العدد 376 - الثلثاء 16 سبتمبر 2003م الموافق 20 رجب 1424هـ

شحة المياه... الكابوس العربي في القرن 12

المنامة - عبيدلي العبيدلي 

16 سبتمبر 2003

«نحن، الوزراء المسئولين عن شئون المياه والبيئة والتنمية من 64 بلدا من جميع أنحاء العالم، اجتمعنا في بون لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ جدول أعمال القرن الحادي والعشرين ومناقشة الإجراءات اللازم اتخاذها من أجل تعزيز الأمن المائي وإدارة الموارد المائية إدارة مستدامة.

ونرى أن على مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، المقرر عقده في أغسطس/آب 2002 في جوهانسبرغ، أن يظهر التزاما متجددا بالتنمية المستدامة وإرادة سياسية للعمل.

ونعرب عن عميق قلقنا لأنه، ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين، لايزال 2,1 مليار إنسان يعيشون في فقر، محرومين من المياه الصالحة للشرب، ولأن قرابة 5,2 مليار إنسان لا تتوافر لهم مرافق صحية حقيقية. فالمياه والمرافق الصحية المأمونة والكافية حاجتان من حاجات الإنسان الأساسية».

تلك كانت مقاطع من مقدمة الإعلان الذي اعتمده الوزراء المجتمعون في الدورة الوزارية للمؤتمر الدولي المعني بالمياه العذبة في بون، 4 ديسمبر/كانون الاول 1002.

وتقدر الامم المتحدة ان نصف سكان الأرض سيعانون من نقص المياه في غضون ثلاثين عاما في حال لم يعالج الامر. وتصدر ملف المياه مقدمة اولويات «قمة الارض» التي عقدت في جوهانسبرغ في أغسطس/آب 2002.

ويفيد برنامج الامم المتحدة للتنمية ان 2,1 مليار شخص في العالم لا يحصلون على مياه الشرب و4,2 مليار يفتقرون الى المعدات الصحية اللائقة، في حين يموت 2,2 مليون شخص بينهم الكثير من الاطفال كل عام بسبب الاصابة بالاسهال.

أما البنك الدولي فيقدر أن عدد الذين يعانون من ندرة المياه سيصل الى أكثر من 4,1 مليار في 84 دولة العام 5202 وثلاثة مليارات العام 5302.

من جانب آخر، أوضح «تقرير تقدير العالم لموارد المياه في العالم» الصادر في العام 2002، ان عدد سكان العالم ازداد ضعفين في القرن العشرين، بينما ازدادت كمية استهلاك موارد المياه خمسة اضعاف.

إن المشكلة كبيرة جدا وتستدعي الاهتمام، إذ يعاني 04 في المئة من سكان الأرض، موزعين في 98 بلدا، درجات متفاوتة من شحة المياه. وللتغلب على هذه المشكلة نشر البنك الدولي لشئون البيئة تقريرا مفاده: ان المجتمع الدولي رصد مبلغا مقداره (006) مليار دولار وهو رقم خيالي قياسا بامكانات الدول الفقيرة لتأمين الحصول على المياه.

العرب وشحة المياه

ويبرز «تقرير تقدير العالم لموارد المياه في العالم» الصادر في العام 2002 - المشار إليه أعلاه - أن الشرق الأوسط والشمال الافريقي هما أكثر مناطق العالم تعرضا لنقص المياه البالغ 04 في المئة للشخص الواحد، وسترتفع النسبة إلى حوالي 08 في المئة في العام 5202، إذ ستبلغ حاجة الفرد (0766) مترا مكعبا في السنة بعد ان كانت (0343) مترا مكعبا في 0691.

وفي دراسة عن مستقبل المياه في المنطقة العربية، توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، ظهور عجز مائي في المنطقة يقدر بحوالي 162 بليون متر مكعب العام 0302، إذ قدرت الدراسة الأمطار التي هطلت في الدول العربية بنحو 8322 بليون متر مكعب يهطل منها 8841 بليون متر مكعب بمعدل 003 ملم على مناطق تشكل 02 في المئة من مساحة الوطن العربي، ونحو 604 بلايين متر مكعب تهطل على مناطق أكثر جفافا يتراوح معدل أمطارها بين 001 و003 ملم، بينما لا يتجاوز هذا المعدل 001 ملم في المناطق الأخرى. أما بالنسبة إلى الحاجات المائية المستقبلية فهي مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي التي أصبحت بين الأعلى في العالم. فمن المتوقع ان تصل الى 537 مليون نسمة العام 0302، مقابل 122 مليون نسمة العام 1991.

مستقبل خليجي قاحل

وليس الخليج حالا استثنائية مقارنة بالدول العربية الأخرى، إذ تكمن الأزمة في الخليج في نقص المصادر الطبيعية للمياه، نظرا الى طبيعة الأراضي الخليجية الصحراوية وعدم وجود أنهار أو مجاري مياه عذبة تمر بها. ومقابل محدودية الموارد المائية، فإن حجم الطلب عليها يتزايد بشكل مطرد وبمعدل متضاعف من سنة الى اخرى، نتيجة زيادة السكان والتوسع العمراني. وجاء في دراسة نشرتها صحيفة «الحياة» اللندنية في عددها رقم 45741 «لقد زاد حجم الطلب على المياه في منطقة الخليج ككل من ستة بلايين متر مكعب العام 0891، إلى ما يقارب 7252 بليون متر مكعب، ويتوقع أن يرتفع بحلول سنة 0202 إلى أكثر من 53 بليون متر مكعب وسنة 5202 إلى 94 بليون متر مكعب، يستهلك قطاع الزراعة منها أكثر من 58 في المئة مقابل 31 في المئة لمياه الشرب والأغراض المنزلية، في حين لا يزيد نصيب قطاع الصناعة منها على اثنين في المئة تقريبا، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد في الخليج حاليا أكثر من ألف متر مكعب سنويا بقليل».

وتضيف الدراسة: «تدل البـيانات على أن اعــتماد الفرد الخليجي على مصادر المياه التقليدية والمتـجددة محدود في ظل نقص المتاح منها، والأهم أن هذا النقص متزايد، بمعنى أن المتاح من تلك المياه يقل تدريجيا بمرور الوقت، نتيجة الارتفاع المستمر في معدل الزيادة السكانية، وما يصحب ذلك من تزايد نطاق المشروعات الاقتصادية والصناعية، إضافة إلى السحب المستمر من مصادر المياه الجوفية سواء الثابتة أو المتجددة، إذ يتم السحب من الآبار ذات المياه المتجددة بمعدل يفوق كثيرا نسبة المياه الجديدة المضافة إليها. وتشير الأرقام الى أن الفجوة المائية في الخليج التي تقدر حاليا بنحو 61 بليون متر مكعب، بعد أن كانت بليونا العام 8991، ستتسع لتصل إلى نحو 52 بليون متر مكعب سنة 5102، أي بعد ما يزيد على عقد من الآن».

تضاعف من سوء الوضع مشكلة النمو السكاني التي تزيد على 3 في المئة سنويا، إلى جانب الطلب المتزايد على المياه لمختلف الأغراض، الأمر الذي سيولد ضغطا على المياه الجوفية غير المتجددة مع ما لذلك من محاذير كثيرة منها تملح الطبقات المائية نتيجة لكثرة السحب، وتداخل مياه البحر للاحلال محل المياه التي يتم سحبها من الطبقات الجوفية، كما سيولد ضغطا اقتصاديا على موازنات دول المجلس نتيجة الحاجة الى التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر المالحة لمواجهة الطلب المتزايد على المياه الصالحة للشرب مع ارتفاع كلف إنشاء هذه المحطات وتشغيلها وصيانتها وقطع غيارها.

السعودية النموذج الصارخ

وتعد السعودية من أكثر دول مجلس التعاون المهددة من شحة المياه، إذ أكدت دراسة متخصصة نشرت حديثا من إعداد رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى السعودي محمد القنيبط، أن السعودية تعاني عجزا مائيا كبيرا يصل إلى حوالي 967,11 مليون متر مكعب، ويتم تغطيته من مخزون المياه الجوفية غير القابلة للتجديد. وتكشف الدراسة أن خزانات المياه الاستراتيجية قرب مدينة الرياض العاصمة، لا تكفي استهلاك أكثر من ثلاثة أيام بمعدلات الاستهلاك الحالية، أو بين خمسة وسبعة أيام على أبعد تقدير، مع ترشيد الأسر والأفراد لاستخدام المياه في فصل الصيف، إذ يزداد استهلاك المياه نتيجة ارتفاع درجات الحرارة إلى حوالي 54 درجة مئوية، ومن ثم - وبحسب ما ورد في الدراسة - فإن موضوع خزانات المياه الاستراتيجية ومصالح المياه في مدن السعودية تعتبر مشكلة أمنية أخطر بكثير من مشكلة الأمن الغذائي، إذ إن الغالبية العظمى من المواطنين يملكون في منازلهم مواد غذائية تكفيهم لعدة أسابيع، في حين لا يملك غالبيتهم من الماء ما يسد حاجتهم ثلاثة أيام أو أربعة أيام على الأقل.

وأشارت الدراسة إلى أن معدل استهلاك الفرد السعودي من المياه يوميا يصل إلى حوالي 242 لترا موزعة كالآتي: الشرب والطعام 11 لترا، أعمال الطبخ 11 لترا، غسيل الملابس 83 لترا، الاستحمام 67 لترا، الحنفيات 11 لترا، سيفونات الحمامات 59 لترا. ويبلغ معدل استهلاك المياه المنزلية حوالي 003 لتر يوميا، أما كميات المياه المستخدمة للتغذية في السعودية فتبلغ 8 مليارات متر مكعب، في حين تبلغ كمية المياه المستهلكة سنويا للأغراض كافة حوالي 22 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن قيمة العجز من المياه المتجددة يصل إلى حوالي 41 مليار متر مكعب.

العدد 376 - الثلثاء 16 سبتمبر 2003م الموافق 20 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً