قالت دائرة الشئون القانونية في ردها على الطعن في توزيع الدوائر الانتخابية إن «النظام الانتخابي لا يمكن أن يكون بمنأى عن طبيعة الشعب وظروفه السياسية والاجتماعية ومدى حظه من المدنية والتقدم.
مشيرة إلى أن ذلك هو الأمر الذي يتعين معه أن يستوحى هذا النظام ومعاييره من الواقع ومن ظروف البيئة وبخاصة القوى الاجتماعية بحيث يكون في النهاية البرلمان صورة صادقة ومعبرة عن إرادة الناخبين، لذلك يتعين، إلى جانب الكثافة السكانية كمعيار أساسي لتوزيع الدوائر الانتخابية، الأخذ في الاعتبار التجانس السكاني والمساحة الجغرافية والأهمية الاقتصادية والنمو العمراني والمستقبلي وسيادة المملكة، ويتضح ذلك جليا في مراعاة أن تكون الدوائر الانتخابية ذات طبيعة متجانسة قدر المستطاع من دون أن يؤثر ذلك بشكل كبير على الكثافة السكانية».
*******************************************
«القانونية» في ردها على دعوى الطعن برسم الدوائر الانتخابية:
النظام الانتخابي لا يمكن أنْ يكون بمنأى عن طبيعة الشعب وظروفه السياسية والاجتماعية
الوسط - عادل الشيخ
ردّت دائرة الشئون القانونية على المذكرة التي تقدّم بها المحامي عبدالله الشملاوي بشأن الطعن في الدوائر الانتخابية، وما ينعى به المدعي على القرار الطعين بمخالفته للمبادئ العامّة للقانون وأنه قد جاء محمولا على أساس معيار الكثافة السكّانية، بمعنى أنّ مقياسه على عدم انضباط ترسيم الدوائر الانتخابية يقوم على مقارنة محاسبية بين الكثافة السكّانية وعدد الدوائر؛ بـ «أنه لا جدل أنّ عامل الكثافة السكّانية محل اعتبار ويشكّل أهمية كبيرة في ضمان المشاركة الايجابية من قبل المواطنين في العملية الانتخابية، إلا أنه لا يمكن إنكار أن هناك أسسا أخرى إلى جانب الكثافة السكّانية يتعيّن مراعاتها والالتزام بها فالنظام الانتخابي لا يمكن أنْ يكون بمنأى عن طبيعة الشعب وظروفه السياسية والاجتماعية ومدى حظه من المدنية والتقدم، وهو الأمر الذي يتعيّن معه أن يتوحي هذا النظام ومعاييره من الواقع ومن ظروف البيئة وخصوصا القوى الاجتماعية بحيث يكون في النهاية البرلمان صورة صادقة ومعبرة عن إرادة الناخبين، لذلك يتعيّن، إلى جانب الكثافة السكّانية كمعيار أساسي لتوزيع الدوائر الانتخابية، الأخذ في الاعتبار التجانس السكّاني والمساحة الجغرافية والأهمية الاقتصادية والنمو العمراني والمستقبلي وسيادة المملكة، ويتضح ذلك جليا في مراعاة أنْ تكون الدوائر الانتخابية ذات طبيعة متجانسة قدر المستطاع من دون أنْ يؤثر ذلك بشكل كبير على الكثافة السكّانية، وبناء عليه فقد راعى المرسوم الملكي الطعين الأمور الآتية:
أوّلا: النظام السائد في معظم دول العالم لعدالته ودقته وبساطته، إذ أنّ طبيعة النظام الفردي في الانتخابات يتطلب أنْ تكون الدوائر صغيرة من حيث المساحة ويزداد عددها وتقل نسبة سكّانها على عكس نظام الانتخاب بالقائمة مطلقة كانت أو نسبية.
ثانيا: الثبات النسبي في توزيع الدوائر الانتخابية بحيث لا يعتريه تغيير بتعاقب الفصول التشريعية للبرلمان حتى لا تكون العملية الانتخابية لعبه في أيدي الجمعيات والتكتلات السياسية فكلّ جمعية أو كتلة ستحاول تغيير الدائر وإثبات عدم وجود العدالة في دائرة أو أخرى من أجل تحقيق مصلحتها.
ثالثا: أنّ ثبات عدد السكّان في جميع الدوائر يُعد من الأمور المستحيلة، خصوصا أنّ المملكة تحظى بقدر كبير من التغييرات بسبب إنشاء مدن ومناطق سكنية جديدة وتحول بعض المناطق من سكنية إلى تجارية، ما يغير من طبيعة التركيبة السكانية لبعض الدوائر الانتخابية، لذا يعقل أن يتم تغيير هذه الدوائر كلما تعرضت للتغيير النسبي في عدد السكّان.
رابعا: أنّ التوزيع يكون متطابقا أو على الأقل متجاوبا مع التقسيم الإداري للدولة المتمثل في نظام المحافظات والبلديات والعناوين.
خامسا: روعي مبدأ المساواة في الاقتراع، ولا ندعي أنّ المساواة هنا مطلقة وإنما هي مساواة نسبية، تقريبية، ذلك أن المساواة المطلقة والتي يطالب بها المدعي والتي تقوم على المساواة المحاسبية التامّة عملا تحقيقيا، والقاعدة الأصولية هي أنه لا تنفيذ بمستحيل، فالمساواة التي أخذ بها المرسوم الطعين في توزيع الدوائر الانتخابية هي مساواة نسبية تقريبية يسهل تطبيقها بحيث لا يكون هناك شديد في تحديد الدوائر الانتخابية يصل إلى حد إهدار الثقل النسبي لكل صوت.
وأضافت القانونية «الصفوة فيما تقدم أن التقسيم الذي تولاه المرسوم الطعين قد راعى بشكل كبير جميع الأسس التي تجعل من الدوائر الانتخابية بقدر المستطاع ذات طبيعة متجانسة من دون تأثير فج على معيار الكثافة السكّانية.
وبشأن البيانات والإحصاءات المحاسبية التي أوردها المدعي في مذكرته للتدليل على وجود تفاوت في عدد الدوائر الانتخابية مقارنة بالكثافة السكّانية للمناطق التي أشار إليها قالت دائرة الشئون القانونية: مع عدم التسليم بصحة تلك البيانات ودقتها، فقد أفرزتها الأسس الأخرى التي راعها المرسوم الطعين في التوزيع والتي تلتزم باعتبار التجانس السكّاني والأهمية الاقتصادية والنمو العمراني والمستقبلي والمساحة الجغرافية وسيادة المملكة والتي وجدت مساحة في التطبيق بشأن المحافظة الجنوبية والتي تشكل نحو 60 في المئة من إجمالي مساحة المملكة وهو الأمر الذي دعا إلى تقسيمها إلى ست دوائر انتخابية على رغم أنّ كثافتها السكّانية قليلة نسبيا عن باقي المحافظات، وذلك للاعتبارات التي نلخصها بالآتي:
- تعتبر جزر حوار قضية حسّاسة ومهمة جدا تمس سيادة المملكة، وقد تم تثبيت حق المملكة فيها بعد أن حكمت محكمة العدل الدولية بأحقية البحرين بها، كما أنّ مساحة الجزر تزيد على أي دائرة انتخابية أخرى، بالإضافة إلى اختلاف طبيعتها وبعدها الجغرافي عن أيّ دائرة أخرى.
- أما بخصوص الدائرتين الرابعة (الزلاق وبلاج الجزائر وأم جدر ورميثة والمطله) والخامسة (جو وعسكر ورأس أبوجرجور ورأس جيان ورأس زيود والمناطق المحاذية لها)، فهي أيضا ذات طبيعة اجتماعية مختلفة كثيرا عن مناطق الرفاعين وغيرها، بالإضافة إلى وجود مساحات شاسعة يمكن استغلالها للنمو السكّاني، فهي ليست كبعض مناطق العاصمة والشمالية التي وصلت الكثافة السكّانية مداها، وبدأ السكّان في النزوح عنها، إنما تعتبر هاتان الدائرتان من المناطق التي يمكنها استقطاب أعداد كبيرة من السكّان بعد انجاز المشروعات الإسكانية، كما أنها تبعد مسافات كبيرة جدا عن بقية الدوائر الانتخابية، ولا يمكن ضمان مشاركة أهالي هذه المناطق النائية، إلا من خلال أن تكون دائرة مستقلة، وهي اعتبارات لا يمكن صرف النظر عنها.
- ولا تعتبر هذه القضية جديدة على المجتمع الدولي، فهناك الكثير من الدول أعطت الجزر النائية مقاعد في البرلمان رغم قلّة سكّانها، وعدم تناسب عددهم بأي شكل من الأشكال مع عدد ناخبي بقية الدوائر، كما يتم إعطاء أهالي المناطق الزراعية قليلة الكثافة السكّانية مقاعد من دون اشتراك تناسب أعدادهم مع أعداد سكّان المدن، كل ذلك يتم بشكل استثنائي محدد لضمان مبدأ المشاركة وتجنب عزوف فئات محددة من العملية السياسية لأنها تعرف سلفا أنها لا يمكن أن توصل صوتها من خلال هذه العملية، وكلنا نعرف أبعاد وسلبيات مثل هذا العزوف لو حصل.
- مما سبق نجد أن أسس إعطاء 3 مناطق في المحافظة الجنوبية خصوصية في تقسيم الدوائر قوية جدا ومعتبرة في كبرى الديمقراطيات العالمية، كما أن هذه المناطق الثلاث وحدها تشكل أكثر من نصف مساحة المملكة، ويجري العمل حاليا على إنشاء مشاريع إسكانية وسياحية ضخمة ستغير شكل وتركيبة هذه المناطق في المستقبل.
وبخصوص هذا الدفع، خلصت القانونية إلى «وجود ثمة توازن بين السكّان في الدوائر المختلفة من المملكة وفق معيار المساواة النسبية التقريبية، ولكنها ليست مساواة حسابية مطلقة تم على أسس محدودة تشمل بدرجة أساسية على الكثافة السكانية مع اعتبار التجانس السكّاني والمساحة الجغرافية والأهمية الاقتصادية والنمو العمراني والمستقبلي وسيادة المملكة، وذلك كله من أجل ضمان المشاركة الإيجابية من قبل المواطنين في العملية الانتخابية، فضلا عن أنّ هذا التقسيم بما يحمله من دقة وبساطة يتفق مع طبيعة النظام الفردي في الانتخابات، على عكس نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة كانت أو نسبية».
وشرحت في ذلك وجهة نظرها موضحة أن «يؤيد ما تقدم ذكره من أنّ الاعتبارات السالف ذكرها والتي صبت معظمها على توزيع الدوائر بالمحافظة الجنوبية أنه لوا أخذنا بمعيار الكثافة السكّانية فقط وهو المعيار المعتبر لدى المدعي لوجدنا أنّ نصيب محافظة العاصمة 7 مقاعد، وبتطبيق مبدأ المرونة المعترف به والذي يسمح بالتفاوت في توزيع الدوائر في حدود 20 في المئة، نجد أن محافظة العاصمة لم تحظ بأكثر من هذه الزيادة مع الاعتبار لأهمية المحافظة كونها المركز التجاري للمملكة، ولتداخل المصالح السكّانية والاقتصادية والصناعية فيها بشكل كبير، إضافة إلى الاختلاف الكبير بين طبيعة منطقة وأخرى، ما يجعل من الصعب تجاهل هذه العوامل، وبنفس الحسبة نجد أن نصيب محافظة 7 مقاعد وثلث؛ أي أنّ الزيادة التي حظيت بها المحافظة ضمن النسبة المقبولة، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على المحافظة الشمالية والمحافظة الوسطى، وبناء عليه يكون المرسوم الطعين إذ أعمل إلى جانب معيار الكثافة المعايير الأخرى التي وجد تطبيقها صدى ملحوظ في المحافظة الجنوبية، وكانت تلك المعايير محمولة على المصلحة العامة ومكفولة بإرادة موضوعية قوامها التوازن الإحصائي للدوائر، وليست إرادة شخصية تفقد العملية الانتخابية مصداقية ضماناتها اللازمة.
وعليه اعتبرت دائرة الشئون القانونية أن النعي على المرسوم الطعين بمخالفة المبادئ العامّة للقانون يكون قد جاء عقيما لا يقوى أن يقوم على سند قوي من قانون يكفي لحمله ويكون طلب رفض الدعوى قد صادف صحيح القانون يتعين القضاء به.
و في الدفع بعدم توافر الجدية في الدفع بعدم الدستورية: علقت القانونية «من المقرر انه لكي ينتج الدفع بعدم الدستورية أثرا إيجابيا في رفع الدعوى الدستورية ينبغي - طبقا لنص المادة 18/ج من قانون المحكمة الدستورية المحددة لقواعده - أن يكون الدفع جديا، فهذه الجدية تعد شرطا أوليا لاتصال الدعوى الدستورية بالمحكمة الدستورية، ومحكمة الموضوع هي التي تقدر مدى جدية شبهة عدم الدستورية المنسوبة إلى النصوص المدفوعة بعدم دستوريتها من خلال مقابلة تجريها، بصفة مبدئية، بين هذه النصوص وأحكام الدستور المدعى مخالفتها ومن ثم ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها وهي في ذلك تستقل بتقديرها، فالأمر يدخل في نطاق سلطتها التقديرية التي تباشر من خلالها نوعا من التقييم المبدئي لمضمون هذه المطاعن وسلامة أسسها، وفي ذلك وحيث كان ما تقدم وكان المدعي يدفع بعدم دستورية نص المادة السابعة عشرة من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، وردا على ذلك - بداءة - نشير إلى أنه، أيا كان وجه الرأي فيما أفاض به المدعي من أسانيد لدفعه بعدم دستورية النص الطعين، فإن القيود الدستورية كافة التي ساندت دفعه لا يرد أعمالها - بداهة - إلا بالنسبة إلى التشريعات التي تصدر أثناء قيام الحياة النيابية، أما التشريعات التي تصدر في غياب الحياة النيابية فإنها تعتبر قوانين قائمة بذاتها صدرت بطريقة خاصة من سلطة عليا - ممثلة في ملم البلاد - انعقدت لها السلطة التشريعية ومن ثم تكون بمنأى عن التقيد بالقواعد التي تخضع لها القوانين التي تسن في الظروف العادية، ومن ثم فإنه يجوز أنْ يتضمن المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية الصادر بعد نشر الدستور وقبل أوّل انعقاد للمجلس الوطني بما له من قوة القانون، قواعد تكون بمنأى عن التقيّد بالقواعد التي تخضع لها القوانين التي تسن في الظروف العادية.
وحتى مع الافتراض الجدلي بتنحية ما تقدم فإنّ مناعي المدعي على النص الطعين تظل مفتقرة للأساس القانوني السليم ومردود عليه:
أولا: بأنّ الأصل أنّ السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسا على أعمال القوانين وأحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقا لتعاون السلطات وتساندها فقد عهد الدستور إليها في حالات محددة أعمالا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين فنصت المادة 39/أ من الدستور.
وبناء على ما تقدم فإن المقرر الدستوري الوارد بالمادة 32/ والجاري نصها «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقا لأحكام هذا الدستور» فإن قراءة هذا النص مع نص المادة 39/أ آنفة البيان يتضح جليا أنّ قيام السلطة التنفيذية بأعمال تدخل في نطاق الأعمال التشريعية في صورة لوائح تنفيذية للقوانين هو مظهر من مظاهر تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية وفقا لأحكام الدستور، ومن ثم فإنّ قول المدعي أنّ النص الطعين إذ أناط بموجب مرسوم تحديد الدوائر الانتخابية يكون قد خالف مبدأ الفصل بين السلطات، فإن هذا القول يضحى عقيما لا تتوافر فيه الجدية.
ومردود ثانيا: بأن المشروع حين يضع قاعدة معينة فإنه مهما بلغ تدقيقه وإطلاعه لا يمكنه أن يحيط بجميع التفصيلات، ولا يمكنه أن يحصي دقائق الموضوع الذي يشرع فيه والسلطة التنفيذية بحكم اتصالها بالجمهور أقدر على معرفة التفاصيل، وهي أيضا المنوط بها السهر على تنفيذ القوانين والمفروض أن يستمر مدة طويلة بينما قد تتغير شروط تنفيذه من وقت لآخر، ولو وضعت شروط التنفيذ بتفصيلاتها في صلب القانون لاقتضى ذلك تغيير القوانين في فترات متقاربة مما يزيد من عبء البرلمانات من ناحية ويحول دون الاستقرار التشريعي من ناحية أخرى.
إذن فطبيعة الوظيفة الإدارية والخبرة التي تتميز بها السلطة التنفيذية وسرعة وضع اللائحة وغيرها جعل الدستور يفرد لها مساحة بين نصوصه حنبا إلى جنب مع القوانين، ولا جدال أنّ هناك موضوعات حجزها الدستور للقانون، فمن ثم يمتنع على اللائحة تنظيم ما يتعلّق بهذا الموضوع من أحكام، إلاّ أنّ الدستور حين يذكر موضوعا بعينه ويحجزه للقانون فإنه أحيانا يتطلب «صدور قانون» وأحيانا يكتفي بقوله «بناء على قانون» أو «في الأحوال التي بينها القانون» وهذا التنويع لم يأت عفوا، بل جاء مقصودا ويترتب عليه أنه حينما تتطلب المادة «القانون» في الموضوع الوارد بها يمتنع على السلطة التنفيذية تنظيم ما يتعلق بهذا الموضوع من أحكام بلائحة، وذلك طبعا باستثناء اللوائح التي لها قوة القانون، وحيث يكتفي الدستور بالإحالة على القانون لبيان ما يتبع في مسألة معينة، فإنه يجيز ضمنا أنْ يعهد إلى السلطة التنفيذية إصدار اللوائح المناسبة في الحدود والشروط التي يعينها.
وكانت المادة 56 من الدستور قد جرى نصها على أن يتألف مجلس النواب من أربعين عضوا بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها القانون، بما مفاده أن الدستور اكتفى بالإحالة على القانون لبيان ما يتبع لانتخاب أعضاء مجلس النواب، ومن ثم فإنه يجيز ضمنا أنْ يعهد إلى السلطة التنفيذية إصدار اللوائح المناسبة في الحدود وبالشروط التي يعينها، وعليه فإن صدور المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 متضمنا في مادته السابعة عشرة على أنْ «يصدر مرسوم بتحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها وعدد اللجان الفرعية اللازمة لمباشرة عملية الاقتراع والفرز» فإنه يكون قد صادق صحيح حكم المادة 26 من الدستور ويكون النعي عليه بمخالفتها مفتقر الجدية.
ولا يقدح من النظر المتقدّم أحكام القضاء الدستوري المصري التي ساند المدعي نعيه المتعلّق بمبدأ فصل السلطات به ذلك أن المسائل الدستورية التي تضمنتها تلك الأحكام تتعلق بموضوعات حجزها الدستور المصري صراحة للقانون وسبقها بعبارة «يحدد القانون» ومن ثم فهي لا تصلح للتطبيق على الطعن المائل إذ ان الدستور البحريني للاعتبارات التي سلف ذكرها قد آثر ان يحيل على القانون لبيان ما يتبع في شأن انتخاب مجلس النواب وذلك باستعمال عبارة «وفقا للأحكام التي يبينها القانون» وهو ما يعني وجود إجازة ضمنية أن يعهد إلى يعهد السلطة التنفيذية إصدار اللوائح المناسبة في الحدود بالشروط التي يعينها، بما مؤداه أنّ تلك المبادئ الدستورية التي ضمنها المدعي مذكرته والمستقاة من أحكام القضاء الدستوري المصري في موضوعات نظمها الدستور المصري بوضع يختلف عن المسألة الدستورية موضوع النزاع فإنه يكون مقالا في غير مقام.
وينطبق ما تقدّم أيضا على آراء الفقه التي أوردها المدعي في شأن تطبيقات مبدأ كانت الفصل بين السلطات ذلك أن البين من تلك الآراء أنه تنتمي إلى الدساتير القديمة التي كانت تعتنق المذهب الفردي والذي يأخذ بفكرة فصل السلطات التام المطلق، وهو أمر وإن كان جائزا الأخذ به في ظل النظام الرئاسي، إلا أنّ الأمر يختلف تماما في ظل النظام البرلماني الذي انتهجته المملكة كنظام سياسي يرقم عليه الحكم والذي من أهم سماته التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فلأصل في هذا النظام أن لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية استقلالها، ولكنه استقلال يقوم على التعاون وتبادل الرقابة بينهما.
والمحصلة فيما تقدم أنّ مناعي المدعي على النص الطعين بعدم الدستورية قد جاءت عارية من الجدية مما يتعيّن الالتفات عنها والقضاء برفضها.
العدد 2097 - الإثنين 02 يونيو 2008م الموافق 27 جمادى الأولى 1429هـ