علي بن إبراهيم الدرورة باحث أنثربولوجي بالهواية لا التخصص، إذ مارس الكتابة والبحث منذ أكثر من ربع قرن حتى الآن، وهو مهتم بجمع تراث منطقة الساحل الشرقي من المملكة ودول الخليج العربي وله بعض المؤلفات عن بعض مناطق المملكة أيضا كالمدينة المنورة...
صدر لك كتاب حول البرتغاليين ومنطقة الخليج... هل لك أن تقدم لنا عرضا موجزا عمّا يحتويه هذا الكتاب؟
- هذا الكتاب هو: (تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف) يغطي الفترة 1521 - 1572م وخلال هذه الفترة شهدت القطيف خمس فترات احتلال متقطعة، وكعادة البرتغاليين في أي مكان يقومون بغزوه يريقون الدماء ويهدمون القلاع ويحتلون الموانيء ويسيطرون على التجارة وهي أهم ما كانوا يطمعون فيه، ويقع الكتاب في ستة أبواب ويحتوي على 350 صفحة وقد صدر عن المجمع الثقافي في أبوظبي، وقدم للكتاب بعد مقدمتي الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي وهو عالم لغوي معروف، والكتاب مزود بالخرائط البرتغالية والفرنسية والهولندية والإنجليزية والألمانية ورسمت بين العامين 1563 - 1818م، وقد قدمت تعريفا بالقطيف ومدنها وموانئها وحكامها وكل ما له صلة من تاريخها الإسلامي حتى مجيء البرتغاليين، ومن ثم شرحت الحوادث واحدا بعد آخر وكل ما فعله البرتغاليون فيها منذ غزوهم حتى جلائهم.
هناك شبه غياب في البحث عن الفترة البرتغالية في منطقة الخليج، ألا ترى أن الدراسات العربية لاسيما الأكاديمية منها أهملت هذا الجانب أو لم تعط حقّه من البحث والدراسة؟
- قد يكون الأكاديميون أنفسهم لا يرغبون في طرح البحث عن ذلك العصر وإذا تناوله أحد ما فمن باب آخر وربما - وهذا ما أجزم به - إن عامل اللغة هو الأساس، فطلاب الجامعات يدرسون الإنجليزية أو الفرنسية لذلك تجد أن المراجع لبحوثهم بإحدى هاتين اللغتين أو بكلتيهما وخذ أي بحث أكاديمي فستكتشف ذلك من خلال المراجع، إن اللغة البرتغالية غير مدروسة أو متداولة وبالتالي الكتب والوثائق البرتغالية غير متوافرة ولهذا يحجم حاملو الماجستير والدكتوراه عن البحث في العصر البرتغالي وإذا عدت إلى كتابي الآنف الذكر فستلاحظ أنني عدت إلى المراجع البرتغالية (تجد ذلك في المراجع) فأنا لم اعتمد على العربية والإنجليزية والفرنسية فقط بل البرتغالية والفارسية والروسية، فقد أوجدنا المراجع قدر الإمكان بحثا عن كل شاردة وواردة قد تفيد القارئ والباحث المتخصص.
ما هي دوافع الغزو البرتغالي للقطيف بحسب دراستكم؟
- السيطرة التامة على تجارة المسلمين في جميع إمارات ومشيخات الخليج وبالتالي إذلالهم والتحكم في سياساتهم الداخلية والخارجية إضافة إلى تنصيرهم.
وماذا عن الرد القطيفي على هذا الغزو؟
- قاموا بكل بسالة في الذود عن حياض وطنهم فمنهم من قتل ومنهم من صار معوقا ومنهم من هدمت داره ومنهم من أغرقت سفينته، ومع هذا أعطى القطيفيون أروع آيات البسالة في مقاومة الغزو في معظم فتراته كما حدث سنة 1521، إذ كانوا يخططون له في سنة 1513م، وهناك خطابان بهذا الخصوص مؤرخان في 20/10/1514م و22/9/1515م كتبهما الملك البرتغالي عمانويل الأول الذي توفي سنة 1520م.
وماذا خلفت هذه المواجهات على الصعيد الجغرافي من دمار وخراب؟
- هدمت البيوت بواسطة قذائف المدفعية الموجودة في 20 سفينة كبيرة، وأحرق 150 مركبا كانت كل ما كان موجودا في ميناء القطيف وهي مراكب منوعة من سفن شحن بضائع وسفن غوص وسفن صيد الأسماك ومراكب النزهة وكذلك مراكب الحراسة، وهي الأنواع الخمسة التي تتوافر عادة في كل ميناء، وقد حدث ذلك سنة 1529م.
بعد الدمار الذي أحدثه الغزو ماذا فعل القطيفيون؟
- بعد مقاومات مستميتة بدأت العام 1521 حتى العام 1534م، ذهب وفد من أبناء القطيف إلى السلطان العثماني سليمان القانوني في بغداد إذ كان في زيارة إلى هناك وكان بمعيتهم شيوخ قبائل عربية كثيرة من البحرين والبصرة والأهواز، وبعد اتفاقهم المدروس واكتمال اجتماعهم في البصرة في ديسمبر كانون الأول سنة 1534م ذهبوا سويا لاطلاعه على الأمر وطلب المساعدة في صد عدوان الفرنجة.
وماذا عن بقية الحوادث؟
- تعرضت القطيف للقصف المدفعي المتواصل لمدة أربعة أيام سنة 1545م وكان في القطيف أكثر من 4000 مقاتل بينما كان الجيش البرتغالي 7200 جندي وقد اعترف البرتغاليون بأن 32 منهم قتلوا بالبنادق منهم برتغاليان و30 عنصرا من المرتزقة. ثم أن البرتغاليين هجموا على القلعة بواسطة تسلقهم الأسوار عن طريق السلالم، أما القطيفيون فقد مات منهم الكثير. وهذا هو سبيل الأشراف في الذود عن وطنهم وشرفهم، والكتاب يعرض كثيرا من الحوادث والمعارك التي قام بها البرتغاليون من سنة 1521 - 1572م.
ماذا حدث بعد اندحار الغزو البرتغالي من القطيف والخليج عموما؟
- تنفس الصعداء وعاد الأمن إلى مياه الخليج وانتشت التجارة وعادت القوة الاقتصادية إلى ما كانت عليه قبل الغزو، ولكن الأمور بدت تضطرب والقلاقل تذب إذ بدأ الإنجليز والهولنديون من جانب آخر ولكنه كان أقل خطرا من الوضع البرتغالي.
ما هو الصعوبات التي واجهتكم في إنجاز بحثكم عن الاحتلال البرتغالي للقطيف؟
- واجهتني صعوبتان الأولى: هي الترجمة البرتغالية والعثمانية (التركية)، والثانية: هي مرور المؤرخين على حوادث القطيف مرور الكرام أقصد عدم الاهتمام وتحليل المعارك. ولكن بفضل الله استطعت أن أجمع الحوادث وأحللها تحليلا تاريخيا وأن ألمّ بكل شاردة وواردة من هنا وهناك عند معظم من كتب عن تاريخ الخليج خصوصا ما هو متعلق بالعصر البرتغالي وبعد ثلاث سنوات من الجهد المتواصل توصلت بفضل من الله إلى النتائج المرجوة.
بعد أن طبع الكتاب هل ترى أن هناك جوانب معينة لم تدون من تاريخ القطيف عن الغزو البرتغالي؟
- لا شك أن هناك نقصا وقد أشرت له في المقدمة ولدي الآن مصورات لبحوث كتبت قبل 500 سنة وأيضا بعض الوثائق تعود للفترة نفسها والعمل جار على الترجمة البرتغالية والتركية، وأتمنى أن أتوصل لبعض الجوانب المفقودة في قابل الأيام.
تدلنا عناوين كتبك إلى اهتمامات متنوعة وإن كان يربط بينها البحث في البيئة وارتباط الثقافة بها، ما المنظور الذي يجمع عمليا كل هذه الاهتمامات الأدبية والتاريخية والأنثروبولوجية؟.
- إن أول نظرة تنطبع عند القارئ أنني مؤرخ بحري، فغالبية أغلفة كتبي ذات صور ملاحية وان اختلفت العناوين، ولكن نصوص الكتب تبحث عن الملاحة في نهاية المطاف، بمعنى إذا كان الكتاب في الأدب فهو أدب لا علاقة بالملاحة، وإذا كان في التاريخ فالملاحة تأخذ فيه حيزا كبيرا، وقس على هذا بقية الكتب، فالموال، والنهمة، والمراكب، والأشرعة، واللؤلؤ، والأمثال وأمور كثيرة كلها ذات مدلولات بحرية وقد تسأل لماذا كل دراساتك تتعلق بالأدب البحري أو التراث البحري أو الصناعات البحرية أو التاريخ البحري والجواب أنني ابن البحر وانحدر من سلالة أناس مارسوا العمل الملاحي لأكثر من أربعة قرون فانعكست البيئة البحرية على دراساتي إلى جانب انني مارست العمل البحري في صباي، ولهذا جاءت دراساتي وفاء لأسلافي فعملت على لم شتات ودراسة كل موروثهم البحري الذي هو جزء من تاريخ المدن الساحلية في الخليج.
ما الجديد الذي تقوم بالبحث عنه الآن في نطاق الحقبة البرتغالية؟
- أوشكت على الانتهاء من دراسة تاريخية بعنوان: (التجارة والملاحة والاقتصاد في العصر البرتغالي 1521 - 1698م) وهذه الدراسة تتحدث عن ثلاثة محاور... وهي التي قام عليها الاقتصاد، إذ كانت التجرة عبر الملاحة البحرية من أهم الركائز، والكتاب فيه خمسة أبواب، الباب الأول: الغزو للجنوب العربي والخليج وما تمخض عنه من حوادث، ثم التجارة والملاحة والاقتصاد وأخيرا الجلاء من الخليج والجنوب العربي على يد اليعاربة العمانيين والذي على أعقابه نمت الامبراطورية العمانية، وأحب أن أشير إلى أن هذا الكتاب تضمن وثائق تنشر لأول مرة ويشرف عليه مجموعة من الأكاديميين في الخليج لتقويم مسار البحث ليخرج بصورة أشمل وأفضل أو بأسلوب علمي رصين.
ما اقتراحاتكم لتنشيط الدراسات الخاصة بالعصر البرتغالي وتواجده في المنطقة وقتئذ؟
- هذا سؤال مهم جدا، وأعتقد أن هناك عدة أمور يمكن من خلالها النهوض بالدراسات البرتغالية على غرار الدراسات العثمانية وانه بإمكان إحدى الجامعات في الخليج أن تتبنى قسما لمثل هذه الدراسات وأيضا يمكن لإحدى الدور العلمية تبني مجلة خاصة بذلك أيضا، ومن ناحية المجلة فقد اقترحت ذلك كثيرا من خلال المؤتمرات التاريخية التي شاركت فيها على رغم إعجابهم بالفكرة إلا أنني لم أجد صدى لذلك، وهناك أمر آخر وهو تهيئة الظروف العلمية للجامعيين بإعداد دراسات وبحوث تخرجهم عن العصر البرتغالي، والمساعدة في تبني نشرها ليستفيد منها جميع الدارسين عن العصر البرتغالي/ العثماني/ الصفوي.
برأيك ما مدى نجاح إصدار هذه المجلة التي تقترح إصدارها والخاصة بالبحوث والدراسات عن الحقبة البرتغالية في المنطقة؟
- لأنها تفيدنا الآن وفي المستقبل، وسيستفيد منها طلاب التخصصات التاريخية والمؤرخون بشكل عام، أما من ناحية النجاح فإذا لم تحقق ذلك فيكفي فخرا أنها صدرت كمحاولة جادة لتسليط الاضواء على فترة تاريخية مازلنا نجهل كثيرا من معالمها، ثم إننا لا نراهن على مجلة اجتماعية لأنها من الكثرة بمكان
العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ