هاتفني قبل أيام قليلة أحد طلبة الثانوية العامة الذين تخرجوا حديثا ولم يحالفهم الحظ في الحصول على بعثة من وزارة التربية والتعليم لانخفاض معدل التخرج، وقال لي بصوت واثق مليء بالحيوية: «أنتظر نتيجة القبول في جامعة البحرين، وتوجد لنا جنة من الجامعات الخاصة في البحرين... وفي أبعد الاحتمالات، إذا لم أقبل في الجامعة الوطنية، سألتحق مع برامج إحداها...».
استوقفت الشخص الذي هاتفني وقلت له: «هل بإمكانك دفع آلاف الدنانير لشراء مستقبلك، وأنت للتو متخرج، والالتحاق بجامعة خاصة؟ من سيوفر لك هذا المبلغ الضخم؟». سكت، ثم قال: «لو أملك... لدفعت! من يبخل على نفسه؟!».
وبعد افتتاح عدد من الجامعات الأهلية والمعاهد التدريبية في البحرين، والسماح للتعليم الجامعي الخاص ببدء برامجه الأكاديمي الذي يقوم بتأسيس مؤسسة علمية تمارس عملا علميا - تجاريا ربحيا، تتشكل قاعدة جديدة للدراسة الجامعية في البلاد، وأرضية للانطلاق في تحسين مخرجات التعليم، آمل ذلك، ويأمل جميع محبي الخير للبحرين.
هذه الجامعات، تقدم مجموعة من البرامج الأكاديمية والتقنية الحديثة في علوم الحاسوب وعلوم الإدارة والتكنولوجيا، وبعضها يركز على الجانب العملي، ويعطي الاعتبار لتخريج طلبة متدربين تستطيع سوق العمل - مستقبلا - استيعابهم. وبعضها الآخر مرتبط بعقود تعليمية مع جامعات عالمية معروفة في أوروبا وأميركا لاحكام وضبط مستوى التعليم والشهادات.
كل هذه الحسنات، قد لا تدع المرء يشكك في ايجابية الاتجاه الحالي للتعليم الجامعي، بعد تسخير الدولة وتوفير الأرضية المناسبة لهذه المشروعات، ولكن السؤال الأكبر: من يستطيع من طلبة الثانوية العامة المتخرجين والطلبة الذين يودون مواصلة تعليمهم الجامعي والموظفين، الالتحاق في برامج هذه الجامعات؟
إذا علمنا أن الرسوم السنوية التي يتوجب على الطالب دفعها مرهقة ومكلفة، ولن يتمكن المواطن الذي يتراوح راتبه بين 400 و500 دينار من إلحاق ابنه أو ابنته في جامعة خاصة، إذ تكلف الدراسة لدرجة البكالوريوس ما يتراوح بين 1000 إلى 4000 دينار سنويا، فمن الذي سيدفع الرسوم الدراسية إلى الطلبة؟ هل نجر المواطنين إلى القروض وإضافة هموم أخرى إلى همومهم؟ وقبل ذلك، من أين لهم أن يستقرضوا؟!
ويخبرني أحد الأكاديميين الذي يفوق راتبه الـ 1000 دينار بأنه يستبعد «إلحاق ابنه في إحدى الجامعات الأهلية لعدم قدرته على استيفاء هذا المبلغ. يقول لي: «كم عدد المواطنين البحرينيين القادرين على دفع هذا المبلغ الباهظ؟ فُتح التعليم الجامعي، ولم تُفتح أبواب الدفع للمواطنين العاديين». ويدلل ذلك على صعوبة الالتحاق في هذه الجامعات لكلفة الدراسة.
وإذا علمنا أن عددا قليلا من المواطنين يلتحق في الجامعات الأهلية لا يتجاوز بضع مئات قليلة، فذلك يفتح البصيرة على الفئة المستهدفة التي تقصدها هذه الجامعات؟ هل هي جامعات النخبة؟ أم هناك جامعات للأغنياء وجامعات للفقراء؟
لسنا ضد التطور والتحضر. ولسنا ضد أن تقام هذه الجامعات على أرض جزيرة البحرين، ففي ذلك خير سيعم، إن شاء الله بمرور الوقت، ولا نشكك في سلامة نية القائمين عليها أو نية الحكومة للترخيص للمؤسسات التعليمية الخاصة... ولكننا نقول بصوت منخفض: من سيلتحق بها؟ من القادر على الالتحاق؟
إن شرع أبواب العلم والمعرفة، وجهد العاملين في الجامعات المفتتحة أخيرا، مقدَّر ومحسوب، وإكمال العمل، وتعميم فائدته يكون بواقعيته ومدى قدرته على الوصول إلى أكبر شريحة من الناس لتحقيق الأهداف المرصودة.
قد يقول قائل: كلفة الاعداد والتجهيز للجامعة كبيرة، وينعكس ذلك على الرسوم؟ ولن نشكك في ذلك. ولكننا نقول، عند تدشين مشروعات ضخمة بمثل ما هي اليوم، لابد من مراعاة واقعيتها.
نقترح بهذه الخصوص تدخل الحكومة والمؤسسات التجارية في هذه المشروعات التنويرية ووضع يدها في يد القائمين على الجامعات الأهلية، بتخصيص موازنة تصرف للجامعات، وتشرف عليها وزارة التربية والتعليم من أجل التقنين والمراقبة، وهذا، بلا شك، سيخفف كلفة الرسوم، من آلاف الدنانير إلى مئات الدنانير، وسيسمح لعشرات الطلبة بالالتحاق بهذه النوعية من البرامج.
وعلمنا أن وزارة العمل والشئون الاجتماعية قامت، مشكورة، بابتعاث عدد من العاطلين للالتحاق بالبرامج التدريبية في المعاهد المنفتحة حديثا، وصرفت آلاف الدنانير، وتخرج بعضهم والتحق بوظيفة مرموقة... وهذا يثبت حسن النوايا.
نأمل من الوزارات الأخرى والشركات والمؤسسات المبادرة في دعم التعليم الجامعي الأهلي... حتى لا نسأل اليوم وغدا: «من يدفع لهم...؟!»
العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ