العدد 2579 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ

كلمة وزير الخارجية أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة

وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة
وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة

ألقى وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كلمة مملكة البحرين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك اليوم (الاثنين)، واستعرض فيها موقف البحرين من القضايا الدولية المختلفة، وهذا هو نص الكلمة:

السيد الرئيس ،،،
يسعدني أن أتوجه بالتهنئة الخالصة، إلى أخي معالي الدكتور علي عبدالسلام التريكي أمين شؤون الاتحاد الأفريقي بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، لانتخابه بالإجماع رئيسا للجمعية العامة في دورتها الرابعــة و الستين، معرباً عن عظيم الثقة بأن خبرته الدبلوماسية ودرايته بشؤون الأمم المتحدة ستمكنانه من إدارة أعمال هذه الدورة بكفاءة واقتدار.
كما أسجل بالتقدير جهود الرئيس السابق للجمعية العامة الأب ميغيل ديسكوتو بروكمان من جمهورية نيكاراغوا، لإدارته الحكيمة لأعمال الدورة السابقة ولأفكاره النيرة التي طرحها أثناء فترة رئاسته، لما فيه تعزيز وتطوير هذه المنظومة.
ولا يفوتني أن أعرب عن تقديرنا البالغ للجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، من أجل تعزيز مبادئ ومقاصد الميثاق والنهوض بدور منظمتنا، وتوسيع وتطوير فعاليتها لمواكبة تطورات العصر وتلبية احتياجات شعوبنا كلما جدت واستجدت.

السيد الرئيس ،،،
تنعقد الدورة الرابعة و الستون في ظل ظروف دولية متسارعة، تشهد خلالها العلاقات الدولية مرحلة دقيقة وهامة، مرحلة أصبحت فيها التحديات التي تواجهنا كبشر، أكبر وأكثر من أي تحديات تواجهنا كشعوب وأعراق أو اتباع ديانات مختلفة، مرحلة يهددنا فيها المرض، والجوع، وتغير المناخ، فيما نجد عالمنا منشغل في خلافات وصراعات وحروب لا طائل لها.
إن إيماننا بالانفتاح والتسامح والتنوع ورفض العنف و التطرف، يتطلب منا أن نبدأ بتحرير الأفكار و التخلي عن الأنانية و التعصب، لتهيئة الأجواء المستقرة نحو استبدال الصراع بالحوار و الخلافات بالتراضي و العنف بالإقناع، وذلك من أجل توسيع تحالفاتنا التي تتطلب المزيد من التواصل، وبذل جهود أكبر للتسامح مع من لا يشاركوننا قيمنا وأفكارنا. فهناك قضايا ذات طبيعة جدلية وفلسفية لا يمكن التعامل معها بأي حال من الأحوال، إلا من خلال استعداد كل طرف للانفتاح والتعايش مع الآخر وتحييد تأثير الأفكار والمفاهيم المسبقة، فوجود أرضية للتفاهم المشترك، تساعد على خلق عالم أكثر تقدماً وابتكاراً وأمناً، مبني على التسامح والحوار البناء والتعايش الإنساني.

وفي الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى قرية صغيرة، تتقارب فيها الأبعاد والمسافات بسبب التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات التي أزالت الحواجز والحدود، نرى أن هذا الترابط العالمي يصطدم بتشتت سياسي، تضاربت فيه اتجاهات الدول سعياً وراء مصالحها الذاتية، وهو ما يتطلب منا جميعاً وضع استراتيجيات عملية للمستقبل تضمن مصالح الجميع، وذلك من خلال عقلية قادرة على استيعاب هذه المتغيرات وتوظيفها لخدمة الإنسانية وضمان استقرار أمن العالم، إذ أن ضمان أمن العالم لا يمكن أن يتم من قبل القوى العظمى وحدها ، ذلك لأن التهديدات التي نواجهها أضحت تهديدات أكبر وأعظم حجماً وانتشاراً عن ذي قبل، الأمر الذي يتطلب تحالفاً أوسع بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ودعم المنظومة الدولية لتحقيق مصالح المجتمع الدولي ككل بالتوازي مع وضع سياسات وطنية لمواجهة هذه التهديدات والمشاكل والقضايا عن طريق التنسيق الثابت والمستمر بين الدول لأن المهمة الملقاة على عاتقنا اليوم، تتطلب مناقشة مختلف التهديدات والمشاكل والقضايا المحيطة بعالمنا، في إطار مراعاة الظروف التاريخية وقيم وأفكار مجتمعاتنا واستعداد كل طرف للتبصر وتفهم واستيعاب ظروف الآخر وخصائصه، والعمل على مكافحة الكراهية و التعصب.

السيد الرئيس ،،،
إن مملكة البحرين التي كانت ولازالت ، ملتقى لمختلف الحضارات و الثقافات و الديانات والأعراق والتي انتهجت مفاهيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر عبر العصور، لتؤمن بضرورة إيجاد وسائل لتقريب وجهــات النظر بين الثقافات و الحضارات وبناء ثقافة السلام بين الشعوب.
ومن هذا المنطلق ، فأن تسوية الصراعات بنهج السلم هو من صلب قيمنا واخلاقنا، القائمة على مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف. وليس هناك خلاف عانينا منه ومن طول مدته على أجيالنا الحالية، كالصراع العربي الإسرائيلي بكل تداعياته الذي ما يزال مستمراً لأكثر من ستين عاماً ، وما خلفه حتى الآن من بؤس ومعاناة إنسانية كبيرة، سممت العلاقات الإقليمية والدولية، وأصبحت تزيد بين وقت وآخر من حدة التوتر والعنف والمواجهات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. وكم حاولنا ... وحاولنا لحل هذا الخلاف المزمن وفشلنا . نعم عقدت المؤتمرات تلو المؤتمرات وقدمت المبادرات تلو المبادرات ، إلا أننا لم نحاول إيصال ما نريد إلى عقول وقلوب وبيوت المقصودين من شعوب المنطقة. هذا هو جوهر الطرح الذي قدمه صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفــة ولي عهــد مملكة البحـريـن في مقاله المنشور في الواشنطن بوست بتاريخ 16 يوليه 2009م، الذي يمثل إسهاماً حقيقياً نحو الوصول إلى رؤية عملية لحل هذا الصراع. وهنا أقتبس،
" إن خطأنا الأكبر هو أننا افترضنا أن باستطاعتنا تحقيق السلام كإشعال مصباح كهربائي، و الحقيقة هي أن السلام عملية مبنية على فكرة جيدة، لكنه يتطلب أيضاً قدراً كبيراً من الاتصال والتواصل الذي يستهـدف على نحــو متأن و مستمر جميع الأطراف ذات العلاقة".

السيد الرئيس ،،،
إن المتأمل في هذا الطرح، يدرك المفهوم الصحيح لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو إيصال مبادرتنا العربية للسلام إلى الشعب الإسرائيلي بأسهل وأسرع الطرق عن طريق مخاطبته مباشرة عبر وسائله وأجهزته الإعلامية. وبهذا الإسلوب العملي نستطيع أن نتلمس طريق السلام.
إن الحكمة، تتطلب منا اليوم استخدام وسائل الإعلام و الاتصالات المتوفرة حاليا بنظرة واعية و حكيمة، و ذلك من أجل خلق القنوات و الهياكل التي تمكننا كقادة و حكومات ومجتمع مدني، من تهيئة المناخ الصالح والقوة الدافعة لتحقيق السلام المنشود.

فالحوار بات اليوم قضية إنسانية عالمية دائمة الحضور في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية ، كحوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الأديان. جميعها تعمل في دائرة إثـراء العطاء الإنساني من أجل التعايش السلمي، باعتباره الوسيلة المثلى للعلاقات بين الشعوب، والمرتكز الأساسي لإزالة أسباب التوتر والصراع والفرقة.
السيد الرئيس ،،،
إن عملية السلام في الشرق الأوسط، تستوجب منا المزيد من النشاط السياسي والدبلوماسي لتحقيق حل الدولتين، فلسطين و إسرائيل ، في إطار تسوية شاملة وعادلة، وعلى أساس الأمن المتكافئ لكافة شعوب منطقة الشرق الأوسط.
وفي تقديرنا فإن الفشل في وضع نهاية لهذا الصراع يعود في الأساس إلى عدم تناوله وفق منهجية قائمة على العدل والتوازن و غياب الصورة الواضحة للحل النهائي ، وكلنا يدرك المدى الذي ذهب إليه الجانب العربي في التأكيد على خيار السلام كهدف استراتيجي لا رجعة عنه. ولقد جاءت مبادرة السلام العربية لتؤكد ذلك دون لبس أو مواربة، وإن ما نتوقعه من المجتمع الدولي والدول المؤثرة الكبرى، هو أن تقوم بدفع إسرائيل إلى وقف بناء المستوطنات وإزالتها من الأراضي المحتلة عام 1967، وتحديد حدود دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، تعيش جنباً إلى جنب ، مع دولة إسرائيل، والانسحاب من الجولان السوري المحتل والأراضي اللبنانية، وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومتطلبات خريطة الطريق ومبادرة السلام العربية.
وهنا أنوه بالتقدير بما ورد في خطاب فخامة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ألقاه من هذا المنبر ونعتبره مرجعية لإطلاق عملية السلام من جديد في الشرق الأوسط، والتي أكد فيه بوضوح الحاجة إلى استئناف المفاوضات بشأن قضايا الوضع النهائي وهي الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين والحدود واللاجئين والقدس، ورفضه لاستمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة والقابلة للحياة.

السيد الرئيس،،،
إن من، جملة التحديات التي تعيشها منطقتنا أيضاً ، والتي تشكل مصدر قلق مشترك لنا جميعاً، انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط والخليج. وإذا كان البرنامج النووي الإيراني يعتبر أحد مسببات هذا القلق المشترك، فإن إسلوب التعامل مع هذا البرنامج النووي الإيراني يجب أن يتم بطريقة تجنب منطقتنا مخاطر المواجهة وذلك بالتأكيد على النهج الدبلوماسي في معالجته .
وبناءً عليه، فإن مملكة البحرين تجدد مطالبة المجتمع الدولي طبقا لقرار مجلس الأمن 1887(2009) بالعمل الجاد لجعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج خالية من الأسلحة النووية ومن كافة أسلحة الدمار الشامل، بما يدعم كل ما من شأنه أمن ورخاء شعوب المنطقة و العالم أجمع و مطالبة إسرائيل بالتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية تحقيقاً لعالميتها. وإخضاع جميع المنشآت النووية لكافة الدول في منطقة الشرق الأوسط وأنشطتها لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الإقرار بالحق المشروع للدول بامتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في مختلف المجالات التي أضحت ضرورة تخدم برامجها التنموية وتنوع مصادر الطاقة لديها في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

السيد الرئيس ،،،
هناك مسائل إقليمية هامة أخرى تشغل بالنا جميعاً، في مقدمتها الأوضاع في العراق الشقيق، الذي لابد من التأكيد على سيادته ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وإدانة كافة الأعمال الإرهابية التي ترتكب في حقه، بهدف زعزعة أمنه واستقراره وتأجيج الطائفية البغيضة فيه. ومن أجل تعزيز بناء الثقة في علاقات دول مجلس التعاون بإيران، فقد أصبح ضرورياً حل قضية الجزر المحتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة وذلك من خلال المفاوضات المباشرة أو إحالتها إلى محكمة العدل الدولية. كما نؤكد الحاجة إلى إيجاد جهد إقليمي و دولي مشترك لمساعدة اليمن الشقيق وبإشراف من الأمم المتحدة فيما يتعلق باللاجئين الذين يثقلون كاهله يوماً بعد يوم، ليتفرغ إلى التنميـة وفي ظل استتباب الأمن و الاستقرار. أما في السودان الشقيق فينبغي الحفاظ على أمنــه و استقـراره و وحدته، ونتطلع إلى تعاون جميع الأطراف لتسوية النزاع في دارفور تحقيقا للسلام المنشود. ونناشد المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولياته تجاه الوضع في الصومال، الذي أدت مشاكله الداخلية وضعف حكومته المركزية إلى انتشار القرصنة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، مما يعرض التجارة والملاحة الدولية إلى مزيد من الأخطار. كما تعيد مملكة البحرين موقفها الثابت بسيادة المملكة المغربية الشقيقة على كامل ترابها الوطني، داعية المجتمع الدولي إلى مواكبة مسار التفاوض الجاري حاليا بين الأطراف الذي أطلقه مجلس الأمن ، وذلك من أجل المحافظة عليه وتفعيله.

السيد الرئيس ،،،
ولما كان السلام و التنمية، هما هاجس هذا العالم، فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بخيبة الأمل و هو يرى تدهور البيئة وتفشي الأوبئة والأمراض وأخطار التصحر و الفقر و ندرة المياه و تآكل طبقة الأوزون وتغير المناخ و الأزمة المالية العالمية. جميعها تحديات تهدد حاضرنــا و مستقبل الأجيال القادمة. ولا نبالغ إن قلنا أن مصائرنا في القرن الحادي والعشرين مرتبطة بعضها بالبعض. وعليه فلابد من تكثيف جهودنا لمواجهة هذه الأخطار العالمية التي أضحت تهدد الإنسان كل يوم في صحته وغذائه وأمنه.
وفي هذا الإطار، قامت مملكة البحرين في مايو الماضي و بالتعاون مع الأمم المتحـدة و بحضور معالي الأمين العام للأمم المتحدة، بتدشين تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من أخطار الكوارث لعام 2009م لحماية الأرواح و الممتلكات من ظاهرة الكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري و الزلازل و الفيضانات و ارتفاع مستوى منسوب مياه البحر. ونأمل في أن تلعب الدول الصناعية الكبرى دوراً رئيسياً من أجل إبرام الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، في مؤتمر الأمم المتحدة الذي سيعقد بكوبنهاغن في ديسمبر القادم، للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة لحماية كوكبنا ، والتمكن من حشد الإرادة السياسية اللازمة لمواجهة التهديد العالمي المتزايد الخطورة للبشرية وجعل عالمنا أكثر أمناً واستدامة.
وفي هذا السياق ، تود مملكة البحرين كونها إحدى الدول الجزرية الصغيرة النامية، الإعراب عن قلقها البالغ إزاء العلاقة بين تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحار، الأمر الذي يشكل خطراً محدقاً بعالمنا. و نشاطر بقية أعضاء مجموعة الدول الجزرية الصغيرة النامية موقفها فيما يتعلق بالأضرار التي ستلحق بها من جراء ارتفاع معدل درجة الحرارة الذي يمكننا التعايش معه .

السيد الرئيس ،،،
وأختتم بالقول ... إن الأجواء الجادة التي اتسمت بها دورتنا، والمناقشة المسؤولة التي دارت منذ انطلاقة قمة تغير المناخ وقمة مجلس الأمن مع بدء أعمالنا في الأسبوع الماضي، تؤكد من جديد العودة إلى روح الميثاق باعتبار الأمم المتحدة المنظومة الأساسية للتعاون الدولي المتعدد الأطراف لمعالجة قضايا العصر المتنوعة . فلم تعد الأمم المتحدة مجرد الأداة الدولية المسؤولة عن صيانة السلم والأمن الدوليين فحسب ، بل أصبحت أيضا الجهة الرئيسية التي أنيطت بها مسؤولية تنسيق المواقف وتضافر الجهود لدرء الأخطار المحدقة بالإنسان والبيئـة و الحد من الفقر والتصدي للأمراض وإنهاء النزاعات والحروب ، عن طريق الحوار والتفاوض والتسوية وغيرها من الوسائل السلمية، في عالم مبنى على التسامح والتعايش الإنساني لسلامة وأمن الأجيال الحالية والمقبلة.


وشــكراً السيد الرئيس،،،
 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:52 م

      كل هذا حجي ماله لزووم

      كل هذا الكلااام الي قاله لا يقدم ولا ياخرومثل مايقول اهل الشام كله علاك مصدي

اقرأ ايضاً