اختتمت إدارة الثروة السمكية في الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية فعاليات دورتها التدريبية - والتي شارك فيها 36 متدربا من مختلف مؤسسات الدولة - بجولة بحرية إلى مصائد الأسماك على الساحل الشرقي للمملكة، اصطحبت فيها المشاركين في الدورة التي نظمتها الإدارة من10 إلى 12 مايو/أيار الجاري تحت شعار «بيئتنا البحرية». جولة المتدربين - الذين رافقتهم «الوسط» في رحلتهم البحرية - بدأت بحديث اختصاصية أحياء بحرية في إدارة الثروة البحرية ابتسام خلف، عرفت خلاله المتدربين على المصانع الواقعة على الساحل الشرقي إذ لاحت هذه المصانع بصورة جلية منذ تحرك المركب نحو الجنوب الشرقي لجزيرة البحرين، محتلة بذلك مكان أشرعة السفن الراسية في سواحل لؤلؤة الخليج قبل أكثر من 50 عاما مضت.
وكان أول تلك المصانع والمنشآت المرفأ البحري التابع إلى شركة نفط البحرين «بابكو»، تلاه مرفأ مصنع شركة الخليج للبتروكيماويات ومن ثم منشأة أخرى لشركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، إذ بدأ البحر يضيق بمياهه التي تفتقد ساحلا يطل عليه ليتباهى بجماله أمام رواد ذلك الساحل الذي لم يكن له وجود على طول الساحل الشرقي لجزيرة البحرين.
بعد خلف، تسلم الإرشاد حسن المغني من الثروة السمكية أيضا الذي بدأ حديثه بتعريف المتدربين على الإشارات البحرية على جانبي المركب والموجودة على طول خط السير والتي تميزت باختلاف حجمها وشكلها عن بعضها بعضا لتعرف السالك بالطريق التي يسلك.
مصائد المحرق
ومع اقترابنا من مصائد المحرق، بدأ المغني بالحديث عن تاريخ هذه المصائد التي كانت من أغنى مصائد الخليج واصفا إياها بـ «الثروة المسروقة»، التي سرقها الردم والدفان اللذان أخليا المنطقة من الأسماك إخلاء، إذ بدأت الأسماك الصغيرة - مع بداية الردم - بهجرة هذه المنطقة إلى سواحل إيران وغيرها من الدول المجاورة مع بداية الردم، وبخلو المنطقة من الأسماك الصغيرة، وجدت الأسماك الكبيرة نفسها من غير غذاء، تبعا للقاعدة الهرمية البحرية «السمك الكبير يأكل السمك الصغير»، فالأسماك الكبيرة - مثل الهامور والسبيطي والبرطام وغيرها - التي كانت تتغذى على تلك الأسماك الصغيرة ذهبت إلى الأعماق بحثا عن غذائها.
جزيرة «فوكلند»
مر المركب السياحي بجزيرة الدار المعروفة بـ «جزيرة فوكلند» التي بدت جميلة وهي غاطسة وسط الأمواج، وجمالها جعل المتدربين يتساءلون عن سبب عدم تنظيم رحلات سياحية من قبل إدارة السياحة سواء إلى هذه الجزيرة أو غيرها من الجزر التي لا يسمع عنها البحريني إلا إذا خرج في رحلة كهذه.
كما تبادل بعض المتدربين الأحاديث عمن يرتادون هذه الجزر إذ تبين أن غالبيتهم أجانب، وكأن البحريني هو الغريب في أرضه ولا يعلم عن تشعباتها إلا أقل مما يعرفه الأجنبي والغريب، وربما هنا لا يصدق القول بأن «أهل مكة أدرى بشعابها».
منطقة زويد
وبعد المرور بجزيرة فوكلند، دخلنا مياه منطقة زويد، وكانت هي الأخرى من المناطق السمكية التي جار عليها الدفان بحسب مرشد إدارة الثروة البحرية المغني، إذ أكد في حديثه أن هذه المنطقة في السبعينات كانت كنزا آخر من كنوز البحرين ومع بداية الردم في كثير من الممتلكات الخاصة بدأت نهاية هذا الكنز.
منطقة الشيخ إبراهيم
وما أن بانت معالم قرية عسكر، حتى بدأ المركب بدخول منطقة الشيخ إبراهيم التي قال عنها المغني أنها الأهم بين مصائد الروبيان في مياه البحرين على الاطلاق، إذ يكثر في هذه المنطقة الروبيان في موسمه المعتاد، كما تغص بالصيادين بعد السماح لهم بصيد الروبيان.
وأكد المغني أنه على رغم الردم والدفان، فإن هذه المنطقة لا تزال تحتفظ بمخزون كبير من الروبيان، ومع مرور السنين، فإن هذا المخزون ينخفض تدريجيا لاستنزافه من قبل العدد الكبير من الصيادين الذين يرتادون هذا الإقليم في موسم الصيد.
جزيرة الشيخ إبراهيم
وتتوسط منطقة الشيخ إبراهيم جزيرة لا تتعدى مساحتها نصف هكتار كان عليها مسجد دفن فيه رجل صالح يدعى الشيخ إبراهيم، يعرفه غالبية أهل البحرين، ولكن كان الهجران واضحا جدا على ذلك المسجد، إذ انه يفتقد أبسط مقومات البناء وكأنه خربة أكل الدهر عليها وشرب.
وأكد أحد المتدربين أن هذا المسجد منع ارتياده في فترة من الفترات وخصوصا في منتصف التسعينات، ولا يزال مهجورا لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، الأمر الذي يطرح عددا من الاستفسارات أهمها: لماذا لا تتبنى الأوقاف الجعفرية - والتي يتبع إليها - هذا المسجد وضعه وتبادر في بنائه وتوفر وسائل النقل إليه كما كان قبل الحوادث؟
جزيرة ام جيليد
وكانت جزيرة ام جيليد نهاية مطاف الطوافة التي كان على ظهرها المتدربون، فلم تسلم هذه الجزيرة من عوامل الضغط البيئي على طبيعتها وتكوينها، فهذه المنطقة بعيدة عن السواحل نسبيا إلا أنها كتب عليها ما كتب على الذين من قبلها من مناطق الثراء التي أفلست.
مع كل جزيرة تلوح، ومع كل مصيد سمك هجرته أسماكه، كانت الحسرة تتبدى على وجوه المتدربين على ماضي البحرين الثري بما في جوف البحار التي تطوق بالدفء أرخبيل البحرين، إذ كانت المياه التي تحيط بهذه الجزيرة أيضا غنية بأكثر أنواع السمك التجاري الصافي، الهامور، الجنم، الشعري والكثير الكثير، وهم يعلمون أن ما يخربه الإنسان عابثا أو غافلا، من الصعب عليه - وأحيانا من المستحيل - أن يستعيده ولو أنفق في ذلك كل الجهد والمال والطاقة
العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ