ذكر تقرير لبنك نومورا للاستثمارات - الشرق الأوسط الياباني أنه بعد بداية صعبة لشروط الائتمان خلال العام الجاري في المنطقة، فإن الأوضاع تحسنت تحسنا كبيرا وتم إعادة فتح أسواق رأس المال بنجاح من أجل حفنة من المقترضين على درجات عالية، وأن إصدار الديون في أسواق رأس المال الإقليمية ارتفع الى مستوى قياسي بلغ 45.9 مليار دولار، متجاوزا الارتفاعات السابقة البالغة 32 مليار دولار في العام 2007.
وأوضح التقرير الذي كتبه المحلل الاقتصادي طارق فضل الله أنه على رغم الطلب القوي على الديون، فقد بقي المستثمرون انتقائيين بشأن جودة الائتمان، وأن أكثر من نصف الإصدارات هي من قبل الحكومات أو كيانات شبه حكومية، وأن الطفرة في هذه الإصدارات قد تعوض جزئيا الهبوط في القروض المجمعة بعد أن سادت العودة قروضا تبلغ نحو 35 مليار دولار هذا العام بالمقارنة مع 90 مليار دولار العام الماضي و130 مليار دولار في 2007.
وشرح فضل الله أن هناك العديد من المؤشرات الهامة للأسواق المالية، ولكن اثنين منها تستحق الذكر في سياق الأحداث الأخيرة وهما اتجاهات عرض النقد والتطورات في مجال حوكمة الشركات، وأن نمو المعروض النقدي (M2) كان مؤشرا جيدا لأداء السوق في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نما المعروض النقدي 10.8 في المئة في المملكة العربية السعودية و11 في المئة في الإمارات.
وأضاف «لتحقيق انتعاش مستدام، هناك حاجة ملحة لمعالجة عجز خطير في معايير حوكمة الشركات في جميع أنحاء المنطقة. إن تضارب المصالح والمعاملات مع الأطراف ذات الصلة كانت متوافرة، والأرباح وفيرة ولكن التحليل الرصين يوحي بأن التنمية الاقتصادية ستكون بطيئة من دون إصلاحات. إن الخطوط الفاصلة بين الحكومات والجهات الحكومية ذات العلاقة والشركات الخاصة غالبا ما تكون غير واضحة مع مديرين يختبئون وراء حجاب من الاختلافات الثقافية والعادات المحلية لتجنب المسئولية والشفافية في الأمور الأساسية».
لكنه ذكر أن الخبر السار هو أن هذا الموضوع قد دخل في الصلب، لكن معظم الشركات تظل راضية بشأن تنفيذ السياسة، وأن المديرين يقدمون خدمات بالشفتين، والمدراء المستقلين نادرا ما يمارسون حقوقهم، ومراجعو الحسابات متساهلون أكثر من اللازم لزبائنهم.
وأضاف فضل الله: «ينبغي على المنظمين فرض قواعد أكثر صرامة، وأن المساهمين والمؤسسات المالية ترقى إلى مستوى الالتزامات التجارية والائتمانية، ويسعى المديرون إلى تحقيق مصالح جميع أصحاب المصلحة؛ لأن الرأسمالية لها ثمن وإن الفشل له عواقبه».
وقال فضل الله إن رياح الصعود التي تجتاح الأسواق المالية أدت إلى رفع الأسعار وأنعشت مزاج المستثمرين على رغم أن الركود الاقتصادي كان مجرد حلم سيئ، وإن المال توفر من جديد، وإن أسعار المنازل في لندن في سباق صعودي، وعادت المكافآت.
وأفاد «ونحن ندخل الأيام الأخيرة من العام الذي اعتبر أنه عام سيئ، يبدو أن بن برنانكي ونظراءه في مجموعة العشرين G20 قاموا بهندسة انتعاش ملحوظ. وبدعم من ارتفاع أسعار النفط، وبعد الفترة الزمنية التي تنسجم مع التباطؤ الأولي، فإن البراعم الخضراء ظهرت أيضا في الصحراء - فقد ارتفعت، وأعيد فتح أسواق الائتمان، واستقرت وبدأت أسعار العقارات وأرباح الشركات تستعيد عافيتها».
وأضاف أن عقيدة برنانكي من أن المال مقابل لا شيء، والدولار بدون مقابل كان لها انعكاسات على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تربط عملاتها بالدولار، والتي تستمد دخلها الأساسي من النفط، ما رفع الأمل في أن وفرة السيولة في نهاية المطاف ستجد طريقها إلى المقترضين المحليين. لكن قد تكون هذه سابقة لأوانها نظرا لعدم اليقين بشأن الكلفة النهائية والسياسات التجريبية، وهل أن الانتعاش الاقتصادي العالمي يمكن أن يستمر في العام المقبل دون مزيد من التحفيز.
وعلاوة على ذلك فإن استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لخفض قيمة عملتها ومحاولة تضخيم ديونها، ليست خالية من الكلفة، ويمكن القول إنها تساهم في تشكيل اختلال التوازنات العالمية الجديدة، «والتي قد تكون بذرة من بذور أزمة أخرى».
وأفاد فضل الله أن الانتعاش واسع النطاق في أسعار الأصول من الأسهم إلى السندات والسلع وحتى الممتلكات هو مقلق، «ويذكرنا بالماضي القريب، ويجلس بشكل غير مريح مع مستويات قياسية من الديون التي تنتشر بشكل غير متساو عبر النظام المالي. لكن الأخبار السارة هي أن الأسواق لا تميل إلى الانهيار عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، وأن المغالاة عادة تصحح على مر الزمن من خلال التناقص الطبيعي بدلا من تصحيحات حادة».
وإذ إن الأسواق تنمو في نهاية العام الجاري، فإن ديناميكية مكافأة المخاطر تتحول لصالح استراتيجيات الحفاظ على رأس المال في الأسواق الدولية، وتحقيق فرص العائد المستدام في الأسواق العربية.
على الرغم من الطابع الشديد من تباطؤ الاقتصاد العالمي، فمن الجدير بالذكر أن المنطقة في مجموعها لم تعانِ من الركود الفني - الذي يعرف بأنه فصلان متتاليان من النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي - وأن المتغيرات الاقتصادية الرئيسية لاتزال سليمة طوال الأزمة العالمية. وعلاوة على ذلك تشير التوقعات الأخيرة من جانب صندوق النقد الدولي الصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول إلى تفاؤل من أن النمو في الخليج العام المقبل سيكون أسرع بالمقارنة مع كثير من المناطق العالمية.
وقد ساعد التباطؤ الاقتصادي على مدى العام الماضي على تصحيحات متطرفة، والتي لا يمكن تحملها في الإقراض، المضاربة، وتكوين رأس المال، وأدى إلى تسوية مؤلمة لكنها صحية في رغبة المخاطرة وأسعار الأصول. وقد أدى تشديد الائتمان إلى خلق تحديات كبيرة، ولكن هذه لها جذورها في الاقتراض المفرط في السنوات القليلة الماضية، وهي مجرد بلورة ممارسة القرارات والأحكام الضعيفة خلال تلك الفترة. ومثل هذه الأحداث تحدث في نهاية الانكماش، وهي جزء من عملية تطهير طويلة عادة ما تمهد الطريق لحدوث انتعاش في نهاية المطاف، حتى لو كانت فاترة.
وقال فضل الله «إننا لا ينبغي أن نقلل من التحديات، ولكن في سياق ورقة التوازن الإقليمي، فإن المشاكل الحالية تمثل انتكاسة سيتم علاجها مع مضي الوقت، وينبغي عدم الخلط بين الحوادث التاريخية الخطيرة في أميركا اللاتينية أو آسيا. إن القضايا الأكثر إثارة للقلق لأسواق الأسهم الإقليمية ليس لها صلة قليلة بالاقتصاد الكلي، وتدور حول المسائل الاقتصادية الجزئية، مثل التخطيط الاستراتيجي، وتشتيت الصناعات، والإفراط في التنويع في العديد من الشركات وهياكل رأس المال غير الفاعلة».
وأضاف «أن الآليات والحوافز الرامية إلى استقطاب مزيد من الكفاءة لاتزال ناقصة، وربما تكون مصدرا للتخلف الاقتصادي إذا لم يتم معالجتها في وقت قريب».
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ، على سبيل المثال، أنه على رغم من اختبار البيئة للصناعة المالية فليس هناك عمليا أي نشاط اندماج في القطاع، وأن المؤسسات التي ضعفت بسبب الاضطرابات الأخيرة قد ذهبت، وتم ضخ رؤوس أموال جديدة لبعض المؤسسات لتفادي الدمج.
وبين أن «هذه الأنشطة هي عرض من أعراض الفلسفات الراسخة التي أحبطت المستثمرين وأثارت الشكوك حول نداء من مختلف الشركات، ومدى صلاحية نماذج تجارية معينة، وأن نذير الشؤم هو العدد الكبير من الفضائح التي هزت مشهد الشركات، وأدت إلى التخلف عن تسديد الديون، وكشفت عن مخالفات، وأسفرت عن العديد من المديرين التنفيذيين يمضون وقتا وراء القضبان».
وأضاف «المستثمرون الأجانب الذين صبوا المال في دول مجلس التعاون الخليجي خلال فصل الصيف على أساس أنها قد تخلفت عن الأسواق الدولية، أو أنها غير مكلفة نسبيا، أصيبوا بخيبة أمل واضحة.
وقد بين تحليل منذ بداية أزمة الائتمان أن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي تفوقت في البداية على أقرانها على خلفية الطفرة في أسعار النفط، قبل أن يتم التصحيح، وأن الهبوط دمر الانتعاش الهش الذي تم في أعقاب التراجع الحاد في العام 2006.
وعلى الرغم من الهبوط الحاد، فإن مؤشر مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال لدول مجلس التعاون الخليجي، لم يكد يشارك في السيولة مدفوعة بالوفرة في العديد من الأسواق هذا العام، وسجل مكاسب متواضعة نسبيا بلغت 15 في المئة.
وأفاد فضل الله أنه من المثير للاهتمام، أنه كان هناك إلى حد ما اختلاف واسع بين الأسواق، إذ إن سوقي الكويت والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، أخذتا مسارات مختلفة للغاية. فقد صعدت سوق السعودية 27 في المئة في حين تراجعت سوق الكويت بنسبة 13 في المئة، بينما استقرت في دبي مع قرب نهاية العام الجاري.
وأضاف «أن التباين في الأداء يؤكد وجود اختلافات في تركيبة الأسواق الإقليمية، وتباين قاعدة المستثمرين وشروط الائتمان ومدى تدخل الحكومة، وأن الأداء الضعيف عموما كان بسبب تدهور الأرباح، ولكنه يعكس أيضا الأضرار التي أصابت سمعة المنطقة وفقد الدعوة إلى العديد من المستثمرين الدوليين. وحتى يمكن للمنطقة معالجة المخاوف العديدة التي أثيرت على مدى الشهور الأخيرة، فليس من المرجح أن يجد المستثمرون في الأسواق الناشئة ملاذا أكثر جاذبية».
وتطرق إلى السوق السعودية، موضحا أنها على رغم أنها الأكثر تنوعا في الاقتصاد الأكثر مرونة في المنطقة، فقد نزلت 65 في المئة عن مستوياتها المرتفعة في العام 2008، قبل أن تستقر. وقطاعا البتروكيماويات والبنوك يمثلان نحو 62 في المئة من القيمة الإجمالية للسوق. وأدى انتعاش النمو العالمي إلى مساعدة قطاع البتروكيماويات، في حين تراجع قطاع المصارف وسط مخاوف بشأن انكشاف للقروض المحلية.
وقال إن إجمالي الأرباح الإقليمية قد انخفض بنسبة حوالي 43 % من الذروة التي بلغها قبل نحو عامين، ولكن يبدو أنها (الأرباح) تتعافى وفقا للبيانات السنوية التي جمعها مركز الكويت للأبحاث، وأن التراجع في دولة الإمارات العربية المتحدة تم تعويض معظمه عن طريق استرداد الأرباح في الكويت عقب إخفاق العام الماضي وتحسن متواضع في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والبحرين.
ويبين «توزيع أرباح هذا العام يدل على أن البديل من الخسارة إلى الربحية في مجال الخدمات المالية وكذلك في الشركات الكبيرة يعوض استمرار الضعف في القطاع العقاري، وأن الاستقرار في أكبر قطاعين وهما البنوك والاتصالات، واللذين يمثلان نحو 64 في المئة من مجموع الأرباح، يوحي بأننا قد نكون في، أو بالقرب من، أرضية من حيث الأرباح الإقليمية الشاملة».
العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ