العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ

الشيخ: تقرير التنمية البشرية أغفل الكثير من الجوانب

انتقد آلية إعداده وتحليل نتائجه

أكد نائب رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني محمد عبدالله الشيخ آل عباس أن التقرير الأخير عن التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لم يأخذ في الحسبان الكثير من النواقص والاخفاقات لاسيما في الأوضاع المعيشية للمواطنين وموضوع التفرقة الموجودة بينهم إضافة إلى مشكلات البيئة وحقوق المرأة وموضوع البطالة والأزمة الاسكانية.

وقال الشيخ: «إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون البحرين الأفضل عربيا، وأن تحقق المركز 37 على مستوى العالم، والحقيقة أن ذلك يشير إلى التقدم الذي أحرزه في هذا المجال، ولكي نكون منصفين فإنه يجب التأكيد على أن ما تضمنه التقرير - التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2003م - يمثل وجها من أوجه الحقيقة، ولا شك أنه توجد وجوه أخرى لم يكشف عنها التقرير، بل ولم يتطرق إليها. ففضلا عن كون المعلومات والبيانات الأساسية التي اعتمد عليها، هي معلومات حكومية أو على الأقل من مصادر وجهات رسمية، غير مستقلة، وأنه ارتكز في تحليله على معايير ثمانية هي: التغلب على الفقر، التغلب على الأمية والمساواة في التعليم بين الجنسين، مستوى وفيات الأطفال، صحة الأمومة، محاربة الايدز، ونسبة الحاصلين على المياه الصالحة، وخدمات الصرف الصحي، وأخيرا التعاون مع الدول الأخرى.

إلا أن التقرير لم يتناول المعايير التي تهم الدول والتي تكشف عن أوجه النقص فيها وبالتالي التنبه لها والعمل على معالجتها أو حتى وضع البرامج لمواجهتها والحد من تفاقمها، والتي تكشف الاوجه الأخرى للواقع الذي تعيشه البحرين، منها على سبيل المثال البطالة، ومجال حقوق الانسان والديمقراطية، والتدهور البيئي، والتمييز الطائفي والعرقي، وتفشي الفساد والمحسوبية، وتدني مستويات الافصاح والشفافية، وكذلك فإنه - أي التقرير - يعتمد على انتهاج المقارنات ذات الاتجاه الأوحد مثل المقارنة في المساواة بين الجنسين، ويتجاهل المقارنات ذات الاتجاهات المتعددة مثل مقارنة المساواة بين المواطنين في الامتيازات والحقوق، والواجبات. فعندما لا يشير التقرير الى تلك المعايير ويسقطها من الواقع وبالتالي يبرز الصورة المصنعة، التي لا تتوافق ولا تتماشى مع متطلبات الحد الأدنى من الواقع الحقيقي، وليس الواقع المصنع (Virtual reality)».

الأوضاع البيئية

واضاف آل الشيخ أنه «ولأغراض المقارنة يمكن أن نبرز هنا أحد العوامل التي اسقطها التقرير، وهو عامل التدهور البيئي الحاصل في البلاد على رغم وجود التشريعات والانظمة التي تحد من المحافظة على البيئة، فإننا نجد من جهة أن الحكومة التي ساهمت في فترة غيبة البرلمان، في سن القوانين والتشريعات المتصلة بالبيئة، فإنها تسهم بالقدر نفسه في دفن الخلجان ذات الأهمية البيوبيئية، والاستمرار في أعمال الردم التي ساهمت في قتل الأعشاب البحرية وتدهور المصائد وهروب الاسماك، فكان البحار البسيط الذي يذهب الى البحر مشيا على الأقدام قد عدم هذه الوسيلة، فأخذ يبتكر الوسائل الأخرى كالصيد بالاعشاب، والخبز وغيرها، ويجوب أعماق البحر للحصول على القدر اليسير من الاسماك، هذا فضلا عن الكثير من المرضى والمعوقين جسميا وعقليا في المناطق السكنية القريبة من المناطق الصناعة كمنطقة المعامير وسترة والرفاع، فلم يعرف التقرير الطريق الى هذه الحقائق، وتأتي في مقدمتها مشكلة تداخل المناطق السكنية مع المناطق الخدمية والمناطق الصناعية في منطقة مثل منطقة سترة وتوابعها، والكثير من منطقة البحرين، إذ نجد أن المنطقة الصناعية بالمعامير وجزيرة سترة قريبة جدا من المساكن، كما توجد الانشطة الخدمية والمصانع بمنطقة النويدرات والعكر متاخمة للمناطق السكنية، وينسحب الوضع على منطقة الرفاع وما حولها، مما يؤثر على الذوق العام والجمالية الخاصة بالمناطق السكنية، علاوة على الاضرار الصحية والنفسية التي تصيب ابناء المنطقة جراء هذه العشوائية».

تلوّث البيئة وأحوال المواطنين

وأردف آل الشيخ أن «الأهالي في تلك المناطق يعانون الويلات ويتكبدون خسائر المعالجة وقبلها الألم على أبنائهم الذين أمضوا طفولة بائسة يصارعون الامراض التي تسببها هذه الملوثات، والأمر لا يحتاج منا الى ابحاث ودراسات، فبيت الأمم المتحدة الواقع في المنامة لا يبعد سوى 15 كيلومترا من هذه المناطق. فمثلا تتوزع على جزيرة سترة وخصوصا في منطقة شمال سترة الصناعية، ومنطقة جنوب سترة الصناعية، ومنطقة المعامير الصناعية، الكثير من المصانع ومحطات توليد الكهرباء، والحظائر والمسالخ، ومصانع غسل الرمال، والكسارات، مما نتج عن ذلك أزمة بيئية حادة، نشير هنا الى عدد من جوانبها، على سبيل المثال ما ينتج عن مصفاة التكرير من الملوثات الغازية تأتي في مقدمتها الأبخرة النفطية المتطايرة، وانبعاث اكاسيد النيتروجين، وأكاسيد الكبريت.

هذا بالاضافة الى الملوثات الصلبة كالحمأة النفطية، والملوثات السائلة كتصريف المياه المنبوذة من بعض العمليات من دون أن تجرى لها أية معالجات كيماوية أو بيولوجية، مما ينتج عن ذلك الكثير من الاضرار لمياه البحر والاحياء المائية فيها كالأسماك والعوالق الحيوية الدقيقة. وقد سجلت الملوثات الغازية تجاوزات سنوية متفاوتة في الشدة بلغ أخطرها القيم العظمى لنسبة الأوزون التي بلغت (ppm512، بمجموع تجاوزات سنوية قدرها 38 تجاوزا لمقاييس الهواء العالمية، والذي يعد تجاوزا شديدا، يستلزم معالجة فورية غير مؤجلة».

شركة ألبا والتلوث

وتابع الشيخ حديثه عن التلوث البيئي قائلا : «فيما يخص شركة «ألبا» فإن أهم مصادر التلوث ما تنفثه المدخنة الرئيسية بالمصنع، فضلا عن انبعاثات غير محددة الوضع تنتج عن عملية التصنيع كأكاسيد الكبريت الضارة، التي تتفاعل مع الهواء منتجة الأحماض المعدنية التي تضعف خصوبة التربة، وتحدث التآكل بالمباني والتفاعلات الجانبية مع الحديد والألمنيوم والنحاس المستخدم لأعراض حياتية. وفيما يتعلق بمصنع البتروكيماويات فإن ما ينتج عنه من روائح اليوريا، والأمونيا، والميثانول مثالا حيا لمعاناة الناس في تلك المناطق. والغازات التي تنفثها محطات الكهرباء وخصوصا محطة الرفاع التي تغطي انبعاثاتها منطقة واسعة من سماء المنطقة.

هذا فضلا عن المخلفات الصناعية التي تبلغ نحو 4500 طن سنويا من منطقة شمال سترة الصناعية، ونحو 1113 طن سنويا من منطقة المعامير الصناعية، وحسب المسح البيئي للعام 2001 - 2002م فإن أهم أنواع هذه المخلفات، هي المخلفات الزيتية المتولدة عن عمليات تكرير النفط».

وفي حديثه عن التلوث المائي والحراري قال الشيخ: «تتمركز مصبات الصرف الصناعي والصحي في جزيرة سترة التي ينتشر فيها الكثير من المصانع على الخط الساحلي بالمنطقة الصناعية، والذي يؤثر سلبا على جودة مياه البحر والرائحة غير المقبولة للمياه فضلا عن التلوث الحراري نتيجة ضح مياه التبريد الحارة الى البحر، وقد ساهم ذلك في تجاوز المؤشرات البيولوجية العالمية المتعلقة بتركيز البكتيريا في المياه وهو أمر بالغ الخطورة على الصحة العامة والأحياء البحرية المستوطنة في الخليج عموما، وفي مياه المنطقة خصوصا.

وفي السياق نفسه تستحوذ منطقة سترة على نحو 75 في المئة من مصانع غسل الرمال، إذ دلت المؤشرات على تجاوز النسب المسموح بها، فقد حددت التقارير أن نسبة تركز المواد الصلبة العالقة بالماء المصرف منها تزيد على (35 ملج/ لتر)، مما ينتج عن ذلك اختناق الأحياء البحرية ومرضها».

عمليات الردم وقتل البيئة

وأردف الشيخ «تسهم عمليات الردم والتجريف في تدهور النظم البيئية الحساسة - المتدهورة أصلا - كمنطقة فشت العظم وخليج توبلي نتيجة لهذه الانشطة. وبالتالي يؤدي ذلك إلى سرعة اختفاء الشعب المرجانية والمصائد الحيوية للروبيان والأسماك، مما يؤثر على حرفة صيد الأسماك، واختفاء أنواع جيدة من الأسماك المفضلة في المنطقة».

وفي توضيحة عن ملخص الوضع البيئي قال: «تستخلص أهمية اعادة النظر في قضايا الوضع البيئي لهذه المناطق سواء على خلفية الملوثات الكيماوية من المصانع والشركات، والصرف الصناعي والصحي للمصانع والشركات أو لمحصات تحلية المياه، وانشطة الردم والتجريف، اضافة الى انتشار مصانع غسل الرمال والكسارات، وأخيرا تداخل المناطق وعشوائية التخطيط، في مقابل ذلك غياب الاحزمة الخضراء وتدني معامل الرقابة وتدهور الصحة العامة للسكان، وغياب ضوابط الالتزام بالمعايير الدولية، وعلى ذلك نطالب باتخاذ القرارات اللازمة والفعلية لانقاذ قدرة النظام البيئي في هذه المنطقة على استيعاب الأثر الاجمالي لهذه الملوثات، وإذا اضفنا أن البحرين قد صادقت على بعض الاتفاقات الدولية المتعلقة بالبيئة وبالتالي فقد أضحت جزءا من تشريعاتها، مثل اتفاقية المحميات الطبيعية، واتفاقية التنوع البيولوجي (Biodiversity)، وأن التدهور الحاصل والظاهر ما هو إلا مؤشر واقعي على عدم الوفاء بتلك الاتفاقات».

آلية التقرير والمتوسط الحسابي

وعاد الشيخ للحديث عن نواقص التقرير إذ قال: «هذه التقارير التي لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى هذه القضية لا شك في أن ذلك يعتبر مسا وطعنا في البنية الفنية والعلمية والمرجعية للتقرير.

وهو ما يجعلنا نتأمل في التقنية التي اعتمدها التقرير في استخراج هذه النتائج، ومن هذه الناحية فإن التقنية الاحصائية التي بموجبها تم اعداد التقرير، تشبه تقنية مقاييس النزعة المركزية مثل المتوسط الحسابي، وهي التقنية التي انتقدها فقهاء علم التقويم، فهي تخبئ ظلما عميقا لاطراف على حساب اطراف اخرى، بل وتقدم امتيازات مجانية لفئة دون أخرى، وهي لا تعطي إلا صورة مختزلة عن الوقع، ولا تدعي اصلا الاهتمام بالمتغيرات الداخلية للواقع الذي تختصره، لأنها تقنية تعتمد مبدأ التعاوض من أجل التسطيح، فهي تعدل النتوءات وتعطي صورة معدلة أي مختلفة عن الواقع.

هذا هو الظلم الذي تخبئه تقنية المتوسط الحسابي التي تشبه التقنية التي انتهجها تقرير التنمية البشرية. انها تقنيات تخفي الحقيقة وتسلب الحق من صاحبه وتعطي صورة غير دقيقة وربما غير واقعية، «صورة معدلة» كما ذكر سالفا»

العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً