أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات العربية المتحدة عبدالخالق عبدالله أن التقارير الدولية والمؤشرات تضع دول الخليج العربي في مؤخرة الترتيب بالنسبة إلى الحريات والممارسات الديمقراطية والحراك السياسي. جاء ذلك على هامش محاضرته في ندوة «تجربة دول الخليج في المشاركة السياسية» التي نظمها معهد البحرين للتنمية السياسية أمس الأول في فندق إليت جراند بضاحية السيف.
وقال عبدالله: «عندما ترصد الكتابات حول تجربة دول الخليج في المشاركة السياسية، أرى موقفين مختلفين ومتناقضين فيما يتعلق بمبادرة التحول الديمقراطي، الموقف الأول يشير إلى أن دول الخليج لا تزال تعاني من جمود سياسي مزمن وأن هناك تيارا يتجه نحو إعاقة التحول الديمقراطي، بل يستبعد أي تحول ديمقراطي».
وأضاف «هذا الرأي يقول إن دول الخليج لم تشهد أي تغير وإن حدث تغير فإنه لا يلامس الجوهر بل هو مجرد مظهر، ويرى الرأي أن عوامل الجمود أقوى من عوامل التغيير والتنمية، وأنه خلال 30 سنة لم تشهد دول الخليج أي تحولات».
ولفت إلى أن هناك رأيا آخر يرى أن دول الخليج شهدت إصلاحات ومسار صادق نحو التحول الديمقراطي من خلال المشاركة السياسية، ويرى أصحاب هذا الرأي أن التحولات صادقة وتستحق الإشادة، وربما شهدت دول الخليج تحولات أكثر من أي دولة عربية.
وقال عبدالله: «هناك مؤشرات تدعم كلا الجانبين؛ فبالنسبة إلى الرأي الأول فهناك تقارير دولية تقدر بأكثر من 130 تقريرا في دول العالم ترصد واقع الحريات وحقوق الإنسان، وعندما ننظر لهذه التقارير فإنها تشير إلى أن التحول في دول الخليج متواضع جدا في جميع النواحي والمجالات كالحريات وحقوق الإنسان والصحافة وسجلها السياسي غير مشرف، ففي التقارير التي تتناول الديمقراطية فإن جميع دول الخليج غير مصنفة على أنها دول ديمقراطية، وبحسب هذه القائمة فإننا نأتي في آخر القائمة».
وتابع «وفي المقابل هناك مؤشرات إيجابية، فعندما نستعرض التغير منذ عام 1990 حتى عام 2009، ونقارن الوضع في هذه الفترة الزمنية نرى أن هناك فارقا كبيرا جدا في الممارسات السياسية والحريات من حيث حق التصويت والانتخاب والمشاركة وحرية الصحافة وغيرها من الأمور، وعندما نأخذ هذه المؤشرات نرى أن دول الخليج أفضل حالا نسبيا، وهناك أمل أن الخط يسير في الاتجاه الصحيح ويتطور الوضع، وخلال هذه السنوات هناك أفراد كثر مارسوا حقهم السياسي في الانتخابات والترشيح وجرت المشاركة بنسبة كبيرة ولعل من الأمثلة البارزة المشاركة الكبيرة من أبناء البحرين في التصويت على الميثاق».
وانتقل عبدالله للحديث عن تجربتين مختلفتين في دول الخليج، بادئا بتجربة دولة الكويت موضحا أن «تجربة الكويت هي الأغنى والأبرز، ليس على مستوى دول الخليج فحسب بل على مستوى الدول العربية، ومن حق شعب الكويت أن يفخر بدستوره ومجلسه الوطني والشعب هناك هو من يدير المال العام، ولدينا حرية الصحافة التي وصلت إلى مستويات متقدمة جدا».
وأضاف «للتجربة الكويتية سلبياتها أيضا، فقد انكفأت على نفسها وأصبحت مغلقة على الشأن المحلي على حساب الشأن الوطني، وأصبح لدينا الصراع بين الحكومة ومجلس النواب، ولاسيما في السنوات الخمس الماضية، بل وأصبحت البيئة الكويتية بيئة طاردة للاستثمار... ففي الكويت هناك تطور في الممارسات السياسية والتنمية ولكنه أثر سلبا على النمو الاقتصادي».
وعرج عبدالله على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، قائلا: «الإمارات شهدت ثورة في التحديث الاقتصادي، وأصبح اقتصادها ثاني أقوى اقتصاد على مستوى الوطن العربي، بل وهي النموذج التنموي الصاعد، واقتصاد الإمارات أكثر بخمس مرات من اقتصاد دولة الكويت من حيث الناتج المحلي، ولكن هناك تأخرا في الإصلاحات على المستوى السياسي، ومجلس الإمارات الوطني أضعف مجلس في دول الخليج ولم يمارس شعب الإمارات حتى الآن حقه في الانتخاب».
وتساءل «أي التجربتين أفضل لدول الخليج؟ وهل هناك دولة ستأخذ النموذجين معا، ونأمل أن تكون هذه الدولة هي البحرين التي ستأخذ ميزات التحول الديمقراطي في الكويت والتنمية الاقتصادية في الإمارات لتصبح النموذج الأمثل في دول الخليج».
وقال: «لا يمكن الحديث عن التجربة الديمقراطية في الخليج بمعزل عن العالم العربي، وحتى هذه اللحظة بالمحيط العربي هو محيط طارد للديمقراطية، وهذا ينعكس بالضرورة على دول الخليج. وفي الوطن العربي فإن القاعدة هي الجمود والحراك السياسي هو الاستثناء، وفي العالم العربي الذي يشكل 10 في المئة من مساحة العالم أجمع، لدينا نحو 32 في المئة من حجم العنف في العالم أجمع والذي سجل في العام 2007».
وتحدث عبدالله عن تأثير الأزمة المالية على التحول الديمقراطي، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص قد يطالبون بتأجيل الحديث عن الديمقراطية وأن تقتصر الجهود على حل الأزمة المالية، ولكن الأزمة المالية جاء وقعها بهذا الشكل نظرا لغياب الشفافية وعدم المحاسبة والعمل الفردي والمخططات التنموية والاستراتيجية التي وضعت بأقل قدر من المشاركة، ولو أن هذه الأمور أخذت في الحسبان لكان وقع الأزمة المالية أقل بكثير.
وقال:» بعد هذه الأزمة، لابد أن يكون الاتجاه يسير نحو المأسسة، والمشاركة الشعبية في الرقابة على المال العام»
العدد 2352 - الخميس 12 فبراير 2009م الموافق 16 صفر 1430هـ