العدد 2618 - الخميس 05 نوفمبر 2009م الموافق 18 ذي القعدة 1430هـ

«جي ستريت» و«فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين» منظمتان كسرتا المعايير

غسان ربيز - معلّق عربي أميركي حول قضايا التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط ف 

05 نوفمبر 2009

يناقش دان فليشلر في كتابه «تحويل اللوبي الإسرائيلي في أميركا» أن لجنة الشئون العامة الأميركية الإسرائيلية (الأيباك) لا تساعد المصالح الإسرائيلية بعيدة المدى، ولا تعكس بشكل صحيح المشاعر التقدمية للجالية اليهودية الأميركية.

يشرح فليشلر تعقيدات اللوبي اليهودي في أميركا ويحثّ الكونغرس على الإصغاء لكافة نواحي الرأي اليهودي وليس فقط الأيباك.

هناك مؤشرات مفادها أن هؤلاء الذين يتحدّون الأيباك في الجالية اليهودية الأميركية أخذوا يكتسبون عضلات سياسية. «جي ستريت» مجموعة تأثير (لوبي) جديدة في واشنطن تسعى لتحقيق مصالح «إسرائيل» من خلال استقطاب الرأي من حيث السلام ومعارضة السياسات الاستعمارية والحوار مع الأعداء.

عقدت هذه المنظمة الشابة أول اجتماع لها على مستوى الأمة في واشنطن العاصمة في الفترة 25 - 28 أكتوبر/ تشرين الأول. وقد شاركت في الحدث 18 وكالة وحركة يهودية حمائمية، بما فيها «الأميركيون من أجل السلام الآن».

وقد كانت للمؤتمر قائمة مثيرة للإعجاب من المتحدثين وألف من المشاركين. كذلك حضرت مجموعة مرموقة من مجلس النواب والشيوخ. وقد دعي عدد من العرب الأميركيين كمتحدثين، بمن فيهم، المدير التنفيذي العام لمجموعة العمل الأميركية من أجل فلسطين زياد عسلي.

يبدو أن «جي ستريت» لاحظت وبقناعة أن «فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين»، وهي منظمة فلسطينية أميركية حمائمية، عقدت مؤخرا حدثا بارزا في واشنطن العاصمة يوم 16 أكتوبر، هو حفلها السنوي الرابع أكد فيه مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز التزام الرئيس باراك أوباما بتشكيل دولة فلسطينية، وتوقعه لإحياء عملية السلام. وقد صرح الجنرال قائلا: «لقد حان الوقت لإعادة إطلاق المفاوضات دون شروط مسبقة للتوصل إلى اتفاقية حول الوضع النهائي على إنشاء دولتين».

يعكس وجود مستشار الأمن القوي كمتحدث رئيسي في حفل فريق العمل الأميركي مناخا جديدا من التفاهم في العلاقات العربية الأميركية.

من الأهمية بمكان بالنسبة إلى العرب أن ينتبهوا بشكل خاص وجاد للخلافات السياسية داخل الجالية اليهودية الأميركية. وقد قيل إن هناك أعضاء معينين في اللوبي اليهودي على تلة الكابيتول يعتبرون أكثر فاعلية في الدفاع عن القضية الفلسطينية من أفضل مجموعات التأثير العربية.

لست واثقا من مدى صحة هذه الملاحظة، إلا أن هناك نقطة يجب إبرازها حول القدرة شبه الساحرة للوبي الإسرائيلي على التلة، الذي ينجح أحيانا في جعل المصالحة الأميركية والإسرائيلية متكاملة.

قامت «جي ستريت»، مبتعدة عن توجه الأيباك الصقوري، بإنشاء شبكة صلبة من القوة اليهودية الناعمة في واشنطن، تروج لمصالح تساند «إسرائيل» والفلسطينيين والأميركيين تؤدي إلى فوز الجميع. قامت «جي ستريت» عندما أطلقت «إسرائيل» هجمتها العسكرية ضد حماس في غزة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بإرسال رسالة ملفتة للنظر.

«لا يملك لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون هيمنة على الصح والخطأ. ففي الوقت الذي لا يوجد فيه أي أمر «صحيح» عند إطلاق الصواريخ بكثافة على الأسر الإسرائيلية، أو إرسال مفجّرين انتحاريين، لا يوجد كذلك ما هو صحيح في معاقبة مليون ونصف المليون من الغزّاويين الذين يعانون أصلا، لأعمال المتطرفين بينهم»، حسب قول دانييل تريمان.

بالمثل يقوم فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين بتطوير عملية استقطاب في مجال التسوية خاصة به على تلة الكابيتول والوصول إلى البيت الأبيض.

اسمعوا ما قاله الدكتور عسلي:

«يعود الأمر لكلا الشعبين ليقررا ما إذا كانا سيسمحان لنفسيهما أن تقودهما أجندات المتطرفين، أو متابعة ما هو في مصلحتهما الوطنية بشكل واضح. يتوجّب على تعدياتهم ضد بعضهم بعضا، الحقيقية والوهمية، أن تترك المجال للاعتراف بأن الإسرائيليين والفلسطينيين يحتاجون بوضوح الآن للشيء نفسه: نهاية للنزاع يرتكز على حل الدولتين».

يربط التفكير الإبداعي الفلسطينيين واليهود التقدميين معا. يمارس كل من «جي ستريت» وفريق العمل الأميركي من أجل فلسطين النقد الذاتي واحترام الندّ. تستمد كل من المنظمتين التشجيع من أوباما وتتأثر به، وتؤمن كل منهما بقدرة الولايات المتحدة على أن تكون صانع سلام صادق.

يعتبر الاعتدال ردا على الواقع الذي لا يمكن استدامته على كلا الجانبين في النزاع العربي الإسرائيلي. يشعر العديد من الفلسطينيين باليأس نتيجة لاحتلال مستمر وتوسّع في المستوطنات الإسرائيلية وجدار فصل مؤلم.

يتوق التقدميون الفلسطينيون للتأكيد لليهود إنهم يساندون أمن «إسرائيل». عند وضع ذلك بصورة صحيحة واضحة فإن صدى هذه الرسالة الفلسطينية يُسمَع بشكل جيد في قطاع واسع من الجالية اليهودية في كل من «إسرائيل» وأميركا.

تتأثر «جي ستريت» بصحوة الجالية الأميركية اليهودية لنتائج الاحتلال، ونظام إسرائيلي محرّض وديموغرافية فلسطينية وسياسة أميركية جديدة وصورة ملطّخة لتل أبيب.

يتطلب أمن «إسرائيل»، في نموذج «جي ستريت»، وضع حد للاحتلال. هناك وعي بالقدرة الطبيعية للمحتل للتسبب بالأذى للطرف الواقع تحت الاحتلال. يدرك جزء متنامٍ من الجالية اليهودية أن اليهود المعتدلين لهم شركاء بين الفلسطينيين ذوي العقلية المتماثلة.

يجب أن يشكّل تعاون «جي ستريت» مع فريق العمل الأميركي نموذجا لتسوية عربية يهودية أكثر اتساعا، إذا تسنى للسلام أن يصبح واقعا في يوم من الأيام.

يتواجد العرب واليهود الأميركيون في موقف فريد لكسر المعايير، فهم يعيشون في جو اجتماعي يسمح لهم بإدراك قيمة الشراكة عبر الخط الفاصل.

عندما يصبح العرب واليهود معتادين على النقد الذاتي فسوف يصبحون في طريقهم نحو حل النزاع.

لقد أثبتت كل من «جي ستريت» وفريق العمل الأميركي صدقهما وجرأتهما، وهما ميزتان نادرتان في سياسة الشرق الأوسط. أمام كل منهما طريق طويل ليصبحا من التيار الرئيسي.

العدد 2618 - الخميس 05 نوفمبر 2009م الموافق 18 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً