أصبح الطالب في مدارس البحرين معروفا بزيه المدرسي... فمن الوهلة الأولى يشار بالبنان إلى أن هذا الطالب في المرحلة الابتدائية وذاك في المرحلة الإعدادية... وقد أضفى هذا الزي سمة النظام والالتزام على الطالب، بينما يعتبره آخرون تقييدا لحرية الطالب وحجرا على شكله وتفكيره. بين هذه وتلك تطرح أسئلة تتزامن مع موسم العودة على المدارس، ما المغزى من الزي الموحد؟ وما إيجابياته وسلبياته؟ وماذا يقول المعنيون عنه؟... هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها في سياق التحقيق الآتي:
يقول اختصاصي التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم عبدالله الشايب معلقا على الموضوع وهو الذي يؤيد قرار الزي الموحد بدرجة كبيرة، ذلك لعدة أسباب يوجزها في قوله: «الجميع يشعر بالمساواة عند توحيد الزي المدرسي، تنفى الطبقية بين الطلبة في المراحل المختلفة، فلا يتميز الفقير عن الغني، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى شعور الطالب بالأريحية ما ينعكس على نفسيته، ومن ثم إقباله على الدراسة».
ويضيف الشايب: «نستطيع أن نحكم على الطالب ومرحلته الدراسية من خلال زيه، ونعرف بالتالي أن من نتعامل معه طالبا في الابتدائية أو الإعدادية، ويكون تعاملنا مبنيا على ذلك، فكلا الطالبين يحتاجان لمعاملة تختلف عن الآخر».
يشير الشايب إلى أن الجوانب السلبية كعدم الالتزام بالزي أو الخروج عن النظام، والتي تكون ناتجة عن عدم إقناع الطالب بأهمية اللباس، وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار المرحلة الصعبة التي يمر بها الطالب في الإعدادية. وينوه الشايب إلى أهمية وجود مرشد نفسي لكل طالب، وهذا ما تسعى له الوزارة فهي تهيئ المرشد الاجتماعي وتعطيه دبلوما في الإرشاد النفسي ليقوم بهذه الخدمات.
يقول الشايب «إن الزي الموحد له مردود اقتصادي ايجابي، فلو كان التلميذ من طبقة فقيرة وكان له زي واحد يرتديه كل يوم، فإنه سيشعر بالإحراج من زملائه في المدرسة، لكن الزي الموحد يلغي هذا كله، فلو ارتدى الطالب الزي نفسه كل يوم لن يلاحظ أحد ذلك».
ويكمل حديثه قائلا: «الجمعيات الخيرية ستكون أكثر فاعلية مع الزي الموحد، فهناك من يشعر بالحرج من طلب زي معين على رغم حاجته له، ولكن مع الزي الموحد ستكون الجمعيات الخيرية على دراية بنوع اللباس في كل مرحلة وستوصله لمن يستحقه من دون إحراجه».
للأكاديميين رأي
أستاذ علم الفرد بقسم العلوم الاجتماعية في جامعة البحرين جمال شكري يشرح وجهة نظره من ناحية اجتماعية فيقول: «إن المرحلة الإعدادية والتي فرض على الطلبة فيها الزي الموحد أخيرا، مرحلة يصعب السيطرة على الطالب فيها لأنها تصادف مرحلة المراهقة، ولهذه المرحلة خصائص تجعل من المراهق يصدر تصرفات عدة، ويسميها البعض بمرحلة «الأزمة»، وفي الوقت ذاته هي مرحلة طبيعية يتميز المار بها بالإحساس بالذات والشخصية المستقلة، فدائما يريد أن يثبت بأنه شخص يمتلك قراراته، وقد يصل الأمر إلى تحدي الأمر الواقع أو كما يصفه بعض الباحثين بالعناد».
ويضيف شكري: «أن الطالب في هذه المرحلة بالذات يحتاج إلى الضبط سواء أكان من داخله أو من الآخرين، وخصوصا من مؤسسات المجتمع المدني».
ويتحدث عن الإيجابيات المتمخضة عن الزي الموحد فيقول: «إن مثل هذا الأمر يزيل الفوارق في المستوى الاجتماعي والاقتصادي على حد السواء ما يعزيز شخصية الطالب ويدفعه إلى العطاء، لأن هذه المرحلة هي مرحلة تباهي، والتباهي غير متوافر مع الزي الموحد».
وبالإضافة إلى ذلك يشير إلى أن الالتزام بالزي يؤدي إلى نوع من الضبط الداخلي للطالب، إذ أنه يضفي على صاحبه سمات هذا الزي، ما يحد من تصرفات الطالب الخارجة، فالجميع يعرف بأنه طالب في المرحلة الإعدادية أو الابتدائية، فيتعاملون معه على هذا الأساس.
وفي حديثه عن السلبيات، يقول شكري إن الطلبة قد يشعرون بالقيود وخصوصا إذا كانت لديهم إمكانات تسمح لهم بلبس ما يحلو لهم، علاوة على ذلك الزي يمنعهم من التقليد وقد يقاومون ذلك بالرفض.
إلى ذلك، تقول منسقة برنامج الإعلام والعلاقات العامة بجامعة البحرين سامية أحمد أنها من أنصار الزي الموحد، «فالشاب يريد الانطلاق من دون قيود، وفي الوقت ذاته لابد من تعويده على النظام».
«ان الأفلام الغربية التي تغزونا من كل حدب وصوب، وغيرها من البرامج الغربية، تدعو الشباب إلى التحرر من قيود المجتمع، وتدعوهم للمضي نحو أهداف زائفة، هذا الصراع الذي يعيشه الشاب سيتحول إلى أزمة حقيقة لولا وجود النظام، وأبسط الأمور لتعويدهم على النظام يحصل من خلال الزي الموحد».
وتمضي قائلة: «الزي الموحد أمر جيد من الناحية الاقتصادية، بل إنه تحقيق للديمقراطية في أسمى صورها (...) لابد لنا من إدراك واقع مرير وهو أن شبابنا جيل مقلد، يلهث وراء ما تلفضه شباك التذاكر الأميركية وغيرها من سموم، ومن هنا لابد من وجود القيود».
تؤكد احمد أنها من المؤيدين لتطبيق هذا النظام في الثانوية وفي الجامعة أيضا، «فتعويد الطالب على الزي الموحد تمهيد لتعويده على ما تبقى من نظام».
للتربويين تعليق
في الإطار ذاته يعلق معلم علم النفس للمرحلة الثانوية عباس علي مهدي فيقول: «مسألة الزي الموحد غير إيجابية وغير محببة، اللهم إذا توافرت لها الضمانات والشروط لتطبيقها، لكن الظروف غير ملائمة في مدارس البحرين، فالزي الموحد لاينفي الطبقية، علاوة على ذلك فإن المؤسسات الخيرية والأهلية غير قادرة على القيام بدورها، والأمر ينطبق تماما على الدولة إذ أنها هي الأخرى ليس لها دور فاعل».
ويسترسل مهدي قائلا: «الطفل في المرحلة الابتدائية مثلا، غير مدرك لمقدرة الأب المادية، فهو يريد أن يرتدي لباسا يشبه لباس زملائه تماما، وبذلك ليس للزي الموحد أثر اقتصادي إيجابي».
«إن التربويين غير مدركيين للأمر، إذ ان تعاملهم مع الزي تعاملا غير صحيح لأنه تعامل إداري، وهو ما يترك آثارا نفسية سيئة، فلو لم يستطع الطالب ارتداء الزي لأسباب قد تكون خارجة عن إرادته، يستدعيه المشرف أو المدير ويوبخه أمام زملائه وقد يصل المر لإيقافه عن الدراسة».
ولمعلم التربية الرياضية بمدرسة الشيخ عبدالعزيز الثانوية للبنين محمود أبو إدريس رأي في الموضوع إذ يقول «إن مسألة الزي الموحد في المدارس امر محبب، إذ إن من يشاهد الطلبة في المدرسة يشعر من الوهلة الأولى أن المدرسة تسير وفق نظام، وارتداء الزي الموحد أمر يجعل الطالب يتعود على النظام ما يساعد على سير النظام ككل».
وبالنسبة إلى تقييد الطالب من خلال الزي الموحد يشير أبو إدريس إلى أن الطالب يرتدي الزي في فترة الدراسة فقط، وله الحق في ارتداء ما شاء بعد انتهاء الدوام المدرسي.
بادرة النظام
«اللباس العادي يعود الطالب على عدم الاكتراث وعدم الإحساس بالمسئولية، فهناك من ينام بزي يرتديه في اليوم التالي ويذهب للمدرسة، ومن هنا لابد من تطبيق هذا النظام في المدارس الثانوية».
وعن الموضوع نفسه يتحدث المرشد الاجتماعي بمدرسة عمر بن عبدالعزيز الابتدائية للبنين فتحي عباس الدرازي، يتحدث عن الالتزام بالزي المدرسي بين صفوف الطلبة مشيرا إلى أن الطلبة ملتزمون بشكل كبير وذلك لعدة أسباب منها حب المدرسة - وخصوصا المدارس الابتدائية - بالإضافة إلى ما ينتج عن الزي من شعور بالمساواة بين الطلبة، إلى جانب السياسة المدرسية القائمة على التوجيه من خلال الإذاعة المدرسية ولوائح الإرشاد.
وبالنسبة إلى النماذج التي لا تلتزم بالزي المدرسي يقول الدرازي «إن ذلك يكمن إما في عدم دراية الأهل الناتجة عن عدم المتابعة بسبب إما ضعف شخصية أحد الوالدين أو التصدع الأسري أو الأساليب الخاطئة في التعامل مع الابن».
ويطرق الدرازي جانبا مهما فيقول: «إن عدم الالتزام بالزي يرجع إلى سن الطالب غير الملائمة في بعض الأحيان للمرحلة الابتدائية أو الإعدادية، ما يتسبب ببعض اللامبالاة والتأخر الدراسي، ولا ننس صحبة رفاق السوء والقدوة السيئة في المحيط الأسري».
ينفي الفوارق الفردية
يمضي فتحي الدرازي في القول: «ان الزي الموحد أمر محبب لدى غالبية الطلبة وخصوصا في المدارس الابتدائية، إلا أن هناك طبعا بعض النماذج التي تعتبره قيدا عليها»، ويؤيد الدرازي تطبيق الزي المدرسي «لما له من أثر كبير في إزالة الطبقية والفوارق الفردية، كما والأهم من ذلك كله أنه يسهل التعامل مع لابس الزي».
ما يدور في خلد الطلبة؟
ينقلنا فيصل مكي الطالب في المرحلة الثانوية بمدرسة النعيم إلى رأي طلابي فيقول: « الوزارة لا يجب أن تفرض الزي الموحد بصورة عفوية كما حدث لنا في المرحلة الإعدادية، إذ كنا على وشك التخرج وإذا بالنظام يطبق، وقد استئنا كثيرا لأننا لم نكن مهيئين لتقبل الأمر الواقع، ونتج عن ذلك عدة تجاوزات من الطلبة، كنا نحس بأننا عدنا الصغار أنفسهم الذين يدخلون ويخرجون من بوابة المدارس الابتدائية».
ويضيف مكي: «أنا مدرك تماما لأهمية الزي وغير معترض عليه، ولكن كان حريا بالوزارة أن تقنعنا على لبس الزي لا أن ترغمنا على ذلك».
وعن الموضوع نفسه تقول صباح جمعة طالبة في جامعة البحرين «إن فرض الزي الموحد في مدارس البحرين كان له أن يأخذ مجاراه منذ وقت طويل ولكن لم يحدث ذلك إلا منذ سنين قليلة؛ ذلك لأن الأولاد وخصوصا في المرحلة الإعدادية يمرون بمرحلة مراهقة وتقلب مزاج وتحول شخصي، وبالتالي يرتدون ما يحلو لهم من لباس قد يتنافى أحيانا مع العادات والتقاليد».
«إن الزي مفروض على الفتاة منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها المدارس، فلم لا يحدث الأمر نفسه مع الطلبة، فقد آن الأوان ليتعلموا النظام».
و يقول علي أحمد طالب في مدرسة الرازي الإبتدائية للبنين إن مسألة الزي الموحد عادية بالنسبة إليه، فهو يتقبلها وسيكون متقبلا لها في المرحلة الإعدادية، ويزيد: «أن الزي الموحد يسهل عليَّ اختيار لباسي بسهولة، فلا حاجة للتحير بين لون وآخر وبين قميص وآخر».
«بعض من الزملاء في المدرسة يسيئون إلى الزي ويسخرون من الذين يلتزمون به، وغالبا مالا يهتمون بملابسهم بل يسعون عمدا لتخريبها».
أولياء الأمور
تحدثنا أم رضا عن تجربتها مع أبنائها لتقول: «إن الزي المدرسي أمر جيد لأنه يساوي بين الطلبة جميعا، فلا وجود للمفاضلة ولا الطبقية مع الزي الموحد، كما أن الزي المدرسي أكثر تنسيقا وأفضل إلى الطالب».
«وبالنسبة إلى الناحية الاقتصادية، فالمدارس تعطي المحتاجين من الطلبة وتمدهم بما يحتاجون من لباس، ومثال على ذلك معونة الشتاء، هذا إلى جانب الدور الكبير لمؤسسات المجتمع في دعم الطالب (...) وإن لم يتوفر ذلك فالفقير يستطيع أن يرتدي لباسا بسيطا، وفي النهاية لن يختلف كثيرا عن لباس زملائه».
وعلى صعيد متصل، تقول رملة جواد وهي ربة منزل: «أن تطبيق الزي أمر أكثر انسيابية مع طلبة المدارس الابتدائية، لكن من الصعب إقناع طلبة المدارس الإعدادية أو الثانوية بلبس زي موحد، وخصوصا أنهم يعيشون فترة صراع مع الذات».
«إن تعاملي مع أبنائي في المدارس الابتدائية والزي المدرسي أمر أكثر سهولة مع تعاملي مع ابني في المرحلة الإعدادية، إذ أنه يرفض أحيانا لبس الزي نفسه مرتين في الأسبوع الواحد، محتجا بحرجه من زملائه، وبالتالي لم يضف الأمر جديدا من الناحية الاقتصادية».
قد يعتقد بعض من الطلاب بأن الزي فرض عليهم فرضا لينصاعوا ولتقيد بذلك حرياتهم... لكن السواد الأعظم من الطلبة أصبحوا مدركين للفلسفة من وراء الزي المدرسي الموحد، ولعل التهيئة النفسية للطالب منذ المرحلة الابتدائية لها أثر لا يستهان به في تقبله للزي في بقية المراحل... وفي الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات لتطبيق الزي على ما تبقى من مراحل دراسية، يبقى لنا سؤال: لما لا يتحقق ذلك؟ وما الإجراءات التي ستتبعها الوزارة في سبيل ذلك؟
العدد 403 - الإثنين 13 أكتوبر 2003م الموافق 16 شعبان 1424هـ
ماريا لحام
ولو شو هاد مقرأتش اشي