العدد 2131 - الأحد 06 يوليو 2008م الموافق 02 رجب 1429هـ

ارتفاع الحرارة ومياه مجارٍ وراء موت أسماك أم البيض

البحرين تستحوذ على عُشر ظواهر النفوق الخليجيّة... «حماية البيئة»:

الوسط - محرر الشئون المحلية 

06 يوليو 2008

كشفت دراسة أعدتها الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية أن نفوق الأسماك الذي وقع في حالة أم البيض بسترة يوم السبت 28 يونيو/ حزيران 2008 كان ليوم واحد وفي منطقة محصورة، ويرجع إلى سببين: طبيعي يتمثل في ارتفاع درجة حرارة البحر ونقص تركيز الأكسجين المذاب في مياه البحر، وبشري يرجّح أن يكون بسبب تصريف بعض الشاحنات بطريقة غير شرعية مياه مجار في قناة المعامير.

وأوضحت الدراسة أن حالة أم البيض عانت من ارتفاع تركيز بعض الملوثات في مياه البحر مثل المواد المغذية، والكلوروفيل، والبكتيريا ما نجم عنه انخفاض في تركيز الأكسجين الذائب في الماء، وبالتالي نفوق الأسماك الحساسة جدا، وتحديدا العفطي والميد التي كانت موجودة في تلك المنطقة البحرية.

وأشارت الدراسة إلى أن ظاهرة المد والجزر وحركة مياه البحر وعدم إزالة الأسماك النافقة أدى إلى تحركها إلى موقع بحري آخر مجاور للموقع محل النفوق، لافتة إلى أنه لم يتمّ تحديد مصدر التلوث البشري، إلا أن المرجّح أن المصدر قد يكون بعض الشاحنات المحمّلة بمياه المجاري التي قامت بطريقة غير شرعية بصرف مياه المجاري في قناة المعامير، وأدت بالتالي إلى ارتفاع تركيز المغذيات والبكتيريا الذي مصدره يكون دائما مياه المجاري.

حوادث بيئية غير معتادة بالخليج

وقالت الدراسة إنه لوحظ في العقدين الماضيين ظواهر لعدد من الأحداث البيئية غير المعتادة، وعلى وجه الخصوص في الأنظمة البيئية في مياه الخليج العربي. وتتضمن الظاهرة عددا من الأوبئة المرضية، والنفوق الجماعي لمجموعة من الأحياء البحرية والساحلية، وتكاثر وازدهار أنواع معينة من الطحالب البحرية. وقد تكرّرت حوادث النفوق الجماعي في بعض المواقع في مياه الخليج العربي عدة مرات مسببة خسائر اقتصادية في قطاع صيد الأسماك، وقلقا وخوفا بين مستهلكي الأسماك في المناطق المتضررة.

وعُزيت ظاهرة النفوق الجماعي إلى عدة أسباب بشرية وطبيعية، منها: وجود مستويات عالية من الملوثات ذات المصدر البشري، ارتفاع درجة حرارة مياه البحر في غير مواعيدها، العوامل الممرضة، ظاهرة المد الأحمر، والتغيرات في المصادر الغذائية. وقد شهدت منطقة الخليج العربي الكثير من حالات نفوق للأسماك والثدييات والسلاحف البحرية، وتم تسجيل ثلاث وخمسين من هذه الظواهر، أشهرها ما حدث في سلطنة عمان العام 2000، و دولة الكويت العام 2001. وقد استحوذت البحرين على عشر من هذه الظواهر، بدءا من أكتوبر/ تشرين الأول العام 1985، وانتهاء بيوليو/ تموز العام 2007، وعزيت معظمها إلى ظاهرتي المد الأحمر، وارتفاع درجة حرارة البحر.

واستشهدت الدراسة بالولايات المتحدة الأميركية التي أشارت سجلات وكالة حماية البيئة فيها إلى أن أكثر من 73 بليون سمكة نفقت بسبب تلوث الماء العام 1971، ويعود السبب المباشر إلى انخفض الأكسجين الذائب في الماء. وبخصوص موقع الأسماك النافقة أوضحت الدراسة أن المنطقة المتضررة التي وقعت فيها حادثة نفوق الأسماك الأخيرة تتميز بكونها عبارة عن شبه خليج صغير وضحل يحيط به من الجهة الشرقية الشمالية منتجع ومن الجهة الجنوبية الغربية بابكو، من الشمال قرية المعامير، بينما الجهة الجنوبية مفتوحة على البحر، وتتميز المنطقة بركود المياه فيها.

60 كيلوغراما كمية الأسماك النافقة

وبشأن التقديرات الأولية لأعداد الأسماك النافقة أشارت الدراسة إلى مئات الأسماك من نوع العفطي (الحراسين) وقليل من الميد، وقُدرت كمية الأسماك النافقة بحوالي 60 كيلوغراما، معظمها من أسماك العفطي « الحراسين» ونحو 10- 20 في المئة منها سمك الميد التي تعتبر من النوع الساحلي.

وبخصوص الإجراءات التي تم اتخاذها، قالت الدراسة إنه في يوم السبت 28 يونيو تسلمت الهيئة مكالمة من الإدارة العامة لخفر السواحل تفيد بوجود أسماك ميتة طافية على سطح البحر بالقرب من ساحل حالة أم البيض بسترة، وعلى أثرها زارت الهيئة المنطقة ومسحتها وأخذت صورا للأسماك الطافية. في صباح يوم الأحد 29 يونيو زارت الهيئة المنطقة المذكورة باستخدام أحد قوارب الإدارة العامة لخفر السواحل، وتم مسح المنطقة وجمع عينات من مياه البحر لتحليلها مختبريا. مع ملاحظة تعكر مياه بعض مناطق الخليج المذكور كما في الصور المرفقة. وقد لوحظ أن جزء صغيرا من المنطقة الجنوبية لقناة المعامير (لا تتعدى 10 أمتار مربعة) تتميز بركود المياه، وتلونها باللون البني الفاتح، مع وجود مصرف لمياه الأمطار بإحدى جوانب هذه المنطقة. وفي يومي الاثنين والثلثاء 30 يونيو و 1 يوليو تم تحليل العينات التي تم جمعها من مياه البحر مختبريا، وفي يوم الخميس 3 يوليو وباستخدام أحد قوارب الخاصة تم تنظيف المنطقة من جميع الأسماك النافقة، للوقوف على استمرار النفوق من عدمه، وفي يوم الخميس 3 يوليو تم مسح ساحل المعامير ولم توجد أية أسماك ميتة في الموقع. وفي يوم الجمعة 4 يوليو تمت زيارة المنطقة المذكورة بقارب بحري، وتم المسح وجمع عينات من مياه البحر وتحليلها مختبريا. ولم توجد أية أسماك ميتة في الموقع. وفي يوم السبت 5 يوليو تم مسح ساحل المعامير، ولم توجد أية أسماك ميتة في الموقع.

تركيز الكلوروفيل بالساحل غير طبيعي

واستنتجت الدراسة أنه بقياس الخواص الفيزيائية للمياه لأربعة مواقع في موقع نفوق الأسماك وأخذ ثلاث عينات من مياه البحر لقياس تركيز المواد المغذية وتركيز الكلوروفيل للوقوف عن كثب على جودة مياه البحر في الموقع المذكورة، وأخذ عينتين من مياه ساحل قناة المعامير واحدة من شمال الساحل الشرقي لقرية المعامير والأخرى من جنوبه. وفي ضوء نتائج تحليل العينات فإنه يمكن ملاحظة انخفاض كمية الأكسجين المذاب في المنطقة المذكورة عن المعدل المطلوب وهو 5 مليغرامات/لتر في هذه المناطق من العالم لاستدامة الحياة والتنوع الحيوي بما فيها الأسماك. وتعتبر كمية الأكسجين المذاب في الماء مقياسا مهما لنوعية الماء، إذ تتطلب الأسماك كمية دنيا معينة من الأكسجين المذاب تتوقف على أنواعها ومرحلة نموها ومستوى نشاطها ودرجة حرارة الماء، فعلى سبيل المثال، لابد أن يبقى الأكسجين المذاب في الماء، لمجموعة متجانسة من أسماك الماء الدافئ أكثر من 5 أجزاء في المليون مدة لا تقل عن 16 ساعة في اليوم، كما يجب ألا تقل عن 3 أجزاء في المليون خلال الثماني ساعات المتبقية في اليوم. في حين كان تركيز الكلوروفيل في المنطقة المتضررة أعلى بضعفين إلى خمسة أضعاف من معدل الكلوروفيل الطبيعي، بينما كان تركيزه في الساحل الشرقي لقرية المعامير يفوق المعدل الطبيعي بمئات المرات. ما يرجح وجود إثراءٍ غذائيٍ في المنطقة التي من خلالها تحدث زيادة تدريجية في تراكيز المواد المغذية مثل الفوسفور والنيتروجين وغيرها من المغذيات الأخرى في البيئة البحرية الضحلة، وحينما يصبح الجسم المائي غنيا بالمواد المغذية فإن الطحالب والبكتيريا تنمو ما يؤدي إلى نمو الطحالب بشكل سريع وكبير ، وهو يؤدي إلى نقصٍ في الأكسجين المذاب في المياه، ومن ثم نفوق الأسماك.

ونبّهت الدراسة إلى أن تلك الفرضية تعززها التحاليل المختبرية التي تشير إلى أن تراكيز المواد المغذية تشهد ارتفاعا كبيرا في تركيز النيتروجين، كما أن وجود بكتيريا من نوع (Total Coliform and Fecal Coliform يدلل على وجود مصدر لمياه المجاري في المياه على طول ساحل المعامير و صولا إلى حالة أم البيض.

وفي ضوء هذه النتائج، يمكن - بحسب الدراسة - الاستنتاج بأن المنطقة عانت انخفاضا كبيرا في تركيز الأكسجين المذاب (DO) الذي لا يمكن تفسيره بارتفاع درجة حرارة البحر الطبيعية فقط، ما يعني أن هناك عوامل أخرى غير درجة الحرارة أسهمت في انخفاض تركيز الأكسجين المذاب، وأحد أهم هذه العوامل هي تأكسد المواد العضوية الذائبة في الماء بواسطة البكتيريا التي تستخدم المواد العضوية والطحالب غذاء لها، و هذا ما تدل عليه التراكيز العالية للنيتروجين. ومن حساب نسبة النتروجين إلى الفوسفور يمكن ترجيح نظرية أن مصدر هذه المواد العضوية ليس من تحلل الكائنات البحرية فقط بل من وجود مصدر بري أيضا.

الحراسين سريعة التأثر بالتغيّرات البيئية

وتعتقد الدراسة أن هذه المنطقة نتيجة لارتفاع درجة حرارة البحر الطبيعية، ووصول مياه منخفضة الأكسجين المذاب وضخ كميات من المواد العضوية المذابة من خلال مصب المعامير، حيث تواصل البكتيريا أكسدتها باستخدام الأكسجين المذاب، ما يستنزف كمية الأكسجين. ولكن ونظرا لوجود الأكسجين المذاب في الماء في حالة اتزان مع الأكسجين الجوي و لضحالة المياه على طول ساحل المعامير إلى المعبر فإن الكمية المفقودة سرعان ما تستبدل بالأكسجين الجوي، ولكن مع وصول المواد العضوية إلى عمق أكثر (3 أمثار و أكثر) عند ساحل حالة أم البيض، فإنه يصعب تعويض الأكسجين المستهلك لأكسدة المواد العضوية، ما أدى إلى انخفاض تركيز الأكسجين المذاب في المنطقة. وقد ساعد على ذلك بطء حركة التيارات البحرية في هذه المنطقة (حيث أن المنطقة شبه مغلقة وضحلة)، وبطء حركة الرياح، بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع المد في يوم السبت ليلا 28 يونيو كان في أقصاه (نظرا لوجود القمر في حالة المحاق). فقد أدت جميع هذه العوامل إلى انخفاض تركيز الأكسجين المذاب في المنطقة. كل ذلك قد يكون نتج عنه نفوق هذه الأسماك وخصوصا العفطي (الحراسين) التي تتميز بتأثرها الشديد بأية تغيرات في البيئة نتيجة إلى صغرها وعدم مقدرتها على التكيف مع المتغيرات البيئية.

المد نقل الأسماك النافقة إلى الساحل

وذكرت الدراسة أنه في ضوء تقرير المفتش البيئي الذي أشار إلى وجود نفوق للأسماك بكميات كبيرة وتراكمها على ساحل المنتجع يوم السبت بالقرب من الموقع رقم ( 2) ومن ارتفاع تركيز الأمونيا في الموقع رقم (2) وانخفاض تركيز الأكسجين مقارنة مع موقع رقم (4) القريب من مصب قناة المعامير، وفي ضوء التسلسل الجغرافي للصور المأخوذة للأسماك النافقة فإنه ترجح فرضية حدوث النفوق في هذه المنطقة وليس بالقرب من ساحل المعامير، وإن الأسماك النافقة التي لوحظت على ساحل المعامير انتقلت إلى ساحل المعامير بفعل حركة المد والجزر.

العدد 2131 - الأحد 06 يوليو 2008م الموافق 02 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً