العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ

في قرية «أبو قوة» بيوت متهالكة وشوارع رصفت قبل 17 عاما

للفقر والعوز شواهد حية.... والأهالي يحدّقون في المستقبل

بين السهلة شمالا، والحدود المتاخمة لقرى الحزام الأخضر... تتوسط هذا الحيز الجغرافي المترابط، قرية صغيرة لا يتجاوز سكانها بضع مئات، إنها «أبو قوة». في هذه القرية تمتزج الطبيعة مع ألق العراقة والأصالة، لتضفي على القرية رونقا جذابا... و هنا يمتزج سحر الجمال مع طيبة الأهل ورحابة صدورهم، لتشكل ديباجة رائعة ومتجانسة، قد تكون صعبة التحقيق في أي مكان آخر... ولكن على رغم جمال هذه القرية وسكونها الوادع، فإن ذلك لم يشفع لها على ما يبدو، إذ تغرق هذه القرية - ومنذ أمد بعيد - في مستنقع عميق من المشكلات، التي تتجاوز بكثير حجم رقعتها الجغرافية الصغيرة!

بيوت آيلة إلى السقوط فوق رؤوس ساكنيها في أية لحظة، وعائلات معدومة تقطن في بيوت خربة ومتهالكة، حتى أن أهلها الذين التقتهم «الوسط» راحوا يكررون أنها اقرب للعيش غير الآدمي منها للسكن الإنساني، عاطلون قد أثقلت كواهلهم الديون حينا، ومستلزمات الحياة الصعبة حينا آخر... نساء وشباب يفترشون طرقات القرية، وأزقتها الضيقة ليل نهار، بحثا عن لقمة عيش كريمة لا تكاد تسد رمق الجوع، وكأن لسان حال هذه القرية يفصح عن أنها محرومة من كل شيء، إلا ما رحم ربي.

لسنا في صدد التفنن في مدخل تراجيدي لفيلم بحريني جديد...إنه واقع الحال في قرية صغيرة تكاد القرى الأخرى في البحرين لا تسجل عنها فارقا شاسعا.

تجولت «الوسط» في طرقات القرية غير المرصوفة غالبا، وتنقلنا بين الحظائر الحيوانية أو «الزرايب» بحسب لهجة أهل القرية الذين راحوا يكررون انهم ضاقوا ذرعا منها ومن الروائح المزعجة صباحا، والحشرات الضارة ليلا، والتي يقطن أصحابها في أماكن نائية عنها، قد تكون خارج القرية أحيانا كثيرة.

هذا فضلا عن ركامات القمامة المتجمعة حولها والتي أضحت للكثيرين من أهل القرية أمرا لا يطاق، بينما تغطي مخلفات البناء المستهلكة أروقة المكان، ما دفع الأهالي الغاضبون إلى رفع شكواهم إلى المسئولين، ولكن ما من مجيب.

علي شاب لا يتجاوز عمره العشرين ربيعا، يسرد لنا بحرقة شديدة حال عائلته المكونة من 12 فردا، والتي تقطن منزلا قديما يعيش فيه أبناء ثلاثة عاطلون مع أختهم في غرفة لا تتجاوز مساحتها عدة أمتار، بينما لم يجد رب الأسرة من سبيل سوى المجلس لينام فيه لكن هذه الحال ليست حكرا على هذا المنزل، بل الأمر ينسحب أيضا على عائلة عبد اللطيف المجاورة، التي يعيش أفرادها العشرة في ثلاث غرف محدودة المساحة، بينما يقضي الأبناء الستة جل أوقاتهم في دهاليز أروقة إحدى الغرف الصغيرة .

يحكي لنا احمد وهو اصغر الأبناء حال أسرته ليقول: يعمل الوالد في وظيفة متواضعة في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، ويحصل على راتب لا يكاد يغطي تكاليف الحياة الباهظة، علما بأن المنزل تعود ملكيته إلى خمسة إخوان، يعيش أحدهم في المنزل ذاته.

أما في منزل عائلة علي إبراهيم الملاصقة لهذه الدار فكانت هناك رواية أخرى، إذ يلاحق الفقر هذه العائلة المكونة من أحد عشر فردا. وروت لنا إحدى السيدات المقيمة في المنزل والتي فقدت والدها منذ زمن بعيد، لتلحق به والدتها المسنة مؤخرا، أن موازنة أسرتها المحدودة لا تسمح حتى بشراء ثلاجة للأسرة طيلة السنوات الثلاث الماضية، وبالتأكيد فإن ما أخفته هذه السيدة عن مسامعنا هو اعظم من ذلك بكثير.

وعلى بعد خطوات معدودة صادفنا أحد الأشخاص الذي سمع للتو نبأ وجود «الوسط» في القرية، وراح يصف لنا قصته المريرة مع وزارة الإسكان التي أقرضته عشرة آلاف دينار، وعندما أدرك عدم جدوى هذا المبلغ في بناء بيت يجمع شتات الأسرة، قام باستبداله بطلب وحدة سكنية ولكن طلبه رفض بحجة أن طلبه مازال جديدا.

ويستطرد مهدي قائلا لانزال نعيش أنا وزوجتي وأبنائي الثمانية في غرفتين قديمتين.

منزل عائلة الحاج عباس فتيل، الذي بلغ من العمر عتيا، فأضحى غير قادر على العمل، ويعيش هو وأفراد عائلته الـ 12 على المساعدات التي تقدمها وزارة العمل، أو على ما تجود به أيدي أبنائه العاملين، الذين تقدموا بطلب وحدات سكنية منذ العام 1991م ولم يحصلوا على شيء حتى الآن .

وبالقرب من مسكن الحاج عباس يوجد منزل آخر يعيش المعانات ذاتها، إنه منزل عائلة سيدحبيب، الذي يقطنه ما يربو على 22 فردا، والذين يعيشون جميعا في ست غرف صغيرة، إذ يعمل الوالد في قسم النظافة لصالح إحدى شركات الخصخصة، والراتب 150 دينارا فقط.

بالحديث إلى سيدهاشم الذي آثر العيش هو و أخواته مع إحدى أقاربه، بينما يعيش إخوانه الأكبر سنا في منزل قريب إلى جوار والدتهم قال إن المساعدات التي تقدمها وزارة العمل غير كافية على الإطلاق بسبب شح الموارد المالية للأسرة من جانب، وارتفاع مستلزمات الحياة الصعبة من جانب آخر.

يغرق البيت بالكامل في أوان المطر، ناشدنا المجلس البلدي، لكن رد فعل المجلس كان مخيبا للآمال، ولم يكن سوى حبر على ورق.

واصلنا السير باتجاه منزل عائلة حبيب مرهون، لنكتب فصلا جديدا من فصول معانات الأسرة البحرينية، التي تضم بين جوانحها 14فردا ينتمون إلى شرائح عمرية عدة، أكبرهم سنا هو أحمد الذي ترك دراسته في وقت مبكرة، عندما كان في مرحلته الابتدائية، ليعاون والده على تحمل أعباء الأسرة، وأخذنا أحمد الذي يبلغ من العمر الآن ثلاثة وعشرين عاما في جولة سريعة في مرافق منزله القديم، الذي يتكون من 4 غرف صغيرة، إلى جوار مطبخ صغير لا يكاد يتسع للام نفسها.

يقول أحمد إن نصف أفراد الأسرة يعيشون في غرفة واحدة، مردفا أن العائلة تملك أرضا صغيرة ورثها والده عن جده و تقع إلى جوار المنزل، إلا أن الأسرة لم تحصل على رخصة البناء المطلوبة من الجهات المختصة حتى هذه اللحظة على رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على طلبها، لكن أحمد بدا متفائلا بقدرة الجهات المعنية على وضع حد لهذه المشكلة سريعا.

قدم إلينا شيخ طاعن في السن، قد تجاوز الثمانين من عمره.... انه سيدهاشم الذي يعيش اليوم وحيدا مع حفيده، وذلك بعدما توفيت زوجته... بيته مكون من غرفة متهالكة وأخرى مهجورة، يعولهم ابنه الأكبر الذي يتحمل هو الآخر أعباء أسرته الكبيرة، ويقضي هذا المسن غالبية أوقاته في إحدى الفرشات القريبة من منزله، والتي يلجأ إليها المسنون من أبناء القرية، في محاولة يائسة للترويح عن النفس من هموم هذه الحياة القاسية.

محمد شاب هادئ يبلغ من العمر سبعة عشر ربيعا، وهو طالب لايزال يدرس في مرحلته الثانوية، وقد غاب عن أداء امتحانين منها بسبب وفاة أخيه، التي تزامنت مع فترة الامتحانات النهائية. كان يتحدث ببطء شديد ، ويصمت أحيانا كثيرة ، وعلى رغم كل هذه التحديات التي تواجه محمد، فإن الابتسامة لم تفارق محياه، ويبدو محمد اليوم أكثر إصرارا من ذي قبل على مواصلة دراسته، لعله يفلح في تضميد جروح عائلته التي أعيتها مآسي الموت المباغت سنين طوالا.

في الختام كان في منزل إحدى العائلات التي رفضت البوح بهويتها، تنفق فيها عجوز طاعنة في السن على أحفادها الأربعة وهي تكاد لا تقوى على الحراك. أخذت الجدة التي كانت الدموع المنسكبة من عينيها أسرع بكثير من إيقاع كلماتها المؤثرة تندب حال أسرتها الكئيبة، أما جارتها فرفضت الحديث إلينا؛ لأنها ربما كانت تعتقد في قرارة نفسها أن الصمت ابلغ من الكلام!

التقينا جعفر حسن وهو شاب ناشط في الصندوق الخيري التابع للقرية، والذي أكد أن نسبة المعوزين في القرية تتراوح بين 20 و 30 في المئة وأن غالبية المساعدات عينية يتم توزيعها بصفة دورية كل ثلاثة اشهر وتشمل المواد الغذائية بالدرجة الأولى. هذا فضلا عن مساعدات مالية غير دورية يتم توزيعها في أيام المناسبات فقط.

جعفر اقر في نهاية الحديث بأن المساعدات غير كافية، وذلك لسببين رئيسين أولهما: قلة الواردات، والآخر: يرجع إلى الارتفاع السريع في أعداد العائلات الفقيرة في القرية، مطالبا المسئولين ومحبي الخير إلى المبادرة بتقديم يد المساعدة، لكي يسهم الصندوق الخيري بدوره المنوط به على الوجه الأفضل.

عضو المجلس البلدي المنتخب عن القرية سيدهاشم سيدكاظم عدّد بدوره قائمة المشكلات التي تعصف بقريته بدءا من العريضة الإسكانية، التي رفعها باسم أهالي القرية إلى الجهات المختصة في المجلس البلدي، لترفع إلى المعنيين في وزارة الإسكان، مرورا بالحظائر الحيوانية التي لا تعطي انطباعا حضاريا عن القرية، وضعف منسوب المياه والشوارع غير المعبدة التي عرفنا لاحقا أن موعد آخر صيانة أجريت لها كانت قبل نحو سبعة عشر عاما من الآن.

هذا فضلا عما يقوم به الآسيويون العزاب من تحرشات بالأهالي، الأمر الذي أصبح مدعاة قلق للأهالي على سلامة أبنائهم. أما عن احتياجات القرية فهي كثيرة، فهي تفتقر إلى محطة للنقل العام، إضافة إلى ضعف مستوى الإنارة بشكل عام. إن القرية بحاجة ماسة إلى مخرج إلى الشارع العام، ليخفف قليلا من الضغط والازدحام المروري المستمر عند مدخل القرية الوحيد، ولكي يحد من مسلسل الحوادث المرورية المروعة التي حصدت أرواح الكثير من أبناء القرية.

وختم سيدهاشم حديثه بالقول إن أهالي القرية بحاجة إلى رصيف مشاة للطلبة عند ذهابهم إلى مدارسهم في السهلة المجاورة ورجوعهم إلى منازلهم لتفادي وقوع المزيد من الحوادث المرورية الناتجة عن ذلك. مطالبا كل المعنيين بالتجاوب السريع مع مطالب القرية.

حملت «الوسط» الحصيلة التي خرجت بها من قرية أبوقوة إلى رئيس المجلس البلدي في المحافظة الشمالية سيدمجيد سيدعلي، الذي فتح قلبه قبل باب مكتبه لتقبل مشكلات الأهالي فقال مجيد إن هذه المسائل جميعها تمت إثارتها في أروقة المجلس البلدي كثيرا، وتمت مناقشتها بشكل مستفيض في اجتماعات لجنة الإسكان والإعمار برئاسة ولي العهد، باعتبارها مشكلة وطنية لا تقتصر على هذه القرية وحدها، وإنما يتسع إطارها لتشمل كل قرى المحافظة الشمالية من دون استثناء.

لكنه قال إنها مشكلة اقتصادية بحتة، إذ إن المسكن الكريم لكل مواطن يجب أن يكون دائما على رأس الأولويات الحكومية في المرحلة المقبلة، ويجب علينا الضغط بهذا الاتجاه(....) أما عن عدم وجود محطة للنقل العام في القرية فقد طرحنا الأمر باستمرار على المسئولين، وبحثنا ذلك خلال اللقاء الأخير مع وكيل وزارة المواصلات.

إن هذا الأمر متعلق بالشركة المسئولة عن قطاع المواصلات، هناك ثمة حل قريب، يتعلق بما يسمى بالحافلات الصغيرة الدائرية التي تعمل في نطاق المحافظة الواحدة ولايزال خيارا مقبولا.

وفي تعليقه على قضية الحظائر التي أثارها الأهالي قال: هناك اكثر من تصور قيد الدراسة، لكن هذا الموضوع لم يحسم بعد. أما البيوت غير المأهولة والآيلة إلى السقوط، فتحتاج إلى طرف مباشر يتم التعامل معه من جانب صاحب المنزل، لكي يتسنى للبلدية التعامل بحسم مع هذا الموضوع في الفترة الزمنية المناسبة، لكنه أوضح أن هذا العنصر مفقودا في غالبية الحالات المطروحة.

أما عن طلب الأهالي بترصيف الشوارع فقال: إن هناك مسحا شاملا للشوارع في المحافظة الشمالية كافة، مبديا مساندته لهذا المطلب.

بيوت آيلة إلى السقوط، ومشاهد فقر وعوز لا تتواءم مطلقا مع تقرير التنمية البشرية الذي وضع البحرين في مصاف الدول المتقدمة في التنمية البشرية. أحلام عريضة تحدق في مستقبل مجهول قد لا يحمل الخلاص، وأحلام كثيرة مبعثرة عكست واقع الحال في كل قرى البحرين لا أبوقوة وحدها. والسؤال القائم يقول: إلى متى ستظل مشكلات قرى البحرين عصية على الحل؟

العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً