انتهت الباحثة البحرينية منى عباس فضل في كتابها «التربية السياسية للبحرينيات، الأثر والرؤيا» إلى التأكيد أن الالتزام بتوجهات المرجعيات الدينية الرافضة لمشاركة المرأة في النشاطات السياسية يحول دون وجود فاعل للمرأة في هذا المجال بل إنها تذهب إلى حد الإقرار بأن هذه المراجع الدينية تمنح نفسها الحق في تحديد درجة مساهمتهن في النشاط السياسي والمجتمعي ونوعه أيضا.
وتستند الباحثة في تأكيدها هذه الخلاصة، إلى نتائج البحث الميداني الذي أجرته على عينة شملت 319 معلمة من معلمات المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية و167ناشطة من أعضاء الجمعيات النسائية، اللاتي أكدن أن عدم تحبيذ المرجعيات الدينية مشاركة المرأة في النشاط السياسي يحول دون السعي إلى تكريس هذه المبادئ لدى التلميذات أو الناشطات وتركيزهن في المقابل على ترسيخ دور المرأة باعتبارها أما وربة بيت.
وتعتبر الكاتبة أن هذه المواقف التي تنبثق عن ثقافة وقيم ترتبط ارتباطا وثيقا بما يروّج له رجال الدين من سياسات تجاه المرأة وتتبناه النساء قبل الرجال، تحول دون إنتاج واقع جديد ومغاير يعزز دور المرأة في المجتمع وهو ما يتطلب بالضرورة اعتماد «خطط وبرامج استراتيجية تتوجه إلى الأسرة والمؤسسات النظامية واللانظامية... وأن يترافق تنفيذ البرامج والخطط بعملية توعية شاملة لأدوار المرأة في المجتمع وشراكتها مع الرجل في البناء». كما تشير الدراسة إلى أن النظام التعليمي والتربوي في البحرين يقوم أساسا على إعادة إنتاج قيم المجتمع ويدعم نظامه الاجتماعي والسياسي القائم وذلك على رغم الاستراتيجيات الموجودة بقصد تمكين المرأة في الكثير من المجالات وخصوصا منها المجال السياسي.
يبحث كتاب «التربية السياسية للبحرينيات، الأثر والرؤيا» الذي أصدرته مؤخرا المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في مدى مساهمة المؤسسات التعليمية والأهلية البحرينية في تشكيل الوعي السياسي لدى المرأة» وخصوصا أن المرأة البحرينية سبقت النساء الخليجيات في ارتياد المدارس وخاضت غمار النشاط الجمعياتي منذ الخمسينات. وتشير الباحثة في دراستها لعلاقة المرأة بالسياسة إلى أن هذه العلاقة «مكتسبة تتعلمها عن طريق الخبرة والممارسة والاختلاط بأفراد المجتمع، والدور السياسي محصور ومقيد ببنية المجتمع الذكورية الأبوية، التي تجعل من علاقة المرأة بالشأن العام علاقة ناقصة».
ولئن كانت فضل تعترف بالزيادة التي شهدتها مشاركة المرأة البحرينية في النشاط السياسي خلال السنوات الماضية فإن نتائج بحثها الميداني خصوصا تؤكد بصفة أكيدة كثير النقائص التي تلازم النشاط السياسي النسوي في البحريني وهي نقائص، بحسب ما أكدته الباحثة، تتحمل المرأة كما المجتمع ومؤسساته النظامية واللانظامية مسئوليتها وهو ما يتطلب بالضرورة إعادة تشكيل الوعي «حول دور المرأة في المجتمع وتربيتها لتكون مواطنة ديمقراطية تؤمن بممارسة حقوقها وبحرية الرأي».
اعتمدت الباحثة في صياغة بحثها الذي احتوى على 248 صفحة من الحجم المتوسط، على مقاربتين، مقاربة نظرية وثانية ميدانية وقد ضمنت المقاربة النظرية ثلاثة فصول تناولت فيها بالدرس أساليب التربية داخل الأسرة والمؤسسات النظامية مبينة مختلف الأساليب التربوية المعتمدة داخل كلتا المؤسستين وتأثير هذه الأساليب على اتجاهات المرأة، فيما خصصت الفصل الثالث من المقاربة النظرية لموضوع التربية في المؤسسات اللانظامية موضحة مختلف مظاهر التربية في الجمعيات النسائية والجمعيات النسائية الدينية.
أما المقاربة الميدانية فقد احتوت أربعة فصول سعت من خلالها الكاتبة إلى بلورة رؤية واضحة عن أساليب التربية وأثرها في إعداد المرأة لدور فاعل في النشاط السياسي، وقد عالجت الباحثة في هذا القسم من الدراسة نتائج المسح الميداني الذي شمل عينتين هما المعلمات والناشطات في الجمعيات النسائية، موضحة خصائص كل عينة.
العدد 2099 - الأربعاء 04 يونيو 2008م الموافق 29 جمادى الأولى 1429هـ