اشتد الحوار بين المتداخلين والمستشار القانوني في قضايا حقوق الانسان العراقي عبدالحسين شعبان عن شمولية وعالمية الإعلان العالمي لحقوق الانسان، واتجه البعض الى انتقاد طرح شعبان «الأكاديمي»، وتعويله على الإعلان الذي خُصص «للإنسان الغربي» على حد تعبيرهم، واعتبر شعبان «إن الاعلان لكل الشعوب، ولابد من التمسك بالقانون لأنه حجة الضعيف».
جاء ذلك في ندوة نظمتها جمعية العمل الوطني الديمقراطي في مقرها، مساء أمس الأول، شارك فيها عدد من الناشطين الحقوقيين والمحامين من مختلف الدول العربية.
تحدث شعبان عن اعتماد الاعلان في 1948 واعتراض بعض الدول عليه «على رغم ان الغالبية الساحقة وافقت عليه، اذ صوت عليه 48 صوتا و18 دولة امتنعت وغابت دولتان». وردا على المتداخلة زينب الدرازي التي أشارت الى ان الاعلان لا يعني شعوب العالم المستضعفة بل يخص الشعوب الغربية والولايات المتحدة تحديدا وأن حركة حقوق الانسان «حق يراد بها باطل» قال شعبان: «جرى تشويه حركة حقوق الانسان على المدى التاريخي عن طريق أفكار الوحدة العربية والاشتراكية، الى أن تحولت الاشتراكية الى نفي إلى سيبيريا والوحدة العربية تحولت الى ابادة جماعية، قضية حقوق الانسان سلاح ذو حدين وهناك أكثر من وجه لها وربما تحكمها معايير مزدوجة ولكن اذا توافق ضغط الأمم المتحدة لاطلاق سراح سجين هنا واجراء انتخابات هناك فلا أعتقد أن أحدا يرفض ذلك».
ورد عليها باستفاضة مؤكدا ان «حقوق الانسان جزء من نظام لا نستطيع أن نتعامل معه بانتقائية فالحق في العمل والسكن وعدم التعرض للتعذيب وحق المحاكمة العادلة لا تخص الإنسان الأوروبي بل هي حقوق عامة لبني البشر»، وأضاف: «الاعلان العالمي جاء نتيجة تفاعل للحضارات وساهمنا بثقافتنا العربية والاسلامية والانسانية به، إذ لم نتوقع أن يصدر اعلان يعبر عن التوجهات المختلفة لولا جهود جبارة من أربع شخصيات بارزة أميركية وفرنسية وكندية ومن بينهم شخصية عربية هو العلامة اللبناني شارل مالك المتخصص في صوغ الأفكار الفلسفية وكان داينمو حقوق الإنسان وكتب الكثير عن البعد الفلسفي والتاريخي لحقوق الانسان، والذي وصفه أحد صحافيي «النهار» «بالعملاق»، وقال عنه أحد المسئولين الإسرائيليين إنه المفكر السياسي الأبرز بين المثقفين العرب». وأشار شعبان الى مفارقة غريبة وهي صدور الاعلان بعد ستة أشهر من احتلال الأرض الفلسطينية. وبيّن إن «اسرائيل» تعهدت بالالتزام بالمواثيق والعهود الدولية إلا إنها خرقت كل ذلك بالمجازر «الاجرامية» التي اقترفتها. وجر ذلك الطرح شعبان الى الحديث عن القيمة القانونية للاعلان. وبين أنه «على رغم ان الاعلان يمثل الشجرة التي تفرع منها 100 اتفاق دولي إلا انه غير ملزم بل يعد بمثابة التوصية لأنه صدر من الجمعية العامة وليس من مجلس الأمن».
وأشار الى رفض الاتحاد السوفياتي وجنوب افريقيا للإعلان وتطرق الى البرود الذي استقبلت فيه بريطانيا الإعلان نتيجة خوفها على مستعمراتها وقتذاك.
وبيّن ان الاعلان لم يلقِ معارضة من الأنظمة التي اعتبرته «اعلانا مشبوها جاء به متطرفون» فحسب، بل امتد لبعض المثقفين معتبرين ان الاعلان «يتعارض مع قيمهم وتقاليدهم وهي مرفوضة لأنها جاءت من دول غربية!» وبّين شعبان ان هؤلاء قد «رضعوا من ثدي واحد مع الحكومات».
وأشار شعبان بفخر الى الحضارة العربية والاسلامية مشيرا الى اعتزازه «باعتبار حلف الفضول أول رابطة حقوقية في العالم». ودلل على أصالة حقوق الانسان في الإسلام بضربة المثل على مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا» وقول الامام علي (ع) «لا تكن على الناس سبعا ضاريا لتأكلهم فالناس صنفان إما نصير لك في الدين أو شبيه لك في الخلق». وتدافعت المداخلات على شعبان من قبل الحضور المتنوع وقالت المحامية أسماء خضر إن «خلاصنا يكمن في القيم المشتركة... الخلاص معروف لكن المشكلة في قدرة المواطن الانسان في التمسك بحقوقه من دون الخوف والحاجة التي تخدش الكرامة». واشارت الى ان «السياسة الدولية تحاول التعتيم على صورة مشرقة من النضال على أراضينا». وأوضحت ان «ما شهدته السنوات الأخيرة اطاحة لكل مبادئ حقوق الانسان والاعتداء على فلسطين والعراق خير دليل على ذلك».
وتساءل الكاتب عبدالله العباسي في مداخلته عن «سبب غياب دور الجمعيات الحقوقية المحلية في نصرة القضية الفلسطينية». أما المتداخل محمد مساعد فقد انتقد الولايات المتحدة التي تكيل بمكيالين في مجال انتهاك حقوق الانسان «إذ انها لم تدن اعتقال المتظاهرين في السعودية، والقوانين التي تحمي المعذبين».
بينما أشار المتداخل محمود أبو رحمة من غزة الى أن «العمل في مجال حقوق الانسان هو جزء من العمل الوطني والاحتلال هو أبشع انتهاك لحقوق الانسان، وعلى الصعيد العملي تعد الأمم المتحدة منظمة فاشلة والدليل على أن ما يحكم مجلس الأمن ليس مُثلا بل مصالح سياسية وبالأمس القريب صدر فيتو لفصل الجدار العنصري عن أهالي فلسطين».
وبسؤال أحدهم عن امكان دمقرطة الأمم المتحدة أجاب شعبان «الأمم المتحدة لم تكن بهذا السوء ووضعنا نحن العرب لم يكن بهذا السوء بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وربما يعدل وضع الأمم المتحدة في حال حدوث استقطابات جديدة، وعلى رغم كل مساوئها فإن لها مساهمات جليلة في الصحة والتعليم».
وقال «العولمة سلاح بيد القوي الآن، وعلينا استخدامه بالمقلوب وعلينا أن نعولم حركة حقوق الانسان وأن نستفيد من الثورة العلمية وعندما تنتشر ثقافة حقوق الانسان على المستوى الدولي فإنها ستتحول الى قوة مادية يصعب اقتلاعها». وركز شعبان على التحديات التي تواجه حركة حقوق الانسان في المنطقة العربية. موضحا ان أبرزها يكمن «في النزاعات الحدودية والنزاعات الداخلية المسلحة والجهل والأمية والعشائرية والطائفية والفقر وعدم احترام الديمقراطية وانعدام المؤسسية من جانب الأنظمة وانعدام حرية التعبير وعدم نشر ثقافة حقوق الانسان نتيجة العسكرة في غالبية الدول العربية»
العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ