كانت تنتقد إقصاء الإسلاميات في مصر وتصف ذلك الإقصاء بـ «المساحة المشتركة» بين الدول العربية، وحين تحدثت عن الجمعيات النسائية لم تتردد في قول إن الدولة تدعم وتشجع الجمعيات العلمانية ولا تسمح للإسلاميات بإنشاء جمعيات خاصة بهن بحجة أن ذلك دعوة إلى التطرف، وبينما أشادت بالمستوى العلمي الفقهي والإسلامي الذي وصلت إليه خريجات جامعة الأزهر لم تجد في الساحة المصرية الحكومية والإسلامية معا الاستفادة الصحيحة من هذه الكوادر المتعلمة، منتقدة بذلك عدم تنظيم الإسلاميين لصفوفهم في الساحة بينما الآخرون أكثر تنظيما، وما فتأت إلا أن انتقدت جانبا من الصحافة المصرية لانحيازه ضد الفكر الإسلامي.
هي أستاذ ورئيس قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر في القاهرة، الحائزة على الدكتوراه في الفقه المقارن سعاد إبراهيم صالح، وقد تحدثت إلى «الوسط» عن الكثير من المحاور.
في ضوء تجربتكم في جامعة الأزهر الشريف، كيف يمكن للمرأة المسلمة المتعلمة فقهيا أن تسهم في إغناء الساحة الفقهية الإسلامية؟ وما رأيك فيما يثار حول أن تصبح المرأة مجتهدة أو فقيهة؟
- بداية أود القول إن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة في جانب الاجتهاد، فالله سبحانه وتعالى يقول «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة - 17)، وقد كان الرسول الأعظم (ص) يحيل بعض المسائل الخاصة بالمرأة إلى السيدة عائشة (رض)، كما أن سيدنا عمر بن الخطاب (رض) استشار ابنته حفصة في أمور بيتية كالمدة التي تستطيع فيها الزوجة الابتعاد عن زوجها.
وإنني أعتقد بأن ذلك الفعل من النبي (ص) والصحابة يعد إقرارا منهم لأهلية المرأة في الاجتهاد والإفتاء، وقد قمت بعمل بحث حول (المرأة والإفتاء) وقد تبين لي من خلاله أنه انعقد إجماع الأمة من محدثين ومفسرين وأصوليين وفقهاء على أن الذكورة ليست شرطا في المجتهد طالما وصل إلى درجة العلم والدراية والأمانة، فلا فرق بين الرجل والمرأة في كل ذلك.
المرأة في جامعة الأزهر
إن جامعة الأزهر وعلى رغم أنها فتحت أبوابها للنساء للالتحاق بها والتخصص الدقيق في كلياتها الشرعية من فقه وأصول وفقه مقارن وتفسير وعقيدة... وغير ذلك، فإنه وبكل أسف لا توجد استفادة من هؤلاء النساء بعد تخرجهن، ولا يوجد تشجيع لهن بدليل أنه حين ينعقد مؤتمر ما في جامعة الأزهر نفسها لا تدعى إليه المرأة، ولهذا خصصت شكرا خاصا للبحرين لدعوتها إلينا - كأستاذات متخصصات - في مؤتمر التقريب بين المذاهب (الذي انعقد في المنامة أخيرا).
إننا لا نجد مثل هذا التقدير في بلادنا، وقد يكون لذلك سبب فرعي آخر يرجع إلى المرأة نفسها، إذ ان الكثيرات منهن والأستاذات الحاصلات على درجة الدكتوراه لا يجدن في أنفسهن الاستعداد للمواجهة عن طريق ندوة علمية أو لقاء صحافي أو لقاء إذاعي أو لقاء تلفزيوني، فهن يحصرن ما توصلن إليه من علم في إلقاء المحاضرات فقط، ثما يذهبن إلى بيوتهن ليتحولن إلى زوجات وأمهات.
وقد وفقني الله سبحانه بفضله إلى هذا الاستعداد، ووجدت أن من واجبي الديني ومن واجبي تجاه بنات جنسي أن أكون فقيهة لهن لأبين لهن الأمور الخاصة بهن والتي يشعرن بالحرج والحياء حين يسألن عنها الرجل.
المرأة والعمل الإسلامي في مصر
كيف تصفين العمل الإسلامي للمرأة في مصر، وما هو دورها في المجتمع المدني والجمعيات النسائية؟ خصوصا في ظل وجود هذه الخريجات من جامعة الأزهر اللاتي يطمح المجتمع المصري إلى الاستفادة منهن؟
- إن الجمعيات النسائية في مصر - وللأسف - كلها ذات فكر علماني وتشجعها الدولة وتغذيها، وعلى رغم ذلك لا أرى أن الدولة هي المسئولة الوحيدة عن ذلك، بل انني أعتقد بأننا كممثلين للفكر الإسلامي مسئولون عن ذلك أيضا، فنحن ضائعون في الساحة، ولسنا منظمين مثل ممثلي الفكر العلماني.
إن وزارة الثقافة في مصر حين تقيم مؤتمرا ما أو احتفالا ما كاحتفال ذكرى قاسم أمين وتحرير المرأة، فهذا المؤتمر لا تدعى إليه أية أستاذة إسلامية، وإنما تدعى إليه جميع العلمانيات من مختلف أنحاء البلاد، وحين أعلم شخصيا بهذا المؤتمر أذهب إلى الاشتراك فيه، وفي إحدى المرات واجهني جهاز الأمن المصري لذلك، فالمسألة هي ألا يعلو صوت فوق ذلك الصوت، لأن الصوت الديني - بكل أسف - وخصوصا في جمعيات المجتمع المدني لدينا هو صوت خفي.
ألا يسمح لكنّ - كإسلاميات - في مصر بإنشاء جمعيات نسائية إسلامية مستقلة؟
- لا، لا يسمح لنا بإنشاء جمعياتنا الخاصة.
لماذا؟
- لأن ذلك يعد من باب الدعوة إلى التطرف.
الكتابات عن المرأة
ما رأيك في آخر الكتابات النسوية التي كتبت في المرأة؟
- لقد قرأت مرارا لنوال السعداوي في مصر، وكلنا يعلم أن كتاباتها تتسم بالإباحية المطلقة، وتميل دائما إلى إثارة القضايا الجنسية، سواء في جانب الرجل أو المرأة، وهي لا تتهجم على الأحكام الإسلامية الخاصة بالمرأة فحسب بل تتعدى على الأحكام الإسلامية المتعلقة بالرجل أيضا.
ما آلية الرد لديكم على مثل هذه الكتابات؟
- إن الردود تقتصر عادة على الكتابة في الصحف، فحين طالبت الكاتبة إقبال بركة بخلع الحجاب في كتاب «رؤية عصرية للحجاب»، كتبت مقالا للرد على مقال لها في صحيفة «الأهرام» فطلبت من الصحيفة نشره وبكل أسف لم تنشره، ومن ثم نشر في صحيفة «الوفد» ولكن ليس بالقيمة نفسها لو تم نشره في «الأهرام» لأن مقال الكاتبة نشر فيها، في حين نشرت «الأهرام» المسألة بصورة فتوى لي وليس ردا.
إنني أرى وجود خطوط حمراء للإسلاميين لا يراد لهم أن يتجاوزوها، وبذلك أنظر إلى دوري في هذا المجال بأنه دور جهاد، ويدعمني في ذلك بعد الله سبحانه زوجي الذي يعمل في المجال الإعلامي الديني أيضا.
ينقل لنا الإعلام المصري صورة أخرى عن المرأة المصرية كما تظهرها الأفلام والمسلسلات، كيف تنقلين لنا صورة القطاع النسوي الأكبر في مصر؟
- لا شك في أن الساحة المصرية بها عدة تيارات مختلفة للمرأة المصرية، غير أن الصورة التي تغلب على الإعلام هي الصورة المبتذلة والإباحية التي تتاجر بجسد المرأة عن طريق الإعلانات أو الأفلام والمسلسلات وغيرها، غير أن المرأة المصرية في المجتمع المصري تتعدد أدوراها ولا نستطيع أن ننكر هذا الدور حتى وإن كان خافتا ولم يسلط عليه الضوء إعلاميا.
لاطائفية في مصر
في جهة أخرى، هل يوجد حس طائفي في مصر بوجود سنة وشيعة؟
- على رغم أن الشيعة نبتوا في مصر فإنهم قلة فيها اليوم والغالبية تتبع المذهب الشافعي، والشيعة في مصر لهم محافلهم الخاصة، وأنا أرى أن من واجبنا أن نجذب الشيعة ونتناقش معهم.
ما رأيك في المقولة (المصري سني في العقل شيعي في القلب) وذلك لحبه أهل البيت (ع)؟
- نعم هذا صحيح، خصوصا مع وجود مقامي الإمام الحسين والسيدة زينب في مصر، إذ لهما مكانة خاصة في قلوبنا، وقد جبل المصريون على حب أهل البيت، وهي مساحة مشتركة واسعة بيننا وبين الشيعة، فأهل البيت ليسوا مختصين بالشيعة فقط.
إنني أحترم كثيرا مذهب الشيعة ومعتقداتهم، وإن كان بينهم بعض المغالين، ولكن لا يجب أن نحكم عليهم جميعا بهذه المغالاة أو التطرف والتشدد، وحتى لو كان بينهم طوائف شاذة فنحن بحاجة إلى مناقشتهم ومحاورتهم والسماع لفكرهم بالتي هي أحسن.
«الأحوال الشخصية» البحريني
في البحرين، اختلفت الساحة الإسلامية بين مؤيد لعرض مشروع قانون للأحوال الشخصية على مجلس النواب، فيما عارض آخرون ذلك بحجة أن النواب غير متخصصين وينبغي أن يقر القانون من قبل العلماء فقط، ما رأيك في هذا الأمر؟
- أرى أن مشروع قانون الأحوال الشخصية هذا ينبغي أن يعرض على المجاميع الفقهية لديكم، وإذا نال موافقتها فلا داعي أبدا إلى عرضه على المجلس التشريعي، فعلماء وفقهاء الأمة هم المسئولون عن هذا القانون، على أن يكونوا من السنة والشيعة معا.
هناك إشكالية، وهي كيف يمكن لهذا القانون أن يكون رسميا في نظام المملكة ولم يعرض على البرلمان؟
- حين توافق المجاميع الفقهية على القانون، يقره جلالة الملك ويحل الإشكال (ولا حاجة إلى عرضه على البرلمان في هذه الحال).
وكيف ترين آلية تعديل القانون فيما بعد؟
- كل قانون من وضع البشر يمكن تعديله، ولذلك فإن هذا القانون يتم إرجاعه مرة أخرى إلى المجاميع الفقهية لتعديله وتعاد الآلية نفسها التي ذكرتها.
ماذا عن تجربة قانون الأحوال الشخصية لديكم في مصر؟
- لدينا في مصر قانون للأحوال الشخصية أيضا، وفعلا - للأسف الشديد - عرض على مجلس الشعب وأعضائه غير المتخصصين وقد ناقشوا القانون، وكانت من بين مواده مادة تجيز للمرأة أن تسافر من دون إذن زوجها، وأحدثت هذه المادة جدالا واسعا في مصر وكانت الجمعيات النسائية (العلمانية) تصر على تمرير هذه المادة، فيما قال أعضاء مجلس الشعب إن هذه المادة مخالفة للشريعة الإسلامية وأقر ذلك رئيس الجمهورية، ولم يتم تمريرها.
الإقصاء لغة من؟!
«هي ليست فرنسا وليست تركيا»... إنها بلاد ولد فيها الإسلام وترعرع على يديها زمنا كانت فيه خديجة بنت خويلد عنصرا رئيسيا في حفظ رسالة السماء، هي البلاد العربية التي لا تنمو وسط أراضيها اليوم فكرة تحمل «أسلمة» حتى تبرز لغة الإقصاء على أشدها، وكأن النور لا يأتي إلا من جهة الغرب، ويبقى الإسلاميون نهجا من دون حق في تأسيس مجتمع أهلي قوي فاعل يجتذب عناصر القوة في الحركة والدعوة.
الحركات الإسلامية أيضا مطالبة بالإيمان بوجود الآخر وعدم إلغائه بل ان قوة الفكر لا تبرز إلا من خلال محاورة فكر الآخرين،ويل غير أن الظروف المحيطة آنذاك وحتى قبل إلغاء قانون أمن الدولة، تركزت المنح الحكومية لإنشاء المؤسسات والهيئات والجمعيات النسائية على فئات معينة من القطاع النسوي، لا ترتضي هي قبل غيرها وصفها بـ «الإسلامية»، بل هي قائدة لدعوات تحرر المرأة في ال•ويل غير أن الظروف المحيطة آنذاك وحتى قبل إلغاء قانون أمن الدولة، تركزت المنح الحكومية لإنشاء المؤسسات والهيئات والجمعيات النسائية على فئات معينة من القطاع النسوي، لا ترتضي هي قبل غيرها وصفها بـ «الإسلامية»، بل هي قائدة لدعوات تحرر المرأة في ال•خلف نتيجة لفهم إسلامي معين تحاصره العادات والتقاليد في سجن لا يمكنه الخروج منه إلا بمثل هذا التمرد بحسب رؤية التائقين إليه.
لهذا كان لإقصاء المرأة الإسلامية عن ساحة الجمعيات النسائية أثر بالغ الوضوح في خلق رؤية تضخمت ذاتها فأصبحت الحاكمة الخلف نتيجة لفهم إسلامي معين تحاصره العادات والتقاليد في سجن لا يمكنه الخروج منه إلا بمثل هذا التمرد بحسب رؤية التائقين إليه.
لهذا كان لإقصاء المرأة الإسلامية عن ساحة الجمعيات النسائية أثر بالغ الوضوح في خلق رؤية تضخمت ذاتها فأصبحت الحاكمة ال الدور وهكذا بدت الصورة في البحرين من قبل بدء عهد الإصلاحات، وإلى جانب العامل الحكومي الذي أسهم بشكل كبير في تغييب دور المرأة الإسلامية عن الساحة المؤسساتية، يبدو المجتمع مسئولا بدرجة كبيرة عن مستوى وعي المرأة بالعمل المؤسسي الثقافي والاجتماع الدور وهكذا بدت الصورة في البحرين من قبل بدء عهد الإصلاحات، وإلى جانب العامل الحكومي الذي أسهم بشكل كبير في تغييب دور المرأة الإسلامية عن الساحة المؤسساتية، يبدو المجتمع مسئولا بدرجة كبيرة عن مستوى وعي المرأة بالعمل المؤسسي الثقافي والاجتماعليد مهما كانت متطابقة أو مخالفة للنهج الإسلامي والمصلحة الإسلامية أو دعوات التجديد المتزنة والمستندة على أفق إسلامي واع.
ولعل العامل الحكومي تقلص بشكل كبير حين سمح إلى القطاع النسائي الإسلامي بتمثيل نفسه في الساحة عبر جمعيات ولجان نسائية متعليد مهما كانت متطابقة أو مخالفة للنهج الإسلامي والمصلحة الإسلامية أو دعوات التجديد المتزنة والمستندة على أفق إسلامي واع.
ولعل العامل الحكومي تقلص بشكل كبير حين سمح إلى القطاع النسائي الإسلامي بتمثيل نفسه في الساحة عبر جمعيات ولجان نسائية متعغليب الكثير من العادات والتقاليد على الرؤى الإسلامية التجديدية المقرة من قبل منظومة المفاهيم والقيم الإسلامية قبل أن يكون لمنظومة الأعراف دور في رفضها.
بينما يبرز التحدي من جهة الأخرى للجهات التي منحت الفرصة طول فترات إقصاء الحركات النسوية الإسلاميغليب الكثير من العادات والتقاليد على الرؤى الإسلامية التجديدية المقرة من قبل منظومة المفاهيم والقيم الإسلامية قبل أن يكون لمنظومة الأعراف دور في رفضها.
بينما يبرز التحدي من جهة الأخرى للجهات التي منحت الفرصة طول فترات إقصاء الحركات النسوية الإسلاميلمرأة البحرينية مفتوحة ومنفتحة على كل أطياف المرأة البحرينية، قبل أن يتحول الحديث عن إقصاء المرأة المصرية الإسلامية عن الساحة إلى إقصاء للمرأة ذات التوجه الإسلامي هنا، وكأننا نعيد كراة قانون أمن الدولة على يد هيئات نسائية لا ترى غيرها في ال•لمرأة البحرينية مفتوحة ومنفتحة على كل أطياف المرأة البحرينية، قبل أن يتحول الحديث عن إقصاء المرأة المصرية الإسلامية عن الساحة إلى إقصاء للمرأة ذات التوجه الإسلامي هنا، وكأننا نعيد كراة قانون أمن الدولة على يد هيئات نسائية لا ترى غيرها في الساحة!
العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ