينية النبيلة ما يساهم في تقدير الذات.

- تحسين نوعية الحياة من خلال التعليم الجيد، والعناية الصحية، والتوزيع العادل للثروة والدخول، وإقامة نظام للأمن الاجتماعي، والاهتمام بالثقافة، وإقامة علاقات إنسانية على أساس العدل والسِّلْم والمساواة ورعاية الحقوق الأساسية، وإتاحة الفرصة للمشاركة والتداول السلمي للسلطة، والتحرر من العبودية للغير أو الاعتماد عليهم، إضافة إلى التحرر من أسر الجهل والفقر والمرض.

والدولة الإسلامية على خصوصا في حاجة إلى سياسة تنموية قائمة على ركيزتين أساسيتين:

- نفي الظُّلْم الاجتماعي.

- إزالة الاستبداد السياسي.

وعندما تُحَقَّق هاتان الركيزتان سينطلق العالم الإسلامي بموارده البشرية والطبيعية الغنية نحو إرساء دعائم نظام دولي جديد أساسه العدل والسلم، وستتجه موارد العالم إلى التعليم والتوعية بدلا عن الأمن والسلاح، وإلى الاستثمار في المنافع الحيوية بدلا عن الاستهلاك البذخي والسفه وإلى الصحة والعلاج عوضا عن الترف واللهو، وعندها لا تكون ثَمَّة مشكلة اقتصادية اسمها «النُّدْرَة»؛ لأن الاستخدام الأنفع والأرشد يحكم تخصيص الموارد الاقتصادية.

* جامعة بترا - ماليزيا (المصدر: إسلام أون لاين)

العدد 2093 - الخميس 29 مايو 2008م الموافق 23 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً