العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ

مهدي عبدالله: آن الأوان لإنشاء جمعية للمترجمين

في شهادته عن الإبداعية بمركز كانو الثقافي

في العام 1989 طرحت فكرة إنشاء جمعية للترجمة، ولكن بسبب عدم وجود عدد كافٍ من المترجمين، وعدم تفرغهم للعمل الإداري والتطوعي، لم تلقَ الفكرة التأييد الكافي، وأعتقد أن الوقت الآن مناسب جدا بل ضروري لإنشاء مثل هذه الجمعية لما لهذا المجال من أهمية ولما يعقد عليها من آمال» هذا ما صرح به المترجم مهدي عبدالله أثناء عرضه لتجربته في الترجمة في ورقة قدمها بمركز عبد الرحمن كانو الثقافي.

في بداية ورقته أشار المترجم مهدي عبد الله إلى أن الترجمة فن يعود إلى آلاف السنين، نشأ بسبب تعدد الحضارات والحاجة إلى نقل العلوم والمعارف والآداب للاستفادة من التقدم العلمي والمعرفي والأدبي، وقد شهد العالم الإسلامي فترة ازدهار واهتمام بالترجمة في العصر العباسي حيث يحكى أن الخليفة المأمون كان يعطي كل من يترجم كتابا من اللغة اليونانية أو الرومانية أو غيرها ما يعادل وزن الكتاب ذهبا.


البحرين والترجمة

وبين عبد الله أن البحرين لم تعرف هذا الفن إلا في القرن العشرين وذلك لعدم وجود المدارس النظامية وقلة المتعلمين.

وقد لعبت مدرسة الإرسالية الأميركية في بداية هذا القرن وشركة بابكو منذ ثلاثينيات القرن الماضي دورا واضحا في تعليم ونشر اللغة الإنجليزية بين المواطنين، وبحسب معلوماتي فإن الأستاذ الشاعر الكبير إبراهيم العريض رحمه الله هو أول مترجم بحريني، وكان لإجادته اللغات الفارسية والأردو والإنجليزية إلى جانب العربية الأثر العظيم في ثقافته الواسعة، وقد ترجم العريض ديوان «رباعيات الخيام» من الفارسية إلى العربية في الخمسينيات واتسمت ترجمته بالمهارة والإتقان حسب رأي النقاد.

وبحسب مهدي فإن من أوائل المترجمين البحرينيين المرحوم عيسى جاسم الجودر المتوفى العام 2002م، والدكتور محمد علي الخزاعي والدكتور عيسى أمين ومنذر الخور وفاروق أمين وأمين صالح وعبدالحميد القائد وغريب عوض وطارق البحار «المذيع» وعبدالقادر عقيل وعبدالله المحميد و لولوة الفاضل، وخالد البسام و إبراهيم بشمي وغيرهم.

من الترجمة السياسية إلى التاريخية والأدبية

وحول تجربته في الترجمة أشار إلى أن جهده انصب على نوعين من الترجمة الأول ترجمة تتعلق بتاريخ البحرين الحديث.والثاني ترجمة أدبية وتابع «هناك ترجمات سلكتها في البداية كالترجمات السياسية لكني تركتها بعد فترة لإيماني بأهمية التخصص ولعدم ميلي من ناحية أخرى إلى مثل هذه الترجمات، وكان أول تعاون لي في الترجمة مع مجلة «المواقف» الأسبوعية حيث كنت أنشر أسبوعيا منذ عام 1987 وعلى مدى سنة تقريبا مقالات سياسية مترجمة نقلا عن مجلتي «تايم» و»نيوزويك» الأميركيتين وغيرهما من المجلات الأوروبية، كل مقال يتراوح بين صفحتين أوثلاث، معزز بالصور. أما المحطة الثانية في الترجمات السياسية كانت في جريدة الأيام حيث عملت مع مجموعة من المترجمين مع تأسيس الجريدة العام 1989 ومنهم الدكتور منذر الخور والأستاذ فاروق أمين والدكتور نعمان الموسوي في القسم الخارجي، وكنا نترجم الأخبار التي ترسلها وكالات الأبناء والمواضيع السياسية التي تنشرها بعض الصحف من الإنجليزية إلى العربية وكانت تجربة مفيدة بالنسبة لي وقمت بالاستمرار في العمل في الفترة المسائية في الجريدة قرابة السنة.

ثم تحدث عبد الله عن ترجماته التاريخية فأشار إلى أنها أثمرت عن ترجمة كتاب «مذكرات بلغريف» مستشار حكومة البحرين سابقا أو ما يعرف بالإنجليزية بـ «Personal Column»، وإعداد وترجمة ثلاثة أجزاء من كتاب «نكهة الماضي»، وترجمة كتاب «ساحل القراصنة» بالاشتراك مع المترجم فاروق أمين.

وتحدث عبد الله عن ترجمته لكتاب « مذكرات بلغريف» مشيرا إلى أن مؤلفه شخصية مهمة جدا في تاريخ البحرين الحديث بحكم عمله مستشارا لحكومة البحرين منذ العام 1926 وحتى 1957، أي أكثر من ثلاثين سنة شهدت البلاد خلالها الكثير من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية. وكنت أسمع عن المستشار كثيرا وأسمع عن كتابه شبه الممنوع والذي لا توجد منه سوى نسخ نادرة في البحرين حيث إن طبعته الثانية صدرت في عام 1972 ومضى عليها سبع عشرة سنة حتى ذلك الحين. فشرعت في ترجمة الكتاب ونشره على حلقات متسلسلة في مجلة صدى الأسبوع على مدى 42 أسبوعا ولاقت الحلقات اهتماما واسعا لدى القرّاء حتى أن مدير التحرير قال لي وأنا أسلّمه الحلقة الأخيرة: وددنا لو كانت هناك حلقات إضافية من المذكرات.


عبد الله: كنت أسلّم ترجمة «مذكرات بلغريف» إلى رئيس التحرير فيشطب الفقرات الحساسة منها

وعن ظروف الترجمة ونشرها في ذلك الحين أشارعبدالله أنه نشر الحلقات في ظل ظروف سياسية وأمنية عصيبة كانت تعيشها البحرين وكانت الرقابة على النشر شديدة فأضطر إلى حذف أجزاء قليلة من الكتاب بعضها يتعلق بالأحداث السياسية في الخمسينيات والبعض الآخر عن الطقوس الدينية لطائفة الشيعة وفصلا يتحدث عن الخلافات التاريخية بين البحرين وقطر وتابع عبد الله، كنت في بعض الأحيان أسلّم مادة النشر إلى رئيس التحرير فيقوم بشطب فقرات حساسة منها. كما اجتهدت شخصيا بالحرص على توفير الصور التاريخية الملائمة لكل حلقة والتي كنت آخذها من كتاب «البحرين حضارة وتاريخ» وكتاب «أيام زمان». بعد الانتهاء من نشر الحلقات ونجاحها تشجعت على طباعة الكتاب ولم يكن قانون حماية الملكية الفكرية قد طبق في البحرين بعد فطبعت الكتاب في بيروت وصدرت الطبعة الأولى منه العام 1991. ولقد لاقى رواجا طيبا في البحرين وخارجها لما يحتويه من معلومات وتفاصيل تاريخية عن بدايات ظهور النفط وتطوّر الشرطة ونمو الاقتصاد البحريني والتطور العمراني والثقافي والسياسي لمجتمع البحرين.


كتاب « نكهة الماضي»

وعن كتابه نكهة الماضي أشار عبدالله بأنه عقب نشر الحلقات «جاءتني فكرة ترجمة مواضيع وحكايات وطرائف تاريخية من البحرين فشرعت في تنفيذ الفكرة بجريدة الأضواء الأسبوعية «نكهة الماضي» واستقيتها من مقالات نشرها بالإنجليزية الباحث علي أكبر بوشهري في جريدة «جلف ميور» في عام 1986 وقد راعيت أن تكون الحلقات مرفقة بصور قديمة، حيث أصبح جمع الصور التاريخية الآن من هواياتي الأساسية، بعدها خاطبت وزير الإعلام بأن تتكفل الوزارة بطبع الحلقات في كتاب فوافق على تحمل الوزارة نصف النفقات وتم طباعة الجزء الأول باللغتين العربية والإنجليزية في مطبعة وزارة الإعلام وصدر العام 1994. ثم تابعت نشر حلقات جديدة من نكهة الماضي في صحيفة أخبار الخليج ووثقت المصادر التي أستقي منها مقالاتي ومنها التقارير السنوية لحكومة البحرين وتقارير الوكالة السياسية البريطانية في البحرين وتقارير الإرسالية الأميركية والعديد من المراجع التي رحت أنقب فيها في مكتبة المنامة العامة ومكتبة المعهد البريطاني وبعض المجلات كمجلة «الوثيقة» و»جلف ديلي نيوز» هذا بالإضافة إلى بعض الكتب العربية التي تتحدث عن البحرين أو منطقة الخليج. وأثمر ذلك عن صدور الجزء الثاني من الكتاب في العام 1996 وكان باللغة العربية فقط. ومازلت أواصل النشر حتى الآن وقد صدر الجزء الثالث من هذه السلسلة في بداية العام 2007 باللغة العربية فقط. والآن لدي مجموعة تكفي للجزء الرابع من السلسلة.

وعن صدى تلقي جمهور القراء لحلقات نكهة الماضي أضاف عبد الله : «حظيت الحلقات بعد نشرها في صحيفة يومية بالانتشار والاهتمام من قبل العديد من القرّاء لما تتميز به من معلومات تاريخية جديدة منقولة عن مصادر دقيقة وموثقة باليوم والسنة والتفاصيل الصحيحة مما أكسبها الصداقية والقبول، وأحسب أنني بذلك ساهمت ولو بجزء يسير في الإضافة إلى تاريخ البحرين الحديث.


كتاب «ساحل القراصنة»

ثم تحدث عن كتاب «ساحل القراصنة» لمؤلفه «تشارلز بلجريف» والذي يتحدث عن منطقة الخليج العربي في بدايات القرن التاسع عشر من خلال يوميات ضابط بحري بريطاني يصف فيها أعمال القرصنة التي تتعرض لها السفن الأجنبية في الخليج ويتطرق إلى تاريخ القواسم والأسرة السعيدية التي حكمت عمان لسنوات طويلة وإلى الحركة الوهابية والأحداث التي لحقت بالمنطقة فقد ترجمته بصورة مشتركة مع الأستاذ فاروق أمين في العام 1994 وحاولنا عدة مرات أن نحصل على جهة تتولى طباعته إلا أننا لم نفلح، إلى أن وافقت دار نشر لبنانية على طباعته بالتعاون مع مؤسسة الأيام البحرينية وقد صدر الكتاب في العام 2006.

وعن ذهابه للترجمة الأدبية تابع عبد الله « اتجهت إلى الترجمة الأدبية بسبب شغفي وميلي للقصص القصيرة والرغبة في تطوير نفسي في هذا المجال بالإضافة إلى رغبتي في أن يطلع القراء البحرينيون والعرب على نماذج من الأدب المكتوب بالإنجليزية. وكانت البداية في العام 1991 حينما ترجمت قصة بعنوان «الرجل ذو الندبة» للأديب الإنجليزي الشهير سومرست موم ونشرتها في صفحة الثقافة بأخبار الخليج. وفي منتصف التسعينيات عاودت هذه الهواية، ومن الكتاب الذين ترجمت لهم إرنست هيمنجواي الأديب الأميركي الشهير الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1954 والذي ترجمت له نحو سبع قصص حتى الآن وأعجبت بأسلوبه وبساطة تعابيره، رغم عمقها وإمكانية تأويلها إلى أكثر من مدلول. وقد حرصت على أن تكون القصص التي أختارها للترجمة متوسطة الطول ملائمة للنشر في الصحيفة ولا ترهق «دماغ» القارئ بطولها وثقلها.

وعن الفرق بين الترجمة التاريخية والترجمة الأدبية أشارعبدالله إلى أن الأولى تكون ترجمة مباشرة ليس فيها لبس في المعنى ولا تستغرق وقتا طويلا، بينما الترجمة الأدبية تتطلب التأمل والتدقيق في الألفاظ والعبارات فهناك الكثير من الكلمات الإنجليزية لها معان عديدة بعضها أحيانا مختلف كلية عن الآخر وقد تنتاب المترجم الحيرة في اختيار المعنى الذي قصده الكاتب، كما أن بعض العبارات والألفاظ ربما لا توجد في بيئتنا العربية ويستدعي ذلك شرحها أو البحث عن دلالتها. كما التزمت قدر الإمكان بالعناية والتأني في ترجمة القصة لكي أنقلها أقرب ما يكون من المعنى الذي قصده كاتبها، رغم أن بعض القصص ترجمتها عن لغة ثانية غير لغتها الأصلية ما قد يقلل من مجاراة أسلوب الكاتب أو دقة ما ذهب إليه. وأثمرت هذه الترجمات عن صدور كتاب «قصص مختارة من الأدب العالمي» في نهاية العام 2002 وذلك ضمن مشروع النشر المشترك الذي تقوم به وزارة الثقافة والإعلام البحرينية بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ويعتبر هذا الكتاب أول كتاب بحريني يتضمن قصصا قصيرة مترجمة. هذه القصص لاقت الترحيب والاستحسان في الأوساط الأدبية في البحرين وخارج البحرين وأحسب أنها جاءت لتضيف إلى جزء مهم من الثقافة البحرينية وهو التواصل مع الآداب الأجنبية ما أعطاني الثقة والتشجع على الاستمرار. وفي العام 2006 صدر الجزء الثاني من هذه القصص بدعم من مركز جدحفص الثقافي واشتمل على 18 قصة لمؤلفين آخرين من مختلف دول العالم. وحاليا أعد لإصدار قصص مختارة من الأدب الأميركي الحديث والجزء الثالث من قصص مختارة من الأدب العالمي.

وتابع عبد الله «فيما يتصل بالترجمة القصصية كنت قد شرعت في دراسة دبلوم القصة القصيرة والصحافة في أحد المعاهد التعليمية الأميركية قبل نحوعشر سنوات وتضمن المنهج إرشادات لكتابة القصة وعناصرها ومصطلحاتها وكيفية كتابتها وأبحاث وآراء تتعلق بها فرأيت أنه من المناسب ترجمة بعض هذه المواضيع ونشرها على حلقات أدبية. ولقد لقيت هذه الحلقات التي استمرت لعدة أشهر اهتماما من قبل بعض النقاد وهواة القصة. واتجهت قبل خمس سنوات أو أكثر إلى البحث عن المراجعات النقدية أو الكتابات الصحافية عن القصص والروايات الكلاسيكية أو الحديثة سواء في الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية أو المجلات البريطانية والصحف الخليجية، وترجمتها لتعميم الفائدة منها. وكنت في هذه الفترة أتوجه باستمرار إلى مكتبة المعهد الثقافي البريطاني وأطلع على الصفحات والملاحق الثقافية في المجلات والصحف الإنجليزية وأختار المناسب منها، كذلك كنت أقضي أوقاتا طويلة في مكتبة المنامة العامة أفتش بين صفحات الجرائد الخليجية الصادرة بالإنجليزية لنفس الغرض، بالإضافة إلى شراء بعض الكتب الأدبية من مكتبة العائلة. وقد أسفرت هذه التجربة عن نشر العديد من المواضيع التعريفية والنقدية لكثير من روائع الكتب الأدبية.

وعلى صعيد آخر، اتجهت قبل خمس سنوات إلى نطاق آخر من الترجمة الأدبية حيث أقدمت على ترجمة عدد من القصائد العالمية المكتوبة باللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية وكنت متخوفا من هذه التجربة أول الأمر لصعوبة ترجمة الشعر لكني تشجعت ونشرت سلسلة من الأشعار المترجمة في الصحف المحلية والتي لاقت القبول من قبل البعض.

العدد 2596 - الأربعاء 14 أكتوبر 2009م الموافق 25 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً