يعد التسمم الغذائي الجرثومي من الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم وخصوصا في البلدان النامية، إذ يبلغ حجم الإصابة السنوية نحو مليار شخص على مستوى العالم، منها خمسة ملايين حالة وفاة سنويا غالبيتهم من الأطفال دون سن الخامسة، فأين تقع البحرين من تلك الدول؟ وما المسببات وطرق انتقال العدوى ووسائل الوقاية. هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها في ثنايا التحقيق الآتي.
إن طرح موضوع التسمم الغذائي الجرثومي ليس جديدا، غير أنه لايزال يشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان، وخصوصا الأطفال، على رغم كل التقدم والتطور الذي تشهده الحياة المعاصرة في العلوم البيولوجية البيئية والأغذية، وفي مختلف نواحي الحياة بشكل عام. ومع أن هناك عشرات بل مئات المسببات من الجراثيم وسمومها للتسمم الغذائي، فإنها متشابهة في غالبيتها في طرق العدوى والأغراض وأساليب المكافحة والوقاية.
عن وضع البحرين بالنسبة إلى التسمم الغذائي الجرثومي، يقول رئيس قسم مراقبة الأغذية بوزارة الصحة عبدالله أحمد عبدالله: «فيما يتعلق بوضع البحرين من ناحية التسممات الغذائية، فإن الإصابة بالتسممات الغذائية منخفضة جدا مقارنة بدول العالم الأخرى، نظرا إلى الرقابة المكثفة والوعي الجماهيري، إذ بلغت نسبة الإصابة في العام 2002 حوالي 903 حالات من السلمونيلا و178 حالة من الشيجيلا».
يشكل التسمم الغذائي الجرثومي وموضوع مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية والفيروسية، أكبر مشكلتين تواجههما البشرية في القرنين الماضي والحالي.
يقول عبدالله: «يعتبر التسمم الجرثومي المنقول عبر الأغذية من أخطر المشكلات التي تحدثها الأغذية الملوثة في العالم، إذ تتسبب في ملايين الإصابات، ولا تستثني أي دولة سواء كانت صناعية أو نامية، ويتأثر الأطفال والشيوخ ومن يشكون من أمراض الجهاز المناعي بشكل أشد من غيرهم، إلا أن الجميع معرضون للإصابة به».
البكتيريا هي المسئولة عن أكثر حالات التسمم الغذائي، ويتم ذلك إما بتناول طعام ملوث بالبكتيريا أو بسبب سمومها التي تفرزها في الطعام. والسم نوعان، إما سم معوي يؤثر على الغشاء المبطن للقناة الهضمية، أو سم عصبي يؤثر في الجهاز العصبي المركزي.
ومن أهم أنواع البكتيريا المسببة للتسمم الغذائي: عصيات السالمونيلا، المكورات العنقودية، التسمم بالكائنات الأولية (الأوليات)، بعض أنواع الفيروسات وبعض أنواع الفطريات التي تفرز مواد سامة.
يقول عبدالله: «تتلوث الأطعمة من مصادر كثيرة، إذ توجد الجراثيم في الأغذية النيئة، وخصوصا تلك التي من مصدر حيواني كاللحوم والدجاج، إذ توجد الجراثيم في كثير من الأحيان في الجهاز المعوي للحيوانات والطيور، ويمكن أن تتلوث التربة في مناطق تربية الحيوانات والطيور، ومنها تنتقل الجراثيم إلى الأغذية والحليب والأعلاف وتنتشر بشكل كبير».
ويضيف «كذلك يمكن أن تنتقل الجراثيم إلى الخضراوات عن طريق التربة أو الأسمدة المستخدمة أو مياه الري الملوثة. كما يمكن لمتداولي الأغذية أن ينقلوا الجراثيم من أغذية ملوثة إلى أغذية معقمة، إذا لم تراعَ الاشتراطات الصحية اللازمة في عمليات الإعداد والتحضير في المطابخ والمطاعم والمحلات التي يتداول فيها الأطعمة».
ويشير إلى أنه «تنتقل الجراثيم إلى جسم الإنسان عندما يتناول أطعمة ملوثة بالميكروبات أو بسمومها، فتحدث له الإصابة».
نذكر منها الأسباب الرئيسية للتسمم الغذائي، وهي تناول المواد الغذائية والأطعمة والماء والمشروبات الملوثة بالجراثيم الممرضة.
تستوطن بعض الجراثيم، كالسالمونيلا وغيرها في أمعاء الحيوانات كالطيور والماشية وكذلك الإنسان. وقد تنتقل العدوى بواسطة ماء الشرب الملوث بمياه الصرف الصحي، أو عن طريق الأطعمة الملوثة بالبكتيريا أو أكياسها أو سمومها.
تحدث العدوى كذلك من خلال تناول الخضراوات والفواكه النيئة من دون غسلها.
من تناول بعض أنواع اللحم المدخن والسجق والنقانق والسمك المدخن، وأيضا عن طريق أكل البيض النيئ وغير المسلوق جيدا، أو منتجات البيض الملوث.
حدثت حالات تسمم بعد تناول بعض أنواع الأسماك وبعض الرخويات المصابة وبعض الصدفيات، وتتركز السموم المعوية والعصبية في خياشيم وجلد وأحشاء هذه الأسماك والمحار بسبب تغذيتها على بعض أنواع الطحالب.
وقد حدثت بعض حالات التسمم جراء تناول مادة المايونيز الذي يدخل البيض في تركيبه. هناك حالات سببها البطاطس المهروسة أو متبلات الحمص أو الباذنجان الملوثة بواسطة يدي أحد الطباخين.
عن طريق شرب الحليب مباشرة بعد حلب الحيوان أو منتجات الألبان الملوثة والمصنوعة، سواء من حليب الأبقار أو الأغنام أو الماعز.
وتنتقل العدوى عن طريق شخص مصاب بالعدوى ويعمل في تحضير الطعام، أو عن طريق إعداد وتجهيز الطعام بأدوات ملوثة.
قد تنتقل العدوى من شخص إلى آخر عن طريق المصافحة، ونقل أكياس العدوى من اليد إلى الفم.
الإهمال وعدم اتباع القواعد الصحية والنظافة الشخصية، وعدم اتباع الطرق الصحية والسليمة في عمليات تحضير وتجهيز الطعام وحفظه.
من الأسباب الخطيرة لعدوى التسمم الغذائي، تلك العادات الخاطئة لدى بعض الناس الذين يأكلون الكبد واللحوم النيئة مخلوطة بالتوابل ومن دون طبخ.
قد يكون سبب العدوى مصدرا بشريا من إفرازات صديد في اليد أو الأصابع المصابة بالعدوى، أو العين المصابة أو إخراجات أو طفح جلدي أو إفرازات بلعومية أنفية.
بعض أنواع الفطر (المشروم) سامة وغير صالحة للاستهلاك البشري وقد تؤدي إلى الموت. وهناك بعض أنواع الحبوب كالقمح والشعير قد تكون ملوثة بالعفن الفطري. وهناك بعض المكسرات والتين وأنواع أخرى من المواد الغذائية والأطعمة تكون ملوثة بفطر أسبرجيلاس.
يعتبر المصابون بالعدوى وحاملو البكتيريا أو الفيروسات، خصوصا الذين يقومون بتحضير الطعام البارد كالسندويتشات والسلطات والعصيرات وسيلة خطيرة لنقل العدوى.
على رغم تباين المسببات لعدوى التسمم الغذائي، فإن هناك أعراضا مهمة متشابهة، أهمها:
اضطراب معدي ومعوي، وقد يبدأ بشكل مفاجىء وحاد يرافقه غثيان وقيء ومغص مع آلام في البطن وانتفاخ وغازات.
تعرق وحمى وارتفاع درجة الحرارة، مع صداع مفاجىء، وضعف الشهية للأكل.
قد تكون عدوى التسمم الغذائي أحد أسباب الفشل الكلوي الحاد لدى الأطفال، وبعضها يسبب تجلطا في الأوعية الدموية الشعرية للكلى.
قد تحدث أحيانا أعراض يرقان وارتفاع ضغط الدم أو قصور في القلب.
قد تسبب عدوى بكتيريا اللستريا الإجهاض لدى الحوامل أو يصيب الأجنة.
قد يسبب التسمم، إثر تناول الأسماك الفاسدة، الشعور بخدر ودوار وأعراض هضمية.
عن طرق الوقاية يتحدث عبدالله قائلا: «إن الوقاية من الأمراض المنقولة عبر الغذاء (التسممات) سهلة جدا، إذا ما روعيت فيها الاشتراطات الصحية والقواعد الأساسية، وهي: طبخ الطعام جيدا حتى تصل درجة حرارة جميع مكوناته إلى ما يزيد على 70 درجة مئوية، استهلاك الأطعمة مباشرة بعد الطبخ، وعدم تركها في جو الغرفة لفترة طويلة، حفظ الأطعمة المطبوخة باستمرار في درجة حرارة تفوق 65 درجة مئوية، في حال عدم استهلاكها فور طبخها، حفظ الأطعمة المبردة في ثلاجات لا تزيد درجة حرارتها على درجتين مئويتين، وخصوصا مشتقات الألبان، التأكد من شراء جميع الأغذية من مصادر معروفة ومرخص لها، تباع النظافة العامة والشخصية في محلات تداول الأطعمة واتباع الممارسات الصحية الجيدة، ومنع حدوث التلوثات العرضية بين الأطعمة».
ويشير عبدالله إلى أن «هذه أهم العوامل التي إذا لم تؤخذ في الحسبان، فإنها تتسبب في خلق مشكلات التسمم الغذائي الجرثومي».
وأكد عبدالله «في حال اتباع الاشتراطات السابقة، فإنه لن تحدث أي تسممات، حتى وإن كانت الأغذية ملوثة، إذ إن التلوث الموجود لن يتفاقم، بل سيقضى عليه عن طريق الطبخ، ولن تتكاثر الجراثيم لو حفظت الأغذية في درجات حرارة مناسبة سواء حارة أو مبردة».
ويمكن إضافة النقاط الآتية، للحد من حالات التسمم الغذائي الجرثومي:
الشخص الذي يلمس اللحوم والدواجن الطازجة، يجب عليه تجنب وضع يده في فمه أو أنفه.
يجب غلي الماء المشكوك فيه وفي مصدره.
استعمال الحليب ومنتجات الألبان المبسترة، ويجب تسخين وبسترة الحليب قبل تناوله أو استعماله لصنع الأجبان والمنتجات الأخرى.
تشجيع الرضاعة الطبيعية، فحليب الأم يحتوي على أجسام مضادة فعالة تحمي الرضيع من التهاب المعدة والأمعاء.
الامتناع عن صيد الحيوانات البحرية من المناطق التي يكون ماؤها ملوثا، أو قرب مياه الصرف الصحي.
أخذ الحيطة والحذر واتباع الوسائل الكفيلة بالوقاية من العدوى أثناء ترتيب الحفلات والرحلات، وإعداد الطعام والشراب الجماعي.
تجنب استخدام البيض المكسور.
أخذ الاحتياطات والتدابير الوقائية أثناء السفر للوقاية من التسمم الغذائي.
الحذر والتأكد من سلامة الأغذية المعلبة، وتجنب استخدام المعلبات والقوارير المنتفخة والفاسدة التي تنبعث منها رائحة كريهة عند فتحها.
التأكد من صلاحية الفطر البري (المشروم) للاستهلاك البشري قبل استخدامه وطبخه.
التأكد من خزن الحبوب في أماكن جافة تمنع نمو العفن.
عدم تناول الفواكه المتعفنة جزئيا أو كليا، وعدم استخدامها في تحضير الفواكه.
التأكد من سلامة وصحة البيئة المدرسية، والاهتمام الخاص بنظافة المقاصف المدرسية.
الفحص الدوري لمحلات الجزارة، والتأكد من خلوها من العدوى.
نشر الوعي الصحي وخصوصا في ظل سيطرة الوجبات السريعة والسندويتشات والمطاعم التي تقوم بتحضير كميات كبيرة من الأطعمة والسلطات.
التأكد من التزام جميع مصانع الأغذية والأطعمة والعصيرات بتنفيذ إجراءات مناسبة لضبط الجودة.
التأكد من سلامة الأعلاف وطرق معاملتها وخلطها وتعبئتها في المصانع.
لا يقتصر التسمم الغذائي على الأضرار الصحية فقط، بل يؤدي إلى خسائر اقتصادية، مثل إتلاف الكثير من المنتجات الغذائية، وإغلاق محلات بيع الأغذية، وما يتبع ذلك من تعطيل الأعمال وملاحقات قضائية وخلافه
العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ