استخدم أهالي البرهامة كل السبل من أجل التخلص من الكارثة البيئية التي يعيشونها والتي تتمثل في تحويل المنطقة برمتها إلى موقع استراتيجي لتربية المواشي وكأن الفرق بين إنسان هذه القرية والماشية التي ترعى بجواره ليس كبيرا.
والحظائر والزرائب التي تطوق القرية الصغيرة لم تكن وحدها تتصارع مع الأهالي بل كان لمستودعات البصل والروائح النتنة التي تهب منها مع نسيم كل صباح يتجدد على أهالي البرهامة أثر أيضا في خلق الإحساس بالدونية في نفوس البرهاميين كلهم.
وبعد استخدام سبل عديدة للتخلص من هذا الوضع السيئ صحيا واجتماعيا وحضاريا، تتفاقم هذه المشكلة بدلا من حلها ليجد الأهالي الجرافات ومعدات البناء تغزو القرية لبناء مستودع آخر من أكبر مستودعات المملكة ليكون ملاصقا لمنازل الأهالي وكأنهم يسكنون في أقصى الأرض أو أدناها إذ ليس من جهة رسمية تحاول على الأقل في رفع المعاناة التي لا يفتح الرضيع البرهامي عينيه إلا عليها.
المستودع الذي هو طور الإنشاء لا يبعد عن منازل الأهالي إلا خطوات لا تعدو العشر فقط والخوف كل الخوف الذي يستحوذ شعور الأهالي أن يتعرض هذا المستودع إلى حادث حريق يوما من الأيام ويتسبب ذلك في كارثة لا يحمد عقباها أبدا.
كما أن وجوده في القرية يستدعي دخول شاحنات كبيرة الأمر الذي يعرض حياة أطفال هذه القرية إلى مخاطر بشكل دوري.
الأمر الذي يزيد الحيرة في كل ما يتعلق بالبرهامة هو التجاوزات التي لا تقاوم فعلى رغم وجود مذكرتين صادرتين من بلدية المنامة تشير إلى ضرورة التوقف عن العمل في المشروع وكان ذلك بتاريخ 31 مايو/أيار الماضي وأيضا مذكرة أخرى في 24 يونيو/حزيران الماضي إلا النفوذ الذي يتمتع به على ما يبدو صاحب الأرض أو المشروع أقوى من أن تقف أمامها هذه الإنذارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع على حد قول أحد رجال القرية الذين التقيناهم بخصوص هذا الموضوع.
وجاءت مذكرة البلدية الأخيرة تحمل هذا الوعيد أعدنا الكتابة لكم للمرة الأخيرة بشأن ضرورة التوقف عن العمل في الموقع حتى إشعار آخر، علما بأن إدارة التخطيط الطبيعي بصدد دراسة تصنيف المنطقة وأن البلدية تخلي مسئولية نتيجة عدم امتثالكم لقرار الوقف عن العمل بهذا الشأن.
وعلى رغم هذا الوعيد فإن الجرافات لم تتوقف عن العمل وكأن شيئا لم يحدث الأمر الذي جعل الأهالي يعتبرون ذلك ليس تحديا لهم فحسب وإنما هو تحد صارخ للقانون والنظم التي تؤسس النظام العام.
ورفع الأهالي عريضتين احداهما إلى وزير البلديات والزراعة محمد علي منصور الستري والأخرى إلى رئيس المجلس البلدي في محافظة العاصمة مرتضى بدر طالبوا فيهما بإيجاد حل ملموس لمشكلاتهم التي تتفاقم يوما بعد يوم.
وأكد الأهالي في العريضتين ضرورة التدخل العاجل لإيقاف هذا المشروع الكارثي، والسعي لإيجاد مخرج وحل لمشكلة الزرائب.
وبين هذه المساعي التي يبذلها الأهالي وتلك التجاوزات بريق أمل منتظر على رغم سنين طويلة من التجاوزات يحلمون برؤيته في أزقة قريتهم التي تشاركهم فيها الأغنام، ونسيم صباحهم الذي تستحوذ عليه رائحة البصل المنبعثة من المستودعات
العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ