العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ

هوليوود تهرب إلى مخيلتها... والسينما العربية تعيش في واقعها

إذا ما وقفت السينما الأميركية في مقابل السينما العربية في مباريات استعراض للقدرات والإنجازات، سنجد أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تنتج نتاجها السينمائي الحقيقي في أواخر القرن التاسع عشر، في حين بدأت السينما العربية مع بداية العقد الثالث من القرن الماضي، وفي حين وصلت موازنات بعض الأفلام الهوليوودية إلى أرقام خيالية قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، لم تتجاوز أعلى موازنة لفيلم منتج في دولة عربية من قبل منتجين عرب المليون دولار، ولابد أن نذكر في هذا الاستعراض لعضلات النموذجين أن ما ينتج في هوليوود من أفلام ويصل إلى شبابيك السينما العالمية (بمعنى آخر ما تصلنا معلومات عنه) يصل إلى العشرات سنويا، في حين أن ما ينتج في هوليوود من مختلف أشكال الإنتاج السينمائي سنويا قد يصل إلى بضع مئات. في مقابل الإنتاج الغزير لهوليوود نجد أن ما يسمح له من أفلام عربية لأن يبصر النور في أي مكان عرض، قد لا يتمكن من تجاوز ربع ما ينتج في أي مكان آخر.

كل تلك الأرقام والإحصاءات ستنتصر بكل جدارة للفيلم الأميركي المصنع بحرفية عالية، والمتمكن بفضل فريق عمل كبير يدير كل تفصيل صغير في إنتاجه. آثار هذا الفرق تظهر في تلقي المشاهد للأفلام العربية بروح المقارنة والمنافسة مع أفلام هوليوود، وحيث لا مجال للمقارنة لا من حيث الإخراج ولا من حيث الحوار والنصوص المستلهمة السيناريوهات منها.

غير أن المدقق في هذه المقارنة سيرى أنه تم إغفال أمر مهم ما بين النموذجين، فالهوليووديون كلما تقدمت بهم الخبرة باتوا أكثر مغامرة ومبالغة في تشكيل أعمالهم، سواء أكان ذلك من خلال استحالة الحوادث، أو عظم ملامح الشخصية التي يجمح خيال مبتكرها لأن يدخل فيها كل ما لا يمكن لإنسان جمعه في شخصية واحدة، أو حتى من خلال الذهاب بحوادث القصة بكاملها إلى ما يفوق الأحلام. فالفيلم الهوليوودي أخذ في الاندماج مع العوالم غير المكتشفة أو حتى تلك العوالم التي تشغل خياله. لا يعني ذلك خلو صناعة الأفلام في هوليوود من الحس الواقعي والمعالجة لبعض القضايا الاجتماعية كحمل المراهقات أو انتحال الهوية الشخصية أو الإدمان، فهذه القضايا تشكل حجرا أساسيا في أية صناعة سينمائية. والأمر لا يعدو أن يكون اختلافا في التعبير وابتكار طرق إبداعية لمعالجة مثل هذه المشكلات التي أصبح التعرض لها شأنا روتينيا قد لا يجد المشاهد الراغب في المتعة وتمضية أوقات سعيدة مع المقربين منه ما يدفعه للمشاهدة.

في حين أن الفيلم العربي بكل أشكال نصه الدرامي، مازال لحد بعيد يمثل جانبا من واقعنا المعاش، فكتّاب السيناريو والمخرجون العرب، بسبب شح موارد إنتاج أفلامهم من جهة، وبسبب طبيعة مُشاهدهم العربي من جهة أخرى، وغزارة القضايا العالقة في مجتمعاتنا، وجدوا أنفسهم أمام ضرورة أن يعكس الإبداع الفني المصور جزءا من واقع الشارع المعاش، من دون أن نغفل هنا إضافة سبب جوهري ورئيسي يدفع صانعي الفيلم العربي إلى الاتجاه صوب قضاياهم المعاشة، وهو أن الإنتاج العربي الفني مازال أحد أهم أنواع التعبير والتفاعل مع قضايا المجتمع، ولم يتحول حتى الآن إلى صناعة الرفاهية، على رغم وجود عدد كبير من النماذج السطحية سواء أكانت منتجة قديما أو أنها مما نراه في أيامنا هذه من أعمال تافهة وسطحية.

ولسبب أن المشاهد العربي في غالبية الدول العربية لا يمتلك متنفسا يتفاعل فيه مع قضاياه الشائكة، فمن الطبيعي أن يجعل السينما والدراما أهم مجالاته التي يمكن أن يعبر من خلالها عن غضبه أو نقمته أو اعتراضه بصورة محدودة جدا وتتلبس أشكالا غير مباشرة لتعلن عن المواقف من القضايا.

التجربة العربية الجديدة - كما مثلتها بعض أفلام يوسف شاهين - حاولت المنافسة في صناعة النص الدرامي، وحاولت أن تعمل على القضايا الاجتماعية من خلال ابتكار عناصر جديدة تبتعد عن المباشرة، لكنها في النهاية لاتزال تجارب يتيمة مقارنة بالعدد الهائل الذي تنتجه السينما العربية.

في النهاية، ستكون قصة الموارد وشركات الإنتاج الضخمة، عائقا حقيقيا أمام دخول الأفلام العربية حيز المنافسة، لكن القصة لن تكتمل إلا بذكر غياب الإبداع والابتكار في النصوص الدرامية والسينمائية.

العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً