خلق المدرب لويس اراغونيس هوية جديدة لمنتخب اسبانيا، فلطالما كانت الأخيرة تضم نجوم ناديي ريال مدريد وبرشلونة العملاقين، من دون أن تتمكن من مجاراة قوى القارة العظمى مثل ألمانيا وايطاليا وفرنسا وانجلترا وغيرهم.
فك اراغونيس الكثير من الأحجية في كأس أوروبا 2008، في البداية تصدر مجموعته بثلاثة انتصارات سهلة، ثم فك نحسا لازم الاسبان طويلا أمام الطليان في ربع النهائي وجعل ركلات الترجيح تبتسم له منذ وقت طويل، ودفع أخيرا بالاسبان إلى النهائي الذي يحلمون به منذ عقود طويلة، لكن هل سيتوج هذه المسيرة بنجاح أمام ألمانيا ليدخل صديق الملك خوان كارلوس تاريخ الكرة الاسبانية من الباب العريض؟
غريب أمر هذا المدرب، فأراغونيس الذي تعرض لحرب شعواء لإبعاده المهاجم راؤول غونزاليس عن البطولة، رفع له الجمهور الاسباني خلال مباراة روسيا في نصف النهائي يافطات تطالب بالبقاء مع المنتخب بعد كأس أوروبا، وهو عكس ما حدث مثلا مع المدرب الفرنسي ريمون دومينيك الذي غادر البطولة تحت صافرات استهجان الجماهير الفرنسية.
«الحكيم» يخلط الأوراق
خطط اراغونيس جيدا لمباراة روسيا، وهو عرف ملامح التشكيلة الحمراء بعد أن هزمها 4/1 في أولى مباريات الدور الأول، لكن إصابة دافيد فيا في الدقيقة 34 خلطت أوراق «الحكيم»، لان الأول متصدر ترتيب الهدافين (4 أهداف) وشهيته مفتوحة منذ بداية البطولة.
واحدة من سمات المدربين الكبار والمخضرمين هي قدرتهم على التعامل مع الحوادث الطارئة من إصابات اللاعبين أو طردهم، أو حتى تقلبات الطقس والتغييرات الفاضحة في النتائج.
هنا كان على اراغونيس التفاعل سريعا مع واقعة فيا، اسبانيا متعادلة، هدافها يتألم وبعينه دمعة الخروج، أما الروس فهم في أفضل حالاتهم.
للوهلة الأولى كانت التوقعات تشير إلى إشراك هداف ريال مايوركا والدوري الاسباني دانيال غويزا الذي يخوض البطولة احتياطيا إنما بثقة كبيرة بالنفس، لكن أراغونيس لعب الورقة الثانية وفضل إنزال لاعب الوسط فابريغاس والدفع باندريس انييستا ليكون المساعد الأول لفرناندو توريس الذي أصبح بدوره رأس الحربة الوحيد في ظل خروج فيا.
عرف أراغونيس (69 عاما) من أين تؤكل الكتف الروسية وهي قاسية جعلت مهمة هولندا مستحيلة في ربع النهائي وقبلها اليونان والسويد في الدور الأول.
في الشوط الأول حارب أراغونيس الروس بسلاحهم نفسه، فطلب من لاعبيه اعتماد الكرات الطويلة لينتهي الشوط الأول بالتعادل السلبي. لكن في الشوط الثاني ركز الاسبان على التمريرات الأرضية المركزة في وسط الملعب، فجعلوا الروس يلهثون خلف الكرة من دون طائل، فسرعوا اللعب وبحثوا عن الشباك التي ما لبث أن وجدوها بفضل اينييستا وخافي من خلال الهدف الأول.
تعملق المهاجم الروسي اندريه ارشافين في مباراتين خاضهما مع روسيا، وكان المسئول الأول في إخراج هولندا من البطولة، لكن أراغونيس عرف أن مهاجم زينيت يحب اللعب في المساحات الكبيرة ويعشق الحرية على ارض الملعب، فأوكل ماركوس سينا بمراقبته بشكل لصيق، وبحال تخلص الروسي من الأخير ينقض لاعب آخر عليه مثل خافي هرنانديز. خصوصا أن ارشافين لاعب لا يلتزم بمركز بل يتنقل بين الميمنة والميسرة والوسط طوال المباراة، ويساعده في ذلك إجادته اللعب بكلتا قدميه ولياقته العالية.
تحية هيدينك
كان المدرب الهولندي غوس هيدينك أكثر المتفهمين لخسارة روسيا في نصف النهائي، فبعد أن اعترف بأفضلية الاسبان، قال «سندباد» المدربين: «الاسبان يلعبون بلمسة واحدة، يعرفون كيف يعطلون الخصم. يستمرون في مداعبة الكرة لوقت طويل، خصمهم يتعب إلى أن يأتي الوقت ويتمكنوا من التسجيل».
كلام هيدينك هو مديح غير مباشر لتكتيك أراغونيس الذي قاد اسبانيا كي تكون الفريق الأكثر ثباتا حتى الآن، فهي لم تخسر بعد ولم تكن مهددة من أي طرف آخر في مبارياتها الخمس التي خاضتها، وحتى أمام ايطاليا في ربع النهائي جارى الاسبان ملل الطليان وجروهم إلى ركلات الترجيح التي ابتسمت للأيبيريين.
حتى على الصعيد النفسي يعرف أراغونيس على أي وتر يعزف، فاعتبر أن ألمانيا مرشحة للفوز في النهائي، وذكر بقول هداف كأس العالم 1986 الانجليزي غاري لينيكر: «مباراة من 90 دقيقة و22 لاعبا وأخيرا الألمان يفوزون»، ولم يفصح طبعا عن خطته للنهائي، إذ اعتبر أن اسبانيا ستمارس اللعبة التي تعودت عليها.
ستكون خاتمة مباريات أوروبا 2008 بين فريق قوي الشكيمة وآخر يعشق لعبة كرة القدم أي ألمانيا واسبانيا، فلمن ستكون الغلبة لقساوة المانشافت أم لعشق الـ»فوريا روخا» المجنون للمستديرة بقيادة مدرب حكيم في نهاية مشواره مع الاسبان؟
العدد 2123 - السبت 28 يونيو 2008م الموافق 23 جمادى الآخرة 1429هـ