تشهد دول العالم قاطبة حركة تضخمية وارتفاعا في الأسعار، تتفاوت معدلاتها بين دولة وأخرى، وتتفاوت تأثيراتها كذلك بين منطقة وأخرى. وقد كانت الاقتصادات الخليجية من الاقتصادات التي حققت أعلى معدل للنمو في العالم في العامين 2006 و2007، إذ سجلت معدلات نمو غير مسبوقة في هذين العامين تراوحت بين 6 في المئة و7 في المئة، ويعود ذلك الارتفاع الكبير إلى حصيلة عائداتها من صادرات النفط والغاز، ما جعل المحصلة النهائية للتنمية في دول الخليج استثنائية إجمالا.
ومع نهاية العام 2006، وبعد الهبوط الكبير في البورصات الخليجية، برزت التوقعات بأن العامين 2007 و2008 سيشهدان ارتفاعا كبيرا في مستويات التضخم التي وصلت في بعض الدول الخليجية الى 10 في المئة، كحد ادنى.
وتتشارك عوامل عدة في زيادة أزمة التضخم في المنطقة، فتواصل نمو أسعار الإيجارات والعقارات في المنطقة جراء ارتفاع كلفة اليد العاملة والبناء وتأخر التسليمات، الى جانب ارتفاع معدلات أسعار المواد الغذائية التي ساهمت في نمو معدلات التضخم في منطقة الخليج العربي، فارتفاع أسعار العقارات في دول الخليج العربية بسبب نمو الطلب على المساكن والمكاتب مدفوعا بنمو الاقتصاد وايرادات نفطية هائلة نجمت عن ارتفاع أسعار النفط الى حوالي 5 أمثالها منذ 2002.
ومن الشواهد على ذلك، ارتفعت أسعار الايجارات والمرافق في قطر 28,8 في المئة في الربع الثالث من 2007، ما زاد معدل التضخم السنوي الى 13,73 في المئة بنهاية سبتمبر/ أيلول. كما واجهت البحرين والسعودية ضغوطا متنامية لمعالجة التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والعقارات.
وحددت دبي المركز التجاري بمنطقة الخليج سقفا للزيادة السنوية في أسعار الايجارات عند 5 في المئة للعام 2008 وهو دون سقف العام الماضي الذي بلغ 7 في المئة وسقف العام 2006 الذي بلغ 15 في المئة.
وتعليقا على هذا الواقع الاقتصادي في المنطقة وترابط القطاع العقاري بمعدلات التضخم في المنطقة، قالت نائب رئيس أول لتطوير الأعمال والتسويق في شركة «المزايا القابضة» سلوى ملحس: «تؤثر ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة على الكثير من الاستثمارات، الا أن ذلك لا يمكن اعتباره (ظاهرة)، وأن مشكلتي التضخم وارتفاع الأسعار مشكلتان عالميتان عامتان، وليستا في الخليج وحده».
وأضافت «ان ارتفاع أسعار العقارات والايجارات وارتفاع اسعار المواد الغذائية ليسا الاسباب الوحيدة للتضخم في المنطقة. ان ارتباط العملات الخليجية بالدولار، والنمو المتسارع للاقتصاد مقابل تفاوت النمو القطاعي الناتج عن حسن استغلال الإيرادات النفطية من شأنه ان يحمل معه قدرا من التضخم، وذلك لتفاوت نمو القطاعات ونمو بعضها بصورة أسرع من الأخرى، ما يخلق عدم تناسب مؤقت، وبالتالي ترتفع الأسعار لفترة ثم تعود إلى مرحلة التعادل. وهذا هو الجزء المحلي من التضخم وهو ما يلاحظ في سوق العقار. هذا الى جانب زيادة الأجور والرواتب، وحركة أسواق الأسهم، والفوائض الكبيرة السائلة لدى المصارف... كلها عوامل تساهم في ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة».
واعتبرت ملحس أن الدورة الاقتصادية هي دورة كاملة متكاملة، والتضخم لا يمكن ان يصيب قطاعا من دون غيره، كما لا يمكن لقطاع ما أن يكون السبب الوحيد فيه. ففي القطاع العقاري مثلا، أثر التضخم على بعض الاسواق، لكن هناك اسواقا اخرى شهدت نموا كبيرا وازدهارا واسعا حتى في ظل ارتفاع نسب التضخم فيها. منها، على سبيل المثال لا الحصر، ابو ظبي وقطر.
واشارت ملحس الى أن أزمة التضخم تستلزم معالجة جدية تحمي الاقتصاد والاستثمارات للسنوات المقبلة، وتسهل على المستثمرين سبل الاستثمار وبالتالي تحويل الكتل النقدية الى مشاريع حقيقية تنعكس بالفائدة على الاقتصاد والمواطن، وخصوصا ذوي الدخل المتوسط والمحدود، في آن معا. وترى ملحس أن الحل يبدأ من ايجاد سياسة اقتصادية موحدة بين دول مجلس التعاون، وتوحيد العملة وسعر صرفها، وإيجاد قوانين استثمارية ميسرة جاذبة للاستثمارات. مبينة أن من شأن هذا الواقع ان يخلق فرصا استثمارية متساوية بين دول الخليج ويوزع الاستثمارات بالتالي، كما من شأنه ان يوزع رؤوس الأموال الخليجية بين جميع دول الخليج، ويجذب الاستثمارات الخارجية بالتساوي الى جميع دول مجلس التعاون، الى جانب توزيع العمالة وتوزيع فرص العمل بين المقيمين والوافدين.
ارتفاع التضخم في الإمارات
من جهة أخرى، قالت وكالة أنباء الإمارات (وام) الرسمية نقلا عن وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري إن معدل التضخم بالدولة التي تربط عملتها بالدولار ارتفع إلى 11,1 في المئة في العام 2007 من 9,3 في المئة في 2006.
ونقلت الوكالة عن الوزير قوله أمس (الثلثاء) إن الزيادة ترجع إلى قفزة في كلفة السلع والخدمات.
تجميد أسعار مواد البناء
طالب مقاولون إماراتيون الجهات الرسمية بتجميد أسعار مواد البناء في خطوة مماثلة لتبني الحكومة القطرية قرارا بشأن تجميد أسعار بيع حديد التسليح والإسمنت، ودعمها ماليّا لأي زيادة تطرأ على السعر المثبت. وأشاروا إلى أن إجراء كهذا «سيخفف من الضغط على قطاع مقاولات البناء الذي يعاني خسائر مباشرة، وتآكلا في هوامش الأرباح، نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء منذ أواخر العام الماضي». وفيما ألمح مقاولون - بحسب تقرير نشرته صحيفة «الإمارات اليوم» أمس الأول (الاثنين) إلى أن السوق القطرية أصبحت مغرية، وتشكل فرصة للاستثمار، مستفيدين من السنوات الثلاث المقبلة التي سيسري خلالها القرار، فإن آخرين وجدوا في ذلك صعوبات ومعوقات، بدءا من توقيع المقاولين المحليين عقودا ملزمة للعمل في مشروعات محلية ذات مواعيد تسليم واضحة لا يمكن الإخلال بها، مرورا بالكلفة المرتفعة للتشغيل ولتأسيس شركات مقاولات في دول مجاورة.
العدد 2112 - الثلثاء 17 يونيو 2008م الموافق 12 جمادى الآخرة 1429هـ