أدت ندوة «الرأي في المسألة الدستورية» التي أقامتها جمعية العمل الديمقراطي مساء أمس الأول إلى ردود من أعضاء الجمعية على نائب رئيس الجمعية للشئون التنظيمية إبراهيم شريف، بعد أن دعا إلى عدم اعتماد المسألة الدستورية في تقييم الموقف من المشاركة والمقاطعة مستقبلا، وإنما النظر إلى المصالح السياسية في أي قرار تتخذه الجمعيات.
وشدد عضو مجلس الإدارة عبدالله جناحي على أن بنية قرار المقاطعة والمشاركة دستورية، واصفا موقف شريف بأنه «ليبرالي أكثر من اللازم»، «فمن الخطورة أن تطرح المعارضة مراجعة موقفها بعد سنة من المقاطعة»، إلا أن رئيس الجمعية عبدالرحمن النعيمي دعا الأعضاء إلى عدم الخوف من أطروحات المشاركة، كما دعا المحامين إلى المزيد من الإيضاح بخصوص المسألة الدستورية.
أم الحصم - سلمان عبدالحسين
فجر نائب رئيس جمعية العمل الديمقراطي للشئون التنظيمية إبراهيم شريف، مفاجأة وسط أعضاء الجمعية إثر دعوته مساء أمس الأول - في ندوة أقامتها «العمل» لمناقشة كتاب «الرأي في المسألة الدستورية» - إلى عدم تحديد الخيار من المشاركة والمقاطعة في الانتخابات المقبلة بناء على الموقف من المسألة الدستورية، إذ عاد بالأذهان إلى مرحلة ما قبل المقاطعة المشاركة، والجدل بشأن العلاقة بين الدستوري والسياسي في تحديد خيار الجمعيات السياسية، إذ أكد شريف «أننا سياسيون، ومع احترامنا للاخوة المحامين، فالمسألة لا تتعلق بالجانب الدستوري فقط». مشيرا إلى أن أعضاء البرلمان ليسوا نجسا لكي نرفض التعامل معهم.
وكان النقاش بشأن كتاب «الرأي في المسألة الدستورية» الذي أعدته نخبة من المحامين قبيل فترة الانتخابات، بناء على طلب الجمعيات الأربع المقاطعة، والذي ساهم بشكل كبير في تحديد موقف المقاطعة - قد انحرف إلى الجانب السياسي، إثر سؤال لـ «الوسط» عن علاقة المقاطعين بالبرلمان بناء على الشق الدستوري المتعلق بصلاحيات المجلس، والذي رد عليه شريف بصورة جعلت الأعضاء ينبرون للدفاع عن موقف المقاطعة باعتباره «موقفا مبدئيا»، جاء بناء على وجهة نظر دستورية قوية، ولا ينبغي التخلي عن قرار المقاطعة بعد سنة من اتخاذه، والتلويح للحكومة بـ «الراية البيضاء» من الآن.
من جهته، تولى المحامي محمد أحمد، الذي كان أحد المشاركين في إعداد «الرأي في المسألة الدستورية»، شرح كيفية إعداد هذا الكتيب الذي وصفه بالمتواضع، لأن الحديث عن دستور العام 1973 من الناحية الشكلية والموضوعية يحتاج إلى مجلدات، مبينا في الوقت نفسه أنه لا يدافع عن هذا الدستور بما هو، وإنما يدافع عن مكتسباته، وفق ما نص عليه الميثاق من زيادة مساحة الديمقراطية، والمنطلقة إلى تمثيل شعبي أكبر بجعل المؤسسة البرلمانية كلها منتخبة وفق قاعدة المجلسين.
وأشار أحمد إلى أن كتاب «الرأي في المسألة الدستورية» تم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، قسم يتعلق بالبحث في الحال التاريخية التي أسست إلى التوافق على دستور العام 1973 بصفته دستورا عقديا، وقسم بحث في السلطة التأسيسية العقدية، والتي تشكلت من 20 معينا، و22 منتخبا، أما القسم الثالث فتطرق إلى السمات الشكلية والموضوعية التي اتسم بها دستور العام 1973، مبينا أن المحامين شددوا على ضرورة الاهتمام بتحليل ودراسة نصوص ميثاق العمل الوطني في ذلك الكتيب، لأن واضعي دستور العام 2002 اعتمدوا عليها في إجراء التغييرات. وأضاف «معظم الآراء التي تلت إصدار دستور العام 2002 اعتبرته دستورا جديدا».
حيثيات المذكرة التفسيرية
وأكد المتحدث أن المحامين رأوا أهمية بالغة في مناقشة الحيثيات التي أوردتها المذكرة التفسيرية لدستور العام 2002، لكونها تدعم مشروعية إصداره، واصفا هذه المذكرة بالتبريرية وليست التفسيرية، وقال: «هذه مسألة يعرفها أي دارس للقانون الدستوري»، إذ لفت إلى أن البحرين لم تعرف إصدار مذكرات تفسيرية منذ حل المجلس الوطني، لأن المذكرة التفسيرية يضعها المشرعون بالقانون الذي يصدر لشرحه، أما هذه المذكرة، بأنها «أشبه بمن يدافع عن نفسه ليدفع عنها التهمة أمام المحاكم».
وأوضح أحمد أن الرأي الذي طرحه المحامون يتسم بالإيجاز، وأن كل قسم من دستور العام 1973 - سواء الشكلي منه أو الموضوعي - يحتاج إلى كتاب، أما نصوص ميثاق العمل الوطني، فتتسم - بحسب أحمد - بالكثير من التعبيرات المطاطة، ولكنه أكد أن القانونيين يأخذون في الاعتبار ماذا فهم الناس عندما ذهبوا إلى التصويت على الميثاق، مشيرا إلى أن بعض العبارات التي وردت في الميثاق - وهي قاطعة الدلالة من قبيل «مزيد من الديمقراطية» - تدفع باتجاه أن التعديلات التي ستجرى ستحقق مزيدا من المكاسب والحقوق الدستورية للناس.
وذكر أحمد أن إعداد «الرأي في المسألة الدستورية» جاء بناء على طلب أربع جمعيات سياسية، واتسم بالتأخير لأنه أخذ ثلاثة أشهر في إعداده، لكنه أكد أنه يستحق الوقت الذي بذل من أجله، وكان من المفترض أن يقدم هذا الرأي مع إصدار الدستور، مبديا شعوره، وبقية المحامين بالفخر، «لأننا أدينا واجبا في لحظة كان من الضروري أن يقال فيها رأي».
طبيعة اختصاصات المجلس
وفي أجواء النقاش، أجاب المحامي على سؤال لـ «الوسط» بخصوص طبيعة الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة لمجلس النواب، وعلاقتها بالاحتكاك مع السلطة التنفيذية، فأشار إلى أن السلطة التشريعية لن تجد نفسها في يوم من الأيام في مواجهة خطر الاصطدام مع السلطة التنفيذية، لأن هيكلية المجلس مصممة بصورة لا تسمح له بالاصطدام، فالمجلس في أحسن حالاته سيكون منبرا لاستعراض بطولات شخصية لا استعراض مشكلات الناس، لأنه لا يشاء إلا ما تشاء السلطة التنفيذية.
وبحسب أحمد فإن المشكلة هي مشكلة الصلاحيات، «فليس من المجدي أن نقول: عندنا مجالس بلدية ونيابية منتخبة، وهي مكبلة للإرادة الشعبية، ولا تمتلك الصلاحية اللازمة لممارسة دورها» مشددا على أن ما أشار إليه ميثاق العمل الوطني من زيادة من الديمقراطية لا تؤدي إلى إنقاص الحقوق المكتسبة للناس.
سياسة ثبات الموقف والمرونة
عند ذاك، داخل شريف، فأكد أن السياسة تعني الثبات في الموقف والمرونة في التطبيق، ولا تعني بأي حال الثبات في التطبيق، مشددا على أن المقاطعة والمشاركة «موقف سياسي وليس دستوريا»، مع كونه استند إلى الرؤية الدستورية، لكنه اتخذ القرار بعد ستة أشهر.
وأضاف: السياسي هو من يعمل موازنة بين المصالح العامة، والمكاسب التي سيجنيها إذا ما اتخذ موقفا ما، مشيرا إلى أن الدخول إلى البرلمان ليس بالضرورة إلى التشريع، فالمشاركون في التجربة البرلمانية - بحسب شريف - مع كونهم لم يطرحوا المسألة الدستورية، لكنهم يصفون تجربتهم النيابية على رغم قصرها بالناجحة، «فإذا رأينا أن المصلحة في الدخول بعد أربع سنوات، فيجب أن نولي هذا الخيار أكبر الاهتمام ونستعد لذلك، أو نوعز لأشخاص من خارج الجمعية بالدخول».
وذكر شريف أن «أعضاء البرلمان ليسوا نجسا لكي نرفض التعامل معهم»، وقد تقتضي المصالح التعامل مع أعضاء البرلمان، وليس هناك ما يمنع التعامل معهم إذا وجدت مصلحة في ذلك، على رغم المآخذ على البرلمان الحالي من ناحيتي التشريع والرقابة، داعيا إلى دفع كل الملفات الساخنة التي تتبناها المعارضة لتعجل بالاصطدام بالحواجز الدستورية، لأن ذلك من مصلحة العمل السياسي كما قال.
من جانبه، انتقد عبدالله جناحي كلام شريف، واصفا إياه بأنه «ليبرالي أكثر من اللازم» فمن الخطورة - بحسب جناحي - أن تطرح المعارضة مراجعة موقفها، ولم يمض على موقفها سنة واحدة، داعيا إلى تبيان هذه الصلاحيات المحدودة، وعدم التعاون مع أعضائه، لأن التعاون إنجاح للتجربة بدلا من إثبات فشلها.
وشدد جناحي على أن قراري المشاركة والمقاطعة في بنيتهما الأساسية دستوريان، مشيرا إلى عدم وجود أرضية دستورية يمكن الوقوف عليها، «وقد كانت هناك شكوك متبادلة. هذا الأساس لا يمكن البناء عليه» داعيا إلى «الاتفاق - أولا - على المسألة الدستورية، وماذا لك وماذا لي (...) فقد أشارك إذا ما ضيقت الحريات مستقبلا، ولكن على أرضية دستورية ثابتة».
وأضاف «من الخطورة أن نقدم وعيا زائفا إلى المواطنين، فإذا ما نظرنا مثلا إلى المقترح الذي تقدم به البرلمان لتعديل قانون النقابات، نجده قد ساعد القطاع الحكومي في التلكؤ وعدم السماح للنقابات بالنشوء، وقد أخبرناهم أن الخلل في التعميم وليس في القانون، إلا أن أحد النواب أثناء مناقشة هذا الموضوع رفض ذلك، وأصر على تعديل القانون».
العلاقة بين التشريع والرقابة
وأكد جناحي وجود علاقة مباشرة بين التشريع والرقابة، «فالرقابة جزء من عملية صوغ القوانين، ويجب أن تنتهي بالتشريع، فإذا كان المجلس النيابي فاقدا للتشريع، فلا فائدة من الرقابة، حتى لو حاسبت فلانا واستدعيت ذلك الوزير»، موضحا أن اللجنة تحولت إلى لجنة فنية لاقتراح القوانين فقط، كما فعل برفع 72 توصية لحل مشكلة البطالة، وكان عليه أن يحل هذه المشكلة من خلال سن القوانين.
وأضاف «لقد قالت الجمعيات المشاركة إنها قادرة على ممارسة التشريع من خلال هذه المؤسسة البرلمانية، فليثبت لنا نوابهم ذلك، وإذا لم يثبتوا ما ادعوه من إمكان ممارسة دور المشرع، فهذا دليل على أنهم غير صادقين في دعوتهم إلى المشاركة».
وداخل رئيس الجمعية عبدالرحمن النعيمي، فأكد ضرورة الاستيضاح أكثر في المسألة الدستورية، داعيا إلى نبذ «الرعب والخوف إذا ما طرح البعض رأي المشاركة»، لأن الحكومة - كما قال - «ستجعلنا نقاطع»، منتقدا في الوقت نفسه موقف «جمعية المنبر الوطني» التي أعلنت مشاركتها في الانتخابات النيابية بعد إصدار الدستور الجديد بيومين بتاريخ 16 فبراير/شباط 2002
العدد 327 - الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ