تتصاعد الضغوط الأوروبية والأميركية على الصين بهدف إجبارها على اتخاذ خطوات اصلاحية لتحسين صورة الاقتصاد الصيني عالميا واظهار التزام الصين بالاتفاقات الدولية التي وقعت عليها والمطالبة بفتح الاسواق الصينية أمام السلع الاجنبية.
وبعد يومين من الانتقادات الحادة التي وجهها وزير التجارة الاميركي دون ايفانز للصين... من المقرر أن يتوجه وفد اقتصادي أوروبي رفيع المستوى قريبا الى بكين برئاسة رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي بهدف المطالبة بتعديل قيمة العملة الصينية «اليوان» مقابل الدولار الاميركي.
ويرى خبراء اقتصاديون أن استمرار معدلات نمو الاقتصاد الصيني والتي تبلغ 8 في المئة سنويا بالاضافة الى تدفق الاستثمارات الاجنبية بكثافة قد يؤدي الى اتساع الفجوة الموجودة فعلا بين النمو الصيني والتراجع الاورو أميركي.
وعلى رغم المطالبات والانتقادات الدولية الا أن الصين أكدت في أكثر من مناسبة أن رخص صادراتها يعزى الى رخص العمالة وليس الى رخص العملة.. مشددة على أن تعويم قيمة عملتها الوطنية لن ينتشل الاقتصاد العالمي من حال الركود الشديدة التي يعانيها.
وتأسيسا على هذه الاستراتيجية تنتهج الصين منذ العام 1994 سياسة نقدية ثابتة حيال قيمة عملتها «اليوان» وإلتزم المصرف المركزي في إطارها بسعر صرف لم يتغير منذ ذلك التاريخ وهو 8,26 يوان مقابل الدولار الأميركي في وقت تؤكد فيه غالبية الدوائر الاقتصادية العالمية أن سعر الصرف الحقيقي لا يزيد عن خمسة يوان مقابل الدولار.
وكان وزير التجارة الاميركي دون ايفانز قد حث الصين يوم الثلثاء الماضي على الاسراع بفتح أسواقها أمام السلع الاجنبية..محذرا من أن التباطؤ فى هذا الصدد من شأنه أن يعزز الاتجاهات الاميركية الضاغطة نحو فرض قيود على دخول السلع الصينية الى الاسواق الاميركية.
وأشار ايفانز الى أن الصين لم تلتزم بتعهداتها التي أعلنتها منذ دخول منظمة التجارة العالمية في العام 2001.
وتعزز تصريحات ايفانز الاخيرة التحذيرات الاميركية المتصاعدة نحو الصين باتخاذ اجراءات وقائية محتملة يمكن أن تعيق دخول السلع الصينية للاسواق الاميركية.
وتشير التقارير الى أن العجز التجاري الاميركي مع الصين بلغ رقما قياسيا العام 2002 يقدر بنحو 103 مليارات دولار... ومن المتوقع أن يصل إلى 130 مليارا نهاية العام الجاري.
ويفيد تقرير لغرفة التجارة الاميركية في الصين صدر خلال سبتمبر/أيلول الماضي أن بكين لم تنفذ سوى التزامين من مجموع 14 التزاما تجاه منظمة التجارة العالمية.
وأوضح التقرير أن مواقع القصور تتركز في فشل الصين بالالتزام بالتوقيتات المحددة لاتاحة دخول الشركاء التجاريين الى أسواق الاتصالات والزراعة.
فيما أشار مسح استطلاعي أجرته الغرفة الى أن شركة أميركية فقط من كل خمس شركات تعتقد أن بكين على استعداد للوفاء بالتزاماتها ازاء منظمة التجارة العالمية.
ويطالب خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة وأوروبا بإعادة النظر في القيمة الحالية للعملة الصينية... الا أن الصينيين يرون أن بقاء القيمة الحالية للعملة يساعد على استقرار الاوضاع ليس في الصين فقط وانما في الدول المجاورة أيضا.
وكان أعضاء في الكونغرس الاميركي قد أعلنوا امتعاضهم أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري من انخفاض كلفة الانتاج في السوق الآسيوية خصوصا في الصين والهند بسبب انخفاض الاجور باعتبار أن ذلك يسبب ضررا بالغا لأسواق العمل الاميركية... وفيما ذهب خبراء اقتصاديون أميركيون الى أبعد من ذلك حينما ألقوا بعبء فقدان الوظائف بالولايات المتحدة على التحول نحو عمليات التشغيل في دول مثل الصين.
ويؤكد كبير الاقتصاديين بمؤسسة جولدمان ساشز وليام دادلي أن انخفاض سعر العملة الصينية يؤثر ايجابا على الصادرات الصينية وسلبا على الصادرات المنافسة.
وفى هذا الاطار أعلن مسئولون في الادارة الاميركية في وقت سابق أن الصين تبدي اهتماما بطلب أميركي للسماح بالعملة الصينية بالارتفاع والانخفاض وفقا لقوانين السوق... إلا أن الرئيس الصيني هو جينتا أعلن أن الامر يحتاج لمزيد من الدراسات. ويرى المراقبون أن تخلي الصين عن استراتيجيتها الحمائية يعد أمرا بالغ الصعوبة خصوصا أن تلك السياسة هي التي حافظت على استقرار اليوان بالاضافة الى حماية الصين من تبعات الازمة المالية التي عصفت بآسيا في العام 1997.
ويبدو أن الاقتصاد الاميركي الذي بدأ يحظى ببعض الانتعاش يحاول جاهدا ألا يقع في هوة كساد أخرى. فبالاضافة الى توجهات المسئولين الاميركيين نحو فتح أسواق الصين أمام السلع الاميركية فان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي الان جرينبان ألمح الى الاتجاه للابقاء على أسعار الفائدة المنخفضة والتي لا تتعدى 1 في المئة وهو أقل معدل منذ 45 عاما بهدف تشجيع الاستثمار.
ومن جهة أخرى تشير التقارير الى أن الوفد الأوروبي الذي يضم رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني الذي ترأس بلاده الاتحاد الاوروبي حاليا والمفوض الاعلى للسياسة الاوروبية خافيير سولانا بالاضافة الى مفوض التجارة في الاتحاد باسكال لامي د سوف يطالب الرئيس الصيني هو جينتاو المطلب الاميركي نفسه وهو البدء في تعديل قيمة العملة الصينية.
وتخشى بكين من حدوث انكماش في حجم الصادرات وهو الامر الذي يؤثر سلبا على العمالة الداخلية خصوصا في المناطق الريفية التي لا تحظى باقتصاد قوي مثل المناطق الحضرية.
ويرى محللون اقتصاديون أن تعويم «اليوان» قد تكون له اثار مماثلة لما حدث للنمور الاسيوية خلال أزمة العام « 97 - 1998م» اذا ما تدفقت رؤوس الاموال الاجنبية بصورة كبيرة على الصين وفي وقت سريع.
ويبقى الباب مفتوحا أمام الاحتمالات كافة بشأن نجاح أو فشل الضغوط الاورو أميركية على الصين..الا أن أبواب الاسواق الصينية لا تعطي أية اشارات بشأن منح الضوء الاخضر للسلع الاجنبية حتى تتمكن من الدخول الى 1,5 مليار مستهلك.
... والصين ترسل وفدا لشراء سلع أميركية لتضييق عجز التجارة
بكين - رويترز
قال مسئولون أمس الاول أن الصين سترسل وفدا تجاريا للولايات المتحدة لشراء سلع اميركية وسط ضغوط من واشنطن لخفض العجز الهائل في التجارة الثنائية. وجاء الاعلان فيما يزور وزير التجارة الاميركي دون ايفانز بكين للضغط على الزعماء الصينيين للاسراع باصلاحات السوق إذ افاد انه تلقى تأكيدات بأن بكين ستحاول تقليص الفائض الذي بلغ 103 مليارات دولار في العام الماضي ويتجه لتجاوز هذا الرقم العام الجاري.
وقال ايفانز للصحافيين في بكين: «حصلنا على التزام قوي من رئيس الوزراء وين جياباو وسنعمل بجدية كاملة لتضييق فجوة العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين». وقال رئيس مجموعة تجارية صينية ان الوفد التجاري سيتوجه إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا العام.
وقال رئيس غرفة التجارة الدولية الصينية وان جيفي: «سيتوجه وفد حكومي صيني قريبا للولايات المتحدة لشراء منتجات أميركية».
واكد مسئول بوزارة التجارة الصينية الخطة إلا أنه رفض ذكر تفاصيل عن اعضاء الوفد او المنتجات التي سيشتريها، واكتفى المسئول بقوله ان مجموعة من المسئولين التنفيذيين من مئة شركة ووزارة صينية ستزور الولايات المتحدة في أوائل ديسمبر/ كانون الاول ويتزامن ذلك مع زيارة رئيس الوزراء وين.
وقال المسئول الذي رفض نشر اسمه «يمكن اعتبار ذلك احد سبل» حل مشكلة العجز التجاري. وقال مسئولون اميركيون انهم يرحبون باي مشتريات صينية لسلع اميركية ولكنهم قالوا انهم يعانون من مشكلة متكررة تجعل من الصعب على السلع الاميركية المنافسة.
كما اتهم منتجون اميركيون الصين بتضخيم العجز التجاري بابقاء سعر عملتها منخفضا مما يؤدي الى فقد وظائف في مصانع اميركية.
وقال وان إن الصين مهتمة بشراء تكنولوجيا اتصالات وطيران وفضاء وكيميائية وان العجز يمكن ان يتقلص اذا تخلت الولايات المتحدة عن حظر تصدير منتجات التكنولوجيا المتطورة في هذه المجالات
العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ