العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ

المشهد الشبابي أزمة من في الوطن؟

بني جمرة - عبدالأمير داوود 

17 أغسطس 2003

هل يقف القلم الإسلامي والعربي طويلا على طاولة تفكيك وتشطير الحوادث حتى يمكنه أن يسهم في تشخيص الأمراض التاريخية التي مازالت تنخر في جسمه بعد تجدد سخونة الحوارات في فضاءات المسألة الثقافية والسياسية والأخلاقية والفكرية والإعلامية فيه؟ الإشكالات كثيرة ومتنوعة وعميقة، فمنها ما يتصل بالهوية الإسلامية، ومنها ما يتعلق بالمؤامرات الدولية على المنطقة، ومنها ما يتعلق بالأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، ومنها ما يتعلق بالغزو الأخلاقي المنظم للشباب.

أما الإشكالية الأولى فهي أنظمة الحكم في الوطن العربي التي تفتقد إلى الديمقراطية وألف باء حقوق الإنسان، وإن لاح في الأفق بصيص من هوامش الحرية فإنها ديكورات وشكليات تتجمل بها أمام المنظمات الحقوقية، متجاوزة حق الشعوب في المشاركة الحضارية عبر عدة أشكال من السلب. فسلبها لدور المثقف والهيمنة المزمنة على القرار الوطني والعربي والإسلامي بدلا من إشراكه في صناعة القرار وفتح الباب للتلاقح العضوي عبر نقاشات من عمق الواقع لتحديد أولويات المستقبل السياسي، والاستمرار في إقصائه وإخراجه من الملعب السياسي والثقافي، هو مصادرة لحق أعطاه الله له، وهذا بطبيعة الحال يعيد الصراع التاريخي التقليدي بينها وبين القوى الاجتماعية المتنوعة إلى الواجهة ليلقى بظلاله على مستقبل المشهد الشبابي في الوطن والمنطقة الإسلامية والعربية، على رغم شدة العقبات وكثرة العراقيل وضخامة المشكلات الدولية والإقليمية التي تواجهه.

أما الإشكالية الدولية فهي أزمة الأزمات. فمن الغرب نجد العولمة الأميركية التي تهدف إلى سحق الشعوب المستضعفة المطالبة بحقوقها وتقرير مصيرها والتعبير عن إرادتها، تحولت بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول إلى غول ووحش كاسر يفتك بمن يقف في مواجهتها من دون رحمة، مستخدمة كل الذرائع والأساليب والوسائل، قافزة بسبب غرورها وغطرستها على كل المواثيق الدولية والمحافل العالمية والشرعية الأممية المتمثلة في الأمم المتحدة. وليس هذا هو آخر مشهد من قصة السيطرة الأميركية على المنطقة، فبعد انتشار أسرار التقسيمات الجديدة للمنطقة العربية وإعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط من خلال التسريبات الإعلامية التي كشفت الخطط الجديدة للمخابرات الأميركية بالاشتراك مع صقور البنتاغون من أجل بسط القوة من جديد على الدول العربية وإعطاء طفلها، العدو الإسرائيلي، كامل الحرية في امتلاكه للتسلح النووي في الشرق الأوسط ليحقق حلمه التوراتي في السيطرة على ثروات الشعوب العربية والإسلامية من الفرات إلى نهر النيل. والإشكالية الثقافية فتكمن في مقاصد الثقافة العربية والإسلامية من قضية المثقف والثقافة والتنمية الثقافية والدور الغائب لضمير المثقف، فهي ملفات جديرة بالمناقشة العميقة في الوسط الثقافي لأن التحديات قد تبرز بأشكال وأدوات جديدة على السطح الثقافي، ومسلسل التطبيعات الثقافية مع العدو الصهيوني من مؤتمرات مدريد مرورا بأوسلو حتى انغماسها في وحل التصفية النهائية للبعد القومي والإسلامي للقضية الفلسطينية في شرم الشيخ والعقبة، أثبت أن ثقافتنا خاوية من الداخل بإفراغنا لمحتواها الجهادي والنضالي والاستشهادي. أما المسألة الإعلامية فالجديد في بيتها هو بروز منهجية شجاعة بظهور قنوات فضائية جريئة ومسئولة تدير برامج مثيره تحت عنوانين قومية ووطنية وإسلامية، تحترم كل التشكيلات الثقافية، هدفها البحث عن الأسباب الرئيسية في الانكسارات والانتكاسات الحضارية في الوطن العربي، كاسرة بذلك طوق الإعلام الرسمي والمألوف التقليدي في مساحة حرية الكلمة وصدقية وأهمية الطرح الموضوعي في صناعة ونقل الخبر.

أما المسألة الفكرية فمازالت مراكز البحوث والدراسات والأقلام الإسلامية والتجارب الفكرية والثقافية أسيرة الثنائيات المختلفة، لكن يبقى شبح القنبلة الأخلاقية هو ما يقلق كل من على هذه المنطقة لأن الشعب من دون أخلاق حضارية هو جسد من دون روح. هذا هو المشهد المهترئ والعنكبوتي المتهالك في الوطن العربي الذي تعيش فيه الطبقة الشبابية، وهذا هو الخطاب الذي ضاعت مكوناته بين المنعطفات التاريخية في تراثنا السياسي وسط هذا الركام من التباينات في هذا الكم من المواقف المهتزة والمتذبذبة. فهل نخلق جيلا شبابيّا واعيا يحافظ على الأخلاق الإسلامية ويلتزم بحقوق الإنسان ويحافظ على ثوابته الوطنية والإسلامية والعربية في ممارساته ومسلكياته مهما كانت الظروف؟ أم يظل الخطاب العام تحكمه هذه الإشكالات الكبيرة والمعقدة؟ وهل سيسهم كل من المجتمع المدني والنظام العربي في بناء خطاب شبابي قادر على التمييز والوعي والنقد والإبداع؟ فمستقبل الشباب مرهون بأيدينا لأنه المخاض لوعينا وثقافتنا وبيئتنا وتشخيصنا ومواقفنا. فالشباب يحتاجون إلى توازن عقلي وروحي وعاطفي وإلى تربة ثقافية خصبة ومراكز دراسات تشترك فيها القوى الوطنية والحكومة على قاعدة الإسلام والعروبة والقيم الإنسانية الرفيعة والنبيلة حتى لا تضيع هويتنا الدينية وبالتالي يسهموا في الحفاظ على حضارتهم الإسلامية والإنسانية في هذا الوطن الكبير

العدد 346 - الأحد 17 أغسطس 2003م الموافق 18 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً