غيّب الموت الشاعر السعودي الكبير طلال الرشيد أواخر الشهر الماضي في الجزائر، حيث كمنت له مجموعة تضاربت الأنباء عن هويتها، إلا أن ماجهله القتلة أيا كانت هوياتهم وانتماؤهم هو أن الموت يستعصي على الخلود... ذلك ما لهج به شاعر العرب الكبير الجواهري:
يموت الخالدون بكل فجٍّ
ويستعصي على الموت الخلود
كان خالدا بانسانيته الكبيرة وقلبه الكبير وروحه البسيطة الصعبة والعالية، حيث تخوم من الحنو على الضعفاء من بني جنسه بحيث تحوّلت مؤسسته الصحافية إلى منبر لاستقطاب ذوي الحاجات والمرضى والذين انقطعت بهم السبل. ونحن هنا في صفحة «تــراث» نعيد للصوت الرائع بعض حضوره الذي يستعصي على النسيان من خلال نشر عدد من قصائده و«فاصلته البيضاء» التي لم تنفصل قط عن محبيه لفرط بياضها.
فاصلة بيضاء
الرياض - طلال الرشيد
لو بعثرتَ الحروف الأبجدية وأعدتَ ترتيبها، ستكتشف أن سيبويه، أو الليثي، كان يجب أن يجمعها بين الـ (ع) والـ (ي). وحتى تثبت ذلك جرّب أن تقرأ (عايض القرني)، ستسيل الأودية، ويطيب الرطب، ويمتلئ الإناء.
التقيناه في (أَلِف) الأسئلة فأحببناه في الله. وفارقناه على (ياء) الأماني فوعدتنا الأيام بعائض. فبعد ركض عشر سنوات على قارعة الأوراق، وفي فيافي الصحافة، لم تأت إلى «فواصل» رسالة واحدة من أي ضيف استضفناه في المجلة، تقدّر ما تقوم به المجلة لمدّ جسور المودة بين هذا الرمز، أو النجم، ومحبيه. وأظن أن حال «فواصل» ينسحب على كل وسائل الإعلام العربي. فبعد هذه التجربة الشخصية لي عبر عشر أمنيات، أو عشر حكايات، أو عشرة إحباطات، وقل عشرة تفاؤلات... جاءتنا في «فواصل» رسالة من عايض القرني تشكر المجلة على تقديم حواره إلى القراء، وعرضه بشكل جيد. وهذا لعمري واجب أية مطبوعة تجاه ضيوفها... فما بالكم إن كان ضيفا بحجم عايض... شكرا لك يا عايض شكرا عليك.
جاءتني رسائل كثيرة تثني وتؤيد الموضوع الذي طرح هنا، عن انتقاد مشاركات بعض بناتنا الهاتفية بدلع وميوعة لا مبرر لها في البرامج التلفزيونية المباشرة عبر الهاتف. إلا انني أود أن أوضح نقطة فهمها البعض خطأ، وهي أنني عندما وجهت ندائي إلى شركة الهاتف، لم أكن أعني ذلك بالمعنى الحقيقي، بل كان ذلك من باب السخرية فقط، لأن البعض من أخواتي وإخواني القراء الذين وصلتني رسائلهم، تحمسوا لفكرة أن نوجه نداء جماعيا بذلك. وبناء على أن هذا غير ممكن، فأشرت إلى ذلك من باب السخرية. المهم أنني أتوجه بشكري إلى كل من أرسل متفاعلا مع الموضوع. وما أثلج صدري أن غالبية المرسلين هم من أخواتي القارئات. وهذا دليل قطعي على ما أوردته من أن الميوعة والشكليات والسطحية هي دخيلة على بنات هذا المجتمع، ولا تعني إلا قلة قليلة. ولن يشجع هذه الفئة إلا هادم أو مستخف بعقولها وهو ممن يدخلون في تصنيف «جاهل لا يعلم انه جاهل فاجتنبوه». وحتى أكون منصفا مع نفسي ومعكم، فقد جاءتني رسالتان تنتقدان اعتراضي على ميوعة البنات في الهاتف عبر البرامج التلفزيونية. الأولى من فتاة تشتمني شتما يقشعر له البدن وأظنها إحدى الأخوات - اللي على راسها بطحة - التي قيل لها إنه يقصدك. وللأمانة فأنا لم أقصد أحدا بعينه، بل أقصد كل من يتصرف بهذا الشكل ويسيء إلى مجتمعه. والرسالة الثانية من رجل أرجو ألا يكون ممن يحبون أن تشيع الرذيلة في مجتمعاتنا. فلسان حال رسالته يقول «يا أخي شو طعم هالبرامج من غير هيك دلع خليجي». وأقول له إنني كنت أستثير في مقالي كل بناتنا اللواتي يعكسن الوجه المشرق للفتاة الأصيلة، لنبذ هذا النوع من الفتيات من بينهن وأشد على أيديهن - وهن لسن بحاجة - لأن يعكسن الصورة التي تعكس إلى العالم بأن هذه النوعية قلة، وأن الغالب نموذج للفتاة التي نفخر بها. وأردت، ومازلت أريد، أن أُبيِّن أن المرأة الخليجية، كباقي أخواتها في الوطن العربي، جوهر يليق بالمفاخر ولفت الأنظار، وليست السطحية كما تحب في رسالتك... فهل هذا أزعجك؟ أما إن كنت أخي المرسل معجبا بهذه النوعية، فلك ما يعجبك في حواء، ولنا ما نفخر به منهن. والحقيقة أنني أخشى أن أشك في نواياك. وإذا كان هدف الرسالة هو البحث عن معجبات، أو أن تحمل على راحلتك بعضا من القشور، فلا أعلم إن كان إعجابك بالمرأة يصل بك الى هذه السطحية. ولكن، على رأي المثل الشعبي، «الله يهني سعيد بسعيدة»
العدد 456 - الجمعة 05 ديسمبر 2003م الموافق 10 شوال 1424هـ