بعد ثلاثة أشهر من عرضه وفوزه باحدى الجوائز في دورة هذا العام لمهرجان «كان» السينمائي بدأ في الكثير من المدن الأوروبية، ومن بينها باريس، العرض التجاري في الصالات لفيلم «الخامسة عصرا» للمخرجة الايرانية الشابة سميرة مخملباف (32 سنة) ابنة المخرج المخضرم محسن مخملباف.
وهذا الفيلم - الذي كتبه الأب وأشرف ايضا على اخراجه على رغم انه يحمل توقيع الابنة - هو الثالث الذي يعرض باسمها بعد «التفاحة» و«اللوح الاسود» ومن المعروف ان المخرج الايراني مخملباف قد حوّل كل اسرته الى مؤسسة سينمائية كاملة مستفيدا من دعم وتمويل يأتيانه من أوروبا ما يجعل سينماه وسينما مؤسسته العائلية أكثر تنويعا وانفتاحا على خارج إيران.
والطريف ان ابنة ثانية لمحسن عمرها 41 سنة هذه المرة، حملت اسمها لفيلم عرض في مهرجان لوكارنو أخيرا لتصبح هذه الطفلة العضو الرابع في مؤسسة تضم الاب وابنته سميرة وزوجته مرزية التي عرض لها العام الماضي فيلمها الاول «يوم أصبحت امرأة».
والسؤال اليوم هو: ما القيمة الحقيقية لافلام هذه العائلة؟ وكيف يمكن معرفة دور كل واحد من افرادها في كل فيلم يحمل اسم واحد منهم؟
ان السؤال يطرح نفسه اليوم اكثر وأكثر انطلاقا من واقع ان سميرة على سبيل المثال، حين ترتاد المهرجانات وتضطر الى الحديث عن أفلامها، لا تبدد في حديثها على مستوى أفلامها. بل ثمة من النقّاد من يرى أن ثمة كثيرا من المغالاة في تقدير هذه الافلام، وان الجوائز الكثيرة التي تعطى لها، لا يبدو انها مبررة الا سياسيا لتشجيع هذه الانثى الايرانية وتسجيل نقاط ضد طهران. قد يكون هذا صحيحا وقد لا يكون.
وفي جميع الاحوال تؤكد ان نظرة ثانية الى «التفاحة» أو «اللوح الاسود» أو حتى «الخامسة عصرا» تدفع الى القول بأن سميرة مخملباف ليست سينمائية، في مستوى عباس كيار وستامي أو جعفر باناجي من المخرجين الايرانيين الرجال ولا في مستوى وكشان بني اعتماد أو تهمينه ميلاني من بين المخرجات الايرانيات النساء. وهذا ما يبرر للذين يرون مبالغة في الحديث عن سميرة مخملباف رأيهم. وما الفيلم الأخير وما ناله من رد فعل سوى برهان على هذا.
سميرة: محمول كوني
فيلم «الخامسة عصرا» كان قد استقبل جيدا في «كان» وخصوصا ان موضوعه المرأة الافغانية بعد زوال نظام طالبان اذ انه يتابع حياة وأحلام صبية افغانية ترى انه يحق لها الآن ان تحلم بعد زوال الكابوس بأن تصبح رئيسة جمهورية لبلادها. والحقيقة ان هذه الفكرة هي كل شيء في الفيلم، اذ انه يدور حولها لا يبارحها ولا يضيف اليها جديدا، بحيث يبدو الفيلم مملا في نهاية الامر. وهذا العمل الذي لم يثر أحدا في الحديث عنه عندما عرض في «كان» صار جزءا اساسيا من الكلام عن الفيلم الآن، اذ يعرض على الجمهور العريض من دون ان يلقى الرواج الذي كان «متوقعا» له. صحيح ان هذا الاخفاق ربما يعود الى تضاؤل الاهتمام الأوروبي بما يحدث في أفغانستان وللمرأة الافغانية مقارنة بما يحصل في العراق، ولكن الا يؤكد هذا الاستنتاج واقع ان الاهتمام بالفيلم لم يأت من قيمته الفنية أو طرافته أو جدية موضوعه. بل من المثار حوله، ومن التعاطف مع صبى مخرجته؟
مهما كان الجواب فإن على الهواة انتظار تحقيق سميرة مخملباف لفيلم مقبل، يكف عن الاستفادة من الظرف السياسي، ومن مبدأ التعاطف معها كصبية ايرانية «مشاكسة» قبل الحكم عليها فنيا.
وفي انتظار ذلك قد يكون من المفيد أن نستمع إلى سميرة نفسها اذ تتحدث عن فيلمها وكيف ولدت فكرته تقول: «في البداية كنت اريد ان اكتشف افغانستان، خارج اطار الكليشيهات التي راجت في اجهزة الاعلام بعد 11 سبتمبر/ ايلول 1002. ولتصوير هذا البلد كان يجب اول الامر الغرق فيه والوصول الى جذوره ومنابعه وتفحص ما يقوله وما يعيشه رجاله ونساؤه واطفاله».
وتضيف سميرة انها بدأت تصوير الفيلم من دون سيناريو «اذ كل شيء هناك، ميدانيا... ولم اكن اريد ان اخترع شيئا.. من هنا أقول ان معظم مشاهد الفيلم مشاهد حدثت في الحقيقة والحوارات منبثقة عما سمعته بنفسي من الناس... ومن هنا كان التحضير للفيلم طويلا على عكس التصوير الذي لم يستغرق سوى فترة يسيرة من الزمن. لقد كان عليّ ان اقنع كثيرا من الناس بأن يصبحوا ممثلين ولو خلال مدة تصوير الفيلم لا أكثر. في البداية كانوا يخشون الكاميرا... لكنهم بالتدريج تعودوا عليها».
واذ تسأل سميرة عما اذا كانت من خلال فيلمها «الافغاني» هذا ارادت مواربة ان تتحدث ايضا عن ايران تجيب: «ابدا... انا لم اذهب الى أفغانستان لكي اتحدث عن إيران... ومع هذا أرى ان ما يتحدث عنه الفيلم يخص الكثير من بلدان المنطقة. ان له محمولا كونيا كما اعتقد».
العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ