إن السؤال الذي يبقى اللغز المحير بالنسبة إلى الحياة البرية الحالية هو لماذا تختفي العصافير من المدن البريطانية.
أما الآن وبعد الكثير من النظريات والفروض التي تتحدث عن مهاجمة طيور العقعق للعصافير والتأثيرات الناجمة عن التغيير في المناخ على هذه العصافير تأتي الخطوة الأولى لمحاولة حل هذه المشكلة.
تقول إحدى الشابات وهي طالبة تقدم رسالة الدكتوراه أنه في بعض الحالات لا تتمكن العصافير في المناطق المكتظة بالمباني من تربية صغار الحضنة الثانية والثالثة التي تحتاج اليها كل عام للابقاء على معدلات العدد العام إذا ما أخذ في الحسبان الوفيات التي تحدث اثناء فصل الشتاء.
إن هذه الصغار التي تولد في منتصف الصيف والتي لا يراها الناس تموت في اعشاشها. إن هذه الصغار لا يتم مهاجمتها من قبل طيور أو حيوانات أخرى مفترسة بل تنفق في أعشاشها. فلربما تكون العصافير قد ماتت بسبب المرض أو الجوع نظرا لعدم تمكن والديها من العثور على الحشرات الكافية لإطعامها. إن هذا ليس معروفا حتى الان ولكن الشيء الواضح هو أن هذه العصافير تموت بأعداد كبيرة في مناطق معينة ما سيجعل اعدادها تتناقص بشكل كبير. لقد تم الكشف عن نتائج هذا البحث عن طريق بحوث مستفيضة تركزت بشأن تكاثر العصافير تم عملها في ليستر من قبل كيت فنسنت، الطالبة التي تعد شهادة الدكتوراه في جامعة دي مونت فورت. لقد امضت فنسنت الثلاث سنوات الأخيرة في تعليق مالا يقل عن 619 صندوقا لأعشاش العصافير في انحاء متفرقة من المدينة. وكانت تتفقد تلك النصاديق كل أسبوع في عربة مزودة بسلم مثبت في سقفها.
لقد فقدت ليستر (مثل لندن وبيرمنجهام وجلا سجو والكثير من المدن الصناعية الكبرى) معظم الطيور التي كانت تعيش في وسط المدينة. كان من الصعب على فنسنت الحصول على بيانات عن العصافير التي تتكاثر في وسط منطقة ليستر ولكنها تمكنت من الحصول على بيانات كثيرة ومهمة عن تكاثر هذه العصافير في الضواحي والريف المجاور إذ كانت تستخدم صناديق الأعشاش على نطاق واسع.
لقد اشارت نتائج البحث التي توصلت اليها انه بينما كانت محاولات التفريخ الثانية والثالثة ناجحة في المناطق الريفية إلا أن نصف تلك المحاولات فشلت في ضواحي ليستر ومات الصغار في العش.
ويبدو ان الشيء المهم الذي تشير إليه هذه الدراسة هو تفاوت نسبة النجاح بالنسبة إلى تكاثر العصافير في المناطق الريفية والمناطق المكتظة بالمباني. لقد انخفض عدد العصافير في المناطق الريفية لاسباب يمكن فهمها (زيادة الفلاحة بشكل رئيسي) ولكن يبدو ان هذا الانخفاض قد استقر الآن. ولكن اللغز الحقيقي يتمثل في الانخفاض الحاد لاعداد هذه الطيور في المدن والذي مازال مستمرا.
ومع ان نتائج فنسنت غير كاملة وحاسمة إلا أنها تشير إلى ان اعداد العصافير في المدن والضواحي تقل بشكل عام لأن صغار حضنة الربيع الأولى قد تعيش حتى تكبر بينما تموت صغار حضنات فصل الصيف قبل مغادرة العش.
ويتفق هذا مع الافتراض المقدم من قبل دينس سمرز سميث، الخبير العالمي في عصافير المنازل الذي يعتقد ان صغار العصافير تموت نظرا لعدم تمكن والديها من ايجاد الغذاء الكافي من الحشرات لاطعامها.
إن عملية فحص صغار العصافير الميتة التي قامت بها فنسنت لم تصل إلى نتيجة حاسمة حتى الآن. فمن الممكن ان تكون العصافير قد ماتت بسبب العدوى ومن الممكن كذلك ان تكون قد ماتت بسبب الجوع.
ولكي تحقق في نظرية الموت بسبب الجوع قامت فنسنت بعمل شبكة معقدة من الملاحظات عن كل صندوق للتفريخ. وقد تركزت هذه الملاحظات على الحشرات التي تتغذى عليها العصافير ومدى توافر هذه الحشرات بالاضافة إلى البيئة الموجودة على بعد مئة متر وهي المسافة التي تطير إليها الطيور بحثا عن الطعام. ومع انه لم يتم اجراء دراسات واسعة عن الحشرات التي تقوم العصافير بإطعامها لصغارها إلا ان فنسنت اكتشفت عن طريق تحليل روث صغار العصافير ان الحضنات الأولى والمتأخرة تتغذى على انواع مختلفة من الحشرات، بينما يبدو ان صغار فصل الربيع تتغذى على حشرات اكبر مثل الخنافس والحصّاد وتتغذى صغار فصل الصيف على حشرات اصغر مثل المنّه.
وتمتلك فنسنت بيانات كثيرة ستقوم بتحليلها في الخريف المقبل لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقة متبادلة بين فشل التفريخ وعوامل اخرى. ويبدو ان ملاحظات فنسنت تمثل الخطوة الأولى الملموسة في معالجة اللغز الذي ازعج الكثير من الناس وهو بدء اختفاء الطيور المألوفة التي تعيش في المدن البريطانية.
(خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط»
العدد 411 - الثلثاء 21 أكتوبر 2003م الموافق 24 شعبان 1424هـ