أرجع مدير إدارة الثروة السمكية جاسم القصير جانبا كبيرا من شكاوى صيادي الأسماك من عدم حصولهم على الصيد الكافي إلى تقلص جانب مهم من المنطقة التي يصطادون فيها منذ عقود طويلة بعد ترسيم الحدود مع دولة قطر، إضافة إلى الارتفاع الكبير في عدد سفن الصيد التي تبلغ 2242 مسجلة رسميا في الإدارة إلى جانب عدد كبير جدا من سفن الهواة التي تشارك في الصيد، وكذلك تلوث مياه الخليج سواء بالنفط أو بعمليات الردم. وقال إن هناك أربعة أنواع من الأسماك المشهورة في البحرين انقرضت تماما أو هاجرت أو في سبيلها إلى الانقراض، إلا أن مركز الاستزراع السمكي تمكن من استزراع «الصافي الصنيفي» الذي لم يعد له وجود في البحرين منذ 15 عاما، وستطلق كميات منه في مياه البحرين قريبا. وأشارت مسئولة البيئة الساحلية في الإدارة ابتسام خلف إلى أنه في العام 1956 حددت مساحة خليج توبلي بـ 24 كيلومترا، وأشار آخر تقييس للخليج في العام الماضي إلى أن مساحة الخليج تقلصت إلى ثمانية كيلومترات مربعة فقط.
ديوان رئاسة الوزراء - غسان الشهابي
قال رئيس إدارة الثروة السمكية في الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية جاسم أحمد القصير إن غالبية صيادي الأسماك يحملون جهازا يحدد النقاط التي لا يحق لهم تجاوزها، والمعروف اختصارا باسم (GPS) وقد ساعدت الإدارة الصيادين للتعرف على الحدود الجديدة التي يجب عدم تجاوزها وإلا دخلوا المياه الإقليمية للدول المجاورة.
ولكنه قال إنه بعد قرار المحكمة الدولية في العام 2001 بحل الإشكال البحريني القطري، تقلصت مساحات بحرية تعود الصيادون البحرينيون الذهاب إليها، وهي الواقعة في فشت الديبل وما جاورها من مناطق، ففقدوا جزءا مهما من مناطق الصيد الأساسية، في الوقت الذي ارتفعت فيه سفن الصيد بشكل كبير جدا اعتبارا من العام 1986، أي بعد افتتاح جسر الملك فهد، إذ انفتحت البحرين على السوق السعودية التي كانت تطلب أنواعا من الأسماك والقشريات بكثافة عالية، فوصل عدد سفن صيد الروبيان في البحرين إلى 390 بانوشا وطرادا، وعدد سفن صيد الأسماك إلى 700 سفينة، هذا غير سفن الهواة التي تمارس أيضا أنواعا من صيد التسلية والهواية، وبعضها يندرج تحت البيع للمتاجرة.
وأوضح أن المياه الإقليمية لمملكة البحرين تقدر بحوالي 3000 كيلومتر مربع، وهي بذلك محدودة، واستنادا إلى محصول الصيد في السنوات العشر الماضية، فإن مستويات المحصول لا يمكن أن تتجاوز 10 آلاف طن متري للأسماك الزعنفية والقاعية، وأربعة آلاف كيلوغرام للروبيان.
إضافة إلى هذين السببين، قال إن ارتفاع عدد السكان وارتفاع الاستهلاك كنتيجة طبيعية، والعوامل السلبية الأخرى التي أثرت على المخزون السمكي للبحرين، مثل الدفان البحري الذي طال سواحل البحرين، جعل من الصعب على الأسماك الصغيرة اللجوء إلى المناطق الضحلة من أجل التغذية والمرور في الدورة الطبيعية لحياتها، ما أدى إلى هجرتها إلى مناطق أخرى، إلى جانب الأضرار البيئية العالية التي تخلفها عمليات الردم من قتل تام للشعب المرجانية التي هي مصدر غذاء الأحياء البحرية، إلى جانب التلوث النفطي وارتفاع ملوحة مياه الخليج من 40 جزءا في المليون في السبعينات، إلى 60 مليون جزء في المليون حاليا، بسبب غسل الرمال وإعادة الأملاح مصفاة إلى مياه الخليج.
وأشار إلى أن أنواعا من الأسماك انقرضت نتيجة إلى هذه العوامل أو هي في سبيلها إلى الانقراض من مياه البحرين، وبعضها هاجر إلى مناطق أكثر أمنا لها، ومن أمثال ذلك البرطام والسبيطي والشقّرة والصافي الصنيفي والقين.
وقال القصير في اللقاء الأسبوعي في ديوان رئاسة الوزراء أمس، إن هناك 150 صنفا من الأسماك المعروفة في البحرين، ولكن الضغط الاستهلاكي يتجه نحو أنواع بعينها ما يؤدي إلى استنزافها بشكل كبير، من دون السماح لها بأن تتكاثر بشكل طبيعي، أملا في الربح الآني والسريع.
مطالب الصيادين
وقال القصير إن عددا من الصيادين البحرينيين هجروا المهنة وأسندوها إلى الأجانب، وخصوصا بعد ازدياد عدد سفن الصيد، إذ إن المخزون السمكي متذبذب، بينما الاستهلاك والصيد تضاعف عشرات المرات، «ومن هنا نجد أن المطالبات كثيرة ببحرنة القطاع فقط، والدعوة إلى النوخذة البحريني، وذلك لتخفيض عدد السفن الداخلة للصيد، حتى يتقسم الصيد بشكل مجز ومربح بين أصحاب المهنة».
وقال إن الصيادين طالبوا في فترة ماضية بأن يتم إقراضهم، وهذا ما وافق عليه بنك البحرين للتنمية، ولكن ازدياد التصرفات السلبية من عدد من الصيادين مثل التلكؤ في السداد، جعل المصرف يتحفظ كثيرا في منح القروض لهذا النوع من النشاط.
وأضاف أن الصيادين أيضا يطالبون بدعم الوقود، «وهذا أمر تحدده الدولة إن أرادت»، كما يطالبون بإيجاد مرافئ، والحماية من سرقات المحركات، وعمليات القرصنة التي هي قليلة ولا تنشط إلا في الصيف، ومع ذلك تعد عاملا سلبيا، وتقع في المياه الإقليمية، إضافة إلى السرقات في عرض البحر للقراقير، مشيرا إلى أن القراقير تعد واحدة من أكثر طرق الصيد فاعلية في البحرين (تساهم بنحو 51,7 في المئة من إجمالي الصيد)، إلا أنها طريقة لا تخلو من المشكلات، ومن بينها أن الصياد يحدد بالجهاز مواقع قراقيره الخاصة، بينما يحدث كثيرا أن تجرف هذه القراقير إلى مسافات بعيدة بواسطة شباك الصيد، وعندما يكتشف أصحاب الشباك أنهم سحبوا قراقير أثناء الجر، يقومون بقطع حبالها وتركها في المكان الذي وصلوا إليه.
مقبرة الأسماك
وأضاف أن القراقير التائهة تشكل «مقابر» للأسماك التي دخلتها، فلا تستطيع أن تخرج من هذه القراقير، ولا يمكن أن يحصل عليها أصحابها، فتموت في أماكنها في قاع الخليج.
وقال إن هناك طلعات للغوص بشكل مستمر، من قبل الهيئة ومن قبل متطوعين بحرينيين، كجوالة المالكية، للقيام بعملية تنظيف القاع و«تحرير» الأسماك الحية في القراقير التائهة، ورفع القديم منها من القاع لئلا تزيد من أخطار التلوث.
وقال إنه بعد القرار في العام 1997 بمنع سفن الجرف، والتحقق من تطبيق هذا القرار، لوحظت العودة التدريجية والبطيئة لقيعان عدد من المناطق البحرية إلى طبيعتها السابقة، وتحسن بيئتها.
مشيرا إلى وجود حوالي 51 ألف قرقور في البحرين، وهناك حوالي 45 ألف قرقور يتم استبدالها سنويا، فيما يتراوح سعر الواحد منها ما بين أربعة دنانير إلى 12 دينارا، بحسب الحجم.
إحصاء السمك
وأشار القصير أيضا إلى أن هناك إحصاء للكميات المنزلة من الأسماك في أسواق البحرين، فإن وجد أن الكميات زائدة في بعض الأنواع، تم السماح بالتصدير، ويزيد الاستيراد في حال نقص المطروح في السوق، كما أنه من الصعب أن يتم وضع تسعيرة «عادلة» لبعض الأنواع المرغوبة من الأسماك، تاركا ذلك إلى قوى السوق، ضاربا مثلا بما حدث في الكويت في الثمانينات عندما تم تحديد بعض أسعار بعض أنواع الأسماك المرغوبة، ما أدى إلى خلق سوق سوداء موازية، الأمر الذي حدا بالبلدية هناك إلى الرجوع عن تحديد السقف الأعلى لأسعار الأسماك والعودة إلى ثنائية «العرض والطلب».
من جانبه أوضح رئيس قسم الإحصاءات السمكية في الإدارة عبدالكريم حبيب رضي، أن إجمالي الأسماك المنزلة في البحرين والمصادة بالوسائل التقليدية في العام الماضي 2002، بلغ 11,2 ألف طن متري، بقيمة 8,47 ملايين دينار بحريني، والكميات المنزلة من الأسماك الزعنفية والقشريات والرخويات حوالي 11,2 طن متري.
وبينما استوردت البحرين في العام الماضي 5009 أطنان متري من الأسماك، بقيمة 4,42 ملايين دينار، فإنها صدرت 7233 طنا متريا بقيمة 4,4 ملايين دينار، مشيرا - رضي - إلى أن الميزان التجاري في هذه الحال ليس في صالح البحرين من هذه الناحية.
وقال إن المملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية أكثر الدول المستوردة من البحرين، بما يصل إلى نسبة 70 في المئة من الصادرات المحلية من الأسماك والقشريات والأحياء البحرية.
فقد فاقت كمية ما تم تصديره إلى السعودية ثلاثة ملايين كيلوغرام بقيمة 1,53 مليون دينار، فيما تم تصدير 2,7 مليون كيلوغرام من الأحياء البحرية إلى كوريا الجنوبية بقيمة 1,88 مليون دينار.
وفي المقابل، بلغ معدل استهلاك الأسماك حوالي 13,3 كيلوغراما للشخص في السنة، منخفضا بنسبة 8,9 في المئة مقارنة بالعام 2001، الذي بلغ فيه معدل الاستهلاك المحلي للأسماك 14,6 كيلوغراما للشخص في السنة.
وقال إن إجمالي إنزال أنواع الصافي والهامور والشعري والفسكر والربيب في العام الماضي بلغ 5367 طنا متريا بقيمة 5,34 ملايين دينار، وهذه الكمية تشكل 78,4 في المئة من إجمالي إنزال الأسماك الزعنفية، و90 في المئة من قيمتها.
الكعكة وآكلوها
وقال القصير إنه في العام الماضي بلغ عدد القوارب المشتغلة في صيد الأسماك الزعنفية 2122 قاربا، بينما بلغ عدد المرخص لها 791 قاربا فقط، أي أن المرخصة تشكل نسبة 37 في المئة، والأمر نفسه ينطبق على الحظور، إذ إن 40 في المئة منها فقط مرخصة، وفي المقابل، فإن هناك 376 رخصة لصيد الروبيان في العام الماضي، ولكن الرخص النشطة منها لا تتجاوز 120 فقط، لانخفاض ربحية صيد الروبيان وهبوط المصيد، ما أدى إلى توقف العدد الأكبر من السفن عن الصيد.
وأكد أنه مع ثبات المساحة التي تصطاد فيها الأسماك، وازدياد العوامل السلبية المؤثرة على البيئة البحرية والحياة الفطرية فيها، وارتفاع الطلب وازدياد التلوث والردم، فإن حصة الصيادين آخذة في الانخفاض لازدياد عددهم ما يهدد بخروج عدد كبير من ممتهني الصيد لعدم قدرتهم على الاستمرار في المنافسة.
مبدأ المعاوضة
وقال القصير إنه لا يمكن الوقوف في وجه التطويرات العمرانية وما تحتاجه البلاد من نشاطات مختلفة، وذلك عند ردم السواحل لاستخدامها سواء في الجانب الإسكاني أو الاقتصادي، ولكن هناك مبدأ ليس جديدا بالتعويض عن السواحل التي تردم، كما حدث في مشروع «أمواج» إذ تم الاتفاق على أن يمول المشروع ما يسمى بالأرياف الاصطناعية، أو الشعاب المرجانية الاصطناعية، وهي قباب من الخرسانة التي توجد عليها ثقوب، ويكون قطر كل قبة حوالي المتر الواحد، ومع مرور الزمن على إنزالها في أماكن معينة في البحر، تنمو عليها الطحالب والمرجان، فتكون بيئة جديدة ومواتية للأسماك لكي تعيش فيها بدلا من الشعاب المرجانية التي دمرتها آلات الحفر والعوالق والأتربة الناعمة، وغالبا ما يتخذ الهامور والجنم هذه «الأرياف» ملاذا له، وأوصت الدائرة بأن تحتسب هذه الكلفة من ضمن كلفة أي مشروع يقام عن طريق الدفن، مشيرا إلى الحاجة الفعلية حاليا إلى ما يقدر بـ 300 ألف دينار لبناء المزيد من الشعاب الاصطناعية حتى تتوافر بيئة ملائمة للأسماك التي فقدت أماكن عيشها، ومن أهمها فشت العظم التي أضرت عمليات جلب الرمال وغسلها، ضررا كبيرا به.
ضبط المخالفات
واعترف القصير بأن ضبط المخالفات قليل جدا لنقص الكادر البشري المراقب، وانعدام صفة الضبطية القضائية لدى موظفي الدائرة في حال اكتشافهم المخالفات، ما يفوت الفرصة عليهم، ولكنه قال إنه سيتم قريبا جدا تعزيز هذه الوحدة في المراقبة داخل البحر، وذلك بدعم كبير من رئيس الهيئة سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الذي يولي اهتماما كبيرا بهذا الجانب، من خلال إنشاء وحدة متخصصة في هذا الجانب، وزيادة عدد قوارب المراقبة، ومنحهم الضبطية القضائية.
وقال إن الصيادين المخالفين يلجأون إلى الدخول في المياه الضحلة حين يشعرون بالمراقبة، وهو ما لا تستطيع الوصول إليه قوارب خفر السواحل أو قوارب الإدارة، كما أن البعض منهم يزود طراده بمحركات عالية السرعة للهرب، ما استدعى استخدام الطائرات العمودية هذا العام في الملاحقة والضبط.
خليج توبلي
وأشارت مسئولة البيئة الساحلية في الإدارة ابتسام خلف، إلى أن الردم طال كل سواحل البحرين تقريبا، وهذا أثر كثيرا على دورة حياة الأحياء البحرية، وأن خليج توبلي تكمن مشكلته في أن جزءا كبيرا منه عبارة عن أراض مستملكة من قبل أفراد، مشيرة إلى أنه في العام 1956 قيس الخليج (وهو محضن رئيسي للروبيان في البحرين) بمساحة 24 كيلومترا مربعا، ولكن مع نهاية العام الماضي وجد أنه توقف فقط عند ثمانية كيلومترات مربعة نتيجة الردم المستمر للخليج من جوانبه المختلفة.
استزراع الأسماك
كما قال مسئول الاستزراع السمكي علي الأنصاري، إنه مع ملاحظة انخفاض تعداد أنواع مهمة ومطلوبة من الأسماك، تم إعداد خطة بدأت في العام 1994 بإطلاق اصبعيات لحوالي 8 آلاف من سمك الهامور (زنة الواحدة منها خمسة جرامات)، وفي العام الماضي أطلقت 150 ألف سمكة سبيطي في مياه البحرين، موضحا أن هناك خطة طموحة لإحياء سمكة «الشقر» التي انقرضت من مياه البحرين، و«القين» الذي هاجر من المياه البحرينية أيضا، ومحاولة إطلاق كميات من سمك «الصافي الصنيفي» الذي اختفى من الأسواق المحلية منذ ما يقارب 15 عاما
العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ