«جد الحاج» أو كما يسميها أهاليها بـ «القرية المنسية»، تقبع على الساحل الشمالي للمحافظة الشمالية، وبينما تحيطها مياه البحر من الشمال تلفها الأشجار الباسقات والبساتين الخضراء عند مدخلها الوحيد الذي يقع في جنوبها، فتكون بذلك في معزل عن الأنظار، وربما من هنا جاءت تسميتها بالقرية المنسية.
جد الحاج مثلها مثل معظم قرى المحافظة الشمالية، يعيش أهلها العذاب في كل غصة، ويتجرعون مرارة الفقر، تطاردهم الديون، وتثقل كاهلهم القروض، وإن كانت هناك مساحة مشرقة في كل رقعة من هذا الوطن، بيد أن ذلك لا يمنع أن نلفت الأنظار إلى نقص ما أو معاناة في أية رقعة هنا أو هناك.
«الوسط» تجولت في أزقة وطرقات جد الحاج والتقت مع أهلها لتتلمس المشكلات التي يعانون منها في محاولة لرصد الوضع الإنساني هناك...
كلمة «جد» تعني ذهب ومضى، أما «الحاج» فيقصد بها حجاج بيت الله الحرام، وترجع التسمية إلى ما قبل بناء جسر الملك فهد، حيث كان حجاج بيت الله الحرام الذين يغادرون البحرين إلى إذ عن طريق البحر، وقد كانت سفنهم ترسوا على مقربة من جد الحاج، لذلك كانت هذه القرية ولفترة من الزمن معبرا رئيسيا للحجاج، ومن هنا اطلق عليها «جد الحاج».
هذا ما حدثنا به عبدالحسين حميد (55 عاما) عن سبب تسمية «جد الحاج» بهذا الاسم.
يوجد في جد الحاج مسجد واحد، وهو صغير لا يستطيع استيعاب أعداد المصلين، كما أن مرافقه التي تتمثل في حمامين صغيرين لا تتناسب مع تطور الحياة في البحرين، إلى جانب ذلك يوجد مأتم للرجال تغطي أرضيته الحصير ويحتاج إلى إعادة بناء مرة أخرى.
منزل ضاق ذرعا
تعتبر مشكلة الإسكان الهم الأول في قائمة معاناة جدالحاج، البداية كانت مع أمير حميد (موظف في وزارة الصحة) يسكن مع أهله في منزل يضيق ذرعا من عدد الساكنين فيه الذين فاق عددهم 15 فردا، وقد استأجر الصندوق الخيري للقرية غرفة من منزله لتجهيزها مقرا للصندوق.
يقول أمير: «مشكلة الإسكان هي المشكلة الأساسية التي تؤرق الكثير من أهالي جد الحاج، فمعظم الأهالي من أصحاب الدخل المحدود، ويعيشون تحت خط الفقر، فالمنازل قديمة وآيلة للسقوط وضيقة ولا تتوافر فيها أبسط مواصفات السلامة».
ولم ينسَ أمير القسائم السكنية، إذ يقول: «هناك اكثر من 60 طلبا من القسائم السكنية موجودة في وزارة الإسكان منذ اكثر من 10 سنوات، على رغم ذلك توجد الكثير من الأراضي المملوكة للتجار وخصوصا الأراضي الواقعة عند مدخل القرية (...) لقد وعد سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة خلال زيارته لجد الحاج بحل المشكلات التي تعاني منها القرية مثل الإسكان والمجاري والبطالة وغيرها من الأمور، وبعد هذه الزيارة قام الأهالي بمراجعة وزارة الإسكان غير انه لم يتم تحريك الموضوع وكأن شيئا لم يكن».
جولة في الداخل
صعوبة المعيشة ومرارة الفقر الذي يحدق بأهالي جد الحاج جعلهم يتمسكون بأية قشة بحثا عن الرزق الحلال، وخلال جولتنا مررنا برجلين كانا يقومان بقطع جريد النخل من أجل بيعه البحارة، حسن علي (45عاما) موظف حكومي يسكن في منزل والده مع 14 فردا من العائلة، وتساعده هذه المهنة (بيع الجريد) على توفير المال لجلب الحاجات الأساسية من الطعام والشراب لعائلته.
مساعده في هذه المهنة ميرزا محمد (38 عاما) متقاعد من البلدية ويعيل ثمانية أفراد ويسكن مع والديه وأخوته، تقدم بطلب للإسكان منذ 10 سنوات للحصول على قطعة ولم يحصل على رد حتى الآن.
في قرية جد الحاج تعد مناظر البيوت المبنية من الطين من الأمور الاعتيادية والمألوفة عند أهالي القرية، قمنا بزيارة لأحد هذه البيوت، طرقنا الباب فاستقبلتنا صاحبة المنزل بالحفاوة والترحيب وهي امرأة كبيرة في السن يتضح من ملامحها أن الدهر أخذ منها الكثير، دعتنا إلى مشاهدة الوضع الذي تعيش فيه، ثلاث غرف متهالكة أشبه بالأبنية الأثرية ومطبخ أشبه بالأفران التي تستخدم لعمل الفخاريات.
أوقفوا المساعدات
تقول صاحبة المنزل م، أ: «أعيش في هذا المنزل لوحدي، لدي ولدان متزوجان ويسكنان خارج القرية، ولا أحد يعيلني، كانت «الشئون» تدفع لي مبلغ 90 دينارا في الشهر، ولكنهم أوقفوها الآن».
ولم تستطع أن توقف دموعها التي انسابت على خديها حرقة على قسوة الحياة: «تعرض منزلي للسرقة لثلاث مرات، على رغم أني لا أملك ما يطمع فيه السارق (...) يأكلني المرض ولا أستطيع الذهاب إلى المستشفى لأني لا أملك النقود، إلى متى سأظل في هذا الوضع».
في تجول «الوسط» في جد الحاج التقينا بأحد الرجال الذين يعيشون مآساة بشرية في القرية، فقساوة الحياة أجبرته بأن يسكن مع 10 أفراد من عائلته في غرفة واحد، يروي جمعة ميرزا (36 عاما) حكايته: «نسكن في منزل والد زوجتي وهو منزل متهالك يغرق بمياه الأمطار في فصل الشتاء، ونمتلك غرفتين في المنزل، احداهما نستخدمها لتخزين الأغراض، أما الأخرى فأنام فيها مع زوجتي وأبنائي التسعة (...) أعمل في سوق السمك والمدخول الذي أحصل عليه بالكاد يكفيني لتلبية الحاجات الأساسية لعائلتي، وأعاني من داء البكتيريا في البطن ولا أمتلك النقود من أجل تلقي العلاج في المستشفى».
الوعد والأرض المنتظرة
تقدم جمعة بطلب لوزارة الإسكان في بداية التسعينات من أجل الحصول على قطعة أرض لكن الرد لم يأت له حتى الآن، وقد قام بمخاطبة سمو ولي العهد أثناء زيارته لجد الحاج وأطلعه على الوضع الصعب الذي يعيشه مع عائلته، يقول جمعة: «وعدت أن تكون لي قطعة أرض من ضمن الأراضي المطلة على البحر، بعثنا الكثير من الرسائل إلى الديوان غير أننا لم نحصل على رد».
ويناشد جمعة المسئولين في وزارة الإسكان وممثل المنطقة في المجلس البلدي بضرورة التدخل من أجل إيجاد حل للمأساة التي يعيشها مع عائلته.
جمعة ليس الوحيد في قائمة المآسي التي تعيشها جدالحاج فهناك الكثيرون من أمثاله، فيصل جمعة (25 عاما) متزوج وله ولد وبنت، يسكن مع 27 فردا في بيت والده، تقدم بطلب إلى الإسكان ولكن المسئولين بالوزارة طلبوا منه المراجعة بعد 12 عاما.
وكانت لعبد الرسول مهدي (30 عاما) مداخلة قال فيها: «أنا عاطل عن العمل، متزوج وأعيش في منزل والدي الذي يضم 14 فردا من العائلة يتوزعون على 6 غرف».
علي فردان (59 عاما) هو الآخر يعاني من مشكلة الإسكان فهو متقاعد عن العمل ويسكن مع أخيه في منزل من أربع غرف يلم 14 فردا قدم طلبا للإسكان للحصول على أرض وخاطب ولي العهد أثناء زيارته غير أن معاناته مستمرة إلى الآن... وتطول القائمة ولا تنتهي معاناة الأهالي.
البيوت نوعان
عن الوضع الإسكاني في جد الحاج يقول إداري الصندوق الخيري بجد الحاج مهدي علي: «قضية الإسكان في جد الحاج تنقسم إلى قسمين، فهناك بيوت آيلة للسقوط، وبيوت تحتاج إلى إضافة مرافق لها، بالنسبة إلى مشكلة البيوت الآيلة للسقوط خطابنا عددا من الوجهاء وأبدوا استعدادهم للمساعدة، كذلك تقدم الصندوق بطلبات إلى وزارة الإسكان منذ العام 1989، فهناك أكثر من 50 طلبا في الوزارة، وعقدنا أكثر من ثلاثة لقاءات مع وزير الإسكان وعدة مسئولين في الوزارة، ولكن لم نحصل منهم على أية نتيجة».
وعن زيارة سمو ولي العهد يقول مهدي: «زيارة سمو ولي العهد إلى جد الحاج حركت الوضع، فقد وعد سموه أهالي القرية بأن الأراضي المطلة على البحر الواقعة في شمال القرية ستكون من نصيبهم، وتعهد بتحريك الموضوع من خلال لجنة الإسكان والاعمار بصفته رئيسا لها، وبعد الزيارة رفعنا رسالة إلى رئيس المجلس البلدي بالمحافظة الشمالية سيد مجيد سيدعلي وإلى ممثل منطقة جد الحاج في المجلس جمعة الأسود من أجل تحريك الوضع بشكل أكبر، لكن تغيير تشكيل لجنة الإسكان والإعمار جعل الوضع عالقا».
وأوضح مهدي ان انعدام الدعم المادي للصندوق، يؤدي إلى عجزه عن مساعدة الأهالي وتقديم العون لهم.
ضعف البنية التحتية
«الوسط» عرضت المشكلة على ممثل المنطقة في المجلس البلدي جمعة الأسود، الذي قال: «تعاني جد الحاج من ضعف البنية التحتية (الإسكان، الشوارع، الإنارة... الخ)، الجزء القديم من القرية (الجزء الجنوبي) يحتاج إلى إعادة تخطيط مرة أخرى، أما الجزء الشمالي فهو أحدث قليلا».
ويواصل: «بالنسبة إلى مشكلة المجاري فقد تم التنسيق مع الشركة المتخصصة من أجل إيجاد حل لها (...) زيارة سمو ولي العهد للقرية لم تأخذ الطابع الرسمي المعهود، فسموه أراد أن يطلع عن كثب على الوضع المعيشي في عدد من القرى ومنها جدالحاج، وقام أهالي القرية بإطلاع سمو ولي العهد على المشكلات التي يعانون منها، وأكد سموه أن الأرض الواقعة في شرقي القرية، ستكون من حق الأهالي، وبعد هذه الزيارة تم رفع ملف كامل عن المشكلة إلى لجنة الإسكان والاعمار».
وختم الأسود حديثه: «جد الحاج تحتاج إلى إعادة تخطيط مرة أخرى، كذلك لابد من إيجاد حل لمسجد القرية الصغير، بالإضافة إلى حاجة القرية إلى فتح مدخل جديد لها».
وفي ظل قلة الخدمات والبطالة والبيوت المكتظة بالسكان والألم والعوز الذي تعيشه جد الحاج، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل ستبقى جد الحاج «القرية المنسية» أم سيتذكرها المسئولون؟
العدد 345 - السبت 16 أغسطس 2003م الموافق 17 جمادى الآخرة 1424هـ