أن يصبر المواطن البحريني ربع قرن للحصول على بيت يؤويه هو وعائلته فذلك ما تعود عليه، فصبره في الحصول على السكن كان من صبر نبي الله أيوب (ع) على ما ابتلاه الله، لكن أيوب (ع) انتهى بلاؤه بأن شفاه الله وأعاد له خيراته، وكذلك المواطن البحريني يصبر هذه المدة على أمل الحصول على الوحدة السكنية، التي أصبحت اليوم بمثابة الحصول على جنة خلد وملك لا يبلى.

لكن ذلك الصبر لا يمكن أن يصل إلى حد الصبر على صدمة سحب الوحدة السكنية منه بعد 16 سنة انتظار بحجة أن «عليك أن تثبت بأنك قطنت في سترة من قبل 10 سنوات، مع أنني أسكن في مجمع (606) بقرية الخارجية في جزيرة سترة من العام 1995».

تلك هي حكاية المواطن إبراهيم عبدالكريم محمد العرادي وعائلته والذي يعود طلبه الإسكاني للعام 1993، الذي تفاجأ بعد تسليمه وحدة سكنية في إسكان القرى الأربع الذي سمي خلسة بـ «هورة سند» بـ «ورقة ليس بها إلا توقيع مدير إدارة الخدمات الإسكانية بالوكالة ماهر العنيس تفيد بسحب الوحدة مني، وطلبوا مني إثبات أنني أقطن في سترة قبل 10 سنوات»، ويأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه وزير الإسكان في تصريحات سابقة بثها تلفزيون البحرين أن مشروع القرى الأربع الإسكاني هو مشروع عام، والسؤال إذن لماذا تطلب الوزارة من العرادي أن يثبت وجوده في جزيرة سترة قبل 10 سنوات وخصوصا أنه من أصحاب الطلبات القديمة؟، أم أن ذلك يأتي ضمن سياسة تخبط الوزارة في هذا المشروع منذ أن انتزع من أهله وحتى اليوم.

وحكاية العرادي التي من الممكن أن تصور كفيلم أو مسلسل عن قصة واقعية ستنال بالتأكيد جوائز الأوسكار وهي جائزة من عدة جوائز لابد أن ينالها المواطن البحريني المنتظر لفرج الله منذ 16 أو 17 سنة أو حتى ربع قرن من الزمن من أجل الحصول على وحدة سكنية تساوي مساحتها مساحة غرفة في فلة أو قصر متنفذ حصل على أرضه بالمجان قبل حتى أن يتزوج فضلا عن أن يتقدم بطلب إسكاني، وقام ببناء الفلة أو القصر وهو صابر محتسب في مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة من دون أن يدفع 25 في المئة من راتبه ولمدة 25 سنة.

وبدأ حلم العرادي مع اقترانه برفيقة دربه -زوجته- فقال: «منذ أن تزوجت سكنت في جزيرة سترة بالإيجار، وفي هذه الفترة اضطررت إلى السكن في بيت والد زوجتي وذلك بعد أن انتقلنا إليه من شقة الإيجار وكنت أنام حينها في مجلس بيتهم أما زوجتي ابنتي تنامان مع أخواتها في البيت»، وتابع «ومع استمراري في هذه الحالة وأنا انتقل من شقة إلى أخرى وسكن إلى آخر وعندما تم توزيع إسكان البسيتين ولأنني أصلا من المحرق قمت بمراجعة وزارة الإسكان إلا أنهم رفضوا طلبي في الحصول على وحدة في هذا المشروع وبينوا لي أنه علي الانتظار لحين الانتهاء من أحد مشروعات سترة»، واستطرد «بعدها سمعت عن مشروع آخر في المحرق أيضا وأخبرتهم بأنني حينها كنت مضطرا للتنقل بين سترة والمحرق من أجل مراعاة حالة والدي المريض إلا أن مسئولا في محافظة المحرق أبلغني أنه لا يمكنني الاستفادة من المشروع أيضا»، وأشار إلى أن «مسئولي وزارة الإسكان وبعد مراجعتهم أكدوا لي أنني سأستفيد من مشروع سترة-القرية الإسكاني».

وأضاف العرادي «وطبعا القصة لم تنتهِ هنا بل بدأت من جديد، إذ بدأتُ في الانتظار على أمل توزيع وحدات مشروع سترة-القرية وفعلا تم البدء في التوزيع وقمت بمراجعة الوزارة التي وعدني مسئولوها من قبل بالحصول على بيت في هذا المشروع»، وأفاد بأن «المسئولين ردوا تلك المراجعات بحصولي على بطاقة من الوزارة تفيد باستحقاقي لإحدى وحدات مشروع سترة-القرية»، مبينا أن «الوزارة قامت بتوزيع المشروع من دون أدنى عناية بطلبي أو حتى بوعودهم التي باتت كما يقول المثل (كلام الليل يمحوه النهار) وبقي بيت واحد في المشروع لم يسكنه أحد وقمنا بمراجعة وزارة الإسكان أيضا بشأنه»، وأوضح أنه «بعد أخذ ورد مع مسئولي الوزارة أبلغوني أن الوحدة مخصصة لشخص ولكنها سحبت منه لسبب وآخر، ووعدوني مرة أخرى بالحصول على وحدة سكنية في أقرب مشروع إسكاني»، ونوه إلى أن «سبب مراجعتي المستمرة للوزارة، لأني ضقت ذرعا من الانتقال من سكن إلى آخر منذ 16 عاما وأنا في هذه الحالة وأنا اليوم أسكن في النويدرات عند شخص لا يؤجر إلا أنه قام بتأجيري شقة لأنه يعلم بحالي».

وذكر العرادي «ومع كل ذلك الصبر والسنين ومعاناتي ومعاناة زوجتي وابنتي التي بلغت السادسة عشرة إلا أنها لم ترَ ذلك البيت الحلم، ليشاركها إخوانها الصغار ذلك الحلم أيضا تم الاتصال بي من قبل وزارة الإسكان»، وقال: «أذكر تماما أن الاتصال جاءني يوم الخميس وطلبوا مني إحضار بعض الأوراق وأن علي الحضور للوزارة يوم الأحد الثاني من شهر أغسطس/ آب الماضي في تمام الساعة الثامنة»، وتابع «حضرت للوزارة في تمام الساعة الخامسة صباحا لكي لا يفوتني الموعد وعرفت من أحد الأشخاص أن الاتصال بي هو لأنني مستفيد من إحدى الوحدات الإسكانية، وفعلا عندما افتتحت الوزارة أبوابها أخبروني بالاستفادة من إحدى وحدات مشروع النويدرات الإسكاني (القرى الأربع الإسكاني)»، وبيّن أن «الموظفين طلبوا مني السحب على نماذج البيوت الموجودة وفعلا قمت بذلك واخترت النموذج الثالث، وبعد أن حصلت على البيت وتسلمت مفاتيحه بفترة، تفاجأة باتصال من وزارة الإسكان يطلب مني الحضور وبالتهديد»، ولفت إلى أن «الاتصال أثار في نفسي الارتياب وفعلا راجعت الوزارة وهناك سألتني الموظفة، هل لديك ما يثبت وجودك في سترة قبل 10 سنوات»، واستطرد «حينها سلمتها أوراقا عديدة وكانت تقول نعم هذه تثبت حقك في الوحدة، وهذه أيضا تثبت ذلك، وحين استفسرت عن الأمر لم تخبرني بشيء».

وأردف «وبعد مدة تسلمت رسالة موقعة من مدير إدارة الخدمات الإسكانية بالوكالة عبر البريد تفيد بأن الوزارة اتضح لها أنني غير مستحق للوحدة السكنية وأن البطاقة التي سُلمت لي غير سارية المفعول»، وأشار إلى أن «المسئول نفسه عندما راجعناه قال إنه أعطانا وحدة في المشروع، وعندما طلبنا لقاءه في مكتبه أرسلنا إلى شخص آخر وبعد انتظار طويل وفي شهر رمضان أيضا رحلنا من الوزارة بعد أن عرفنا بأنها ليست إلا ألعوبة».

كانت مع العرادي أثناء حضوره لمبنى «الوسط» 4 أكياس مملوءة بالأوراق وفواتير الكهرباء والعقود وأرصدة دفع الإيجار التي تثبت أنه يقطن في سترة منذ العام 1995، فهل يا ترى كان على مسئولي وزارة الإسكان أن يبلغوا بالعرادي وعائلته مبلغا لا يصلوه إلا بعد أن يصابوا بأمراض في أجسامهم وأنفسهم، ليبلغوا درجة عند الله لم يبلغوها بعملهم، فإذا كان هو مصاب بالربو وزوجته بالديسك وأصغر بناته بالسكري، فهل ينتظرون كما يقال أن أكون «في قبري لكي يسمعوا صوتي»، وناشد العرادي القيادة السياسية «التدخل وإنصافه بعد أن طرق جميع الأبواب من المحافظة إلى الوزارة وحتى باب وزير الإسكان الذي وعده خيرا إلا أن شيئا لم يحصل».