طالب سفير جمهورية مصر العربية لدى المملكة محمود عبدالجواد، أن يُنصَّب أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة الخليج العربي محمد جابر الأنصاري، عميدا للفكر العربي. في الوقت الذي حذر فيه الأنصاري من تبني منهجية الكتاب الواحد والثقافة الواحدة. فيما تبنت الجامعة على لسان رئيستها رفيعة غباش مشروع «ملتقى الأنصاري الفكري» سنويا.
جاء ذلك خلال تكريم الأنصاري في الملتقى الفكري أمس في جامعة الخليج العربي، بحضور عدد من الشخصيات تقدمهم وزير التربية ماجد النعيمي، ووزير الصحة خليل حسن، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جاسم الغتم ومجموعة من السفراء والنواب.
السلمانية - عبدالله الملا
أكد أستاذ الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر في جامعة الخليج العربي محمد جابر الأنصاري أن ما يتهدد أية ثقافة هو أن تكون ثقافة الكتاب الواحد، أي ثقافة الصوت الواحد بكل تبعات هذه الأحادية المستبدة والمؤدية إلى خنق تفتح العقل والحياة وإجهاض خيارات التقدم. جاء ذلك في كلمة ألقاها بمناسبة تكريمه في الملتقى الأنصاري الفكري الأول أمس في جامعة الخليج العربي.
وقال الأنصاري في الحفل الذي حضره وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، ووزير الصحة خليل حسن ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جاسم الغتم، ومجموعة من السفراء والنواب: «على الجامعات بحكم مسئوليتها عن حماية التعددية العلمية لمصادر الحقيقة وأصول المعرفة ضد الاختزال والتبسيط المخل، أن تتصدى لهذه الثقافة الأحادية وأن تحد منها لا أن تحتضنها وترسخ بها، بل ان أية جامعة تعتمد فلسفتها التعليمية والبحثية على المرجع الواحد تنفي مبرر وجودها من الأساس».
مضيفا أنه «على رغم ما شهده عالمنا وعصرنا من تعدد مصادر المعرفة فإن أجيالا عربية في العقود الأخيرة كان قدرها أن تنشأ على الكتاب الواحد في هذا الاتجاه أو ذاك، الأمر الذي جعلها تتصور أنها امتلكت الحقيقة الكاملة من خلاله، فلم تستشعر الحاجة إلى قراءة المصادر الأساسية في موضوعه ولا المراجع الأخرى التي تعكس وجهات نظر أخرى (...) لا نريد الدخول في جرد قوائم الكتاب الواحد في ثقافتنا الواحدة لدى أعتى المحافظين أو أشرس المجددين فلذلك وقفة ودراسة أخرى. إلا أنه يجب علينا التوقف بمسئولية حيال النتائج المدمرة ليس لثقافتنا العربية فحسب، وإنما للغتنا العربية وكيفية نظرتنا لحقيقة تاريخنا وواقعنا المعاصر وطبيعة وعينا بهما».
مشيرا إلى أنه «نتيجة لثقافة بل ثقافات الكتاب الواحد في حياتنا العربية الراهنة، والتي لا تستطيع التواصل والتحاور فيما بينها لكونها تتبادل الإلغاء والنفي، نشأت كتابة هجينة إذا كان التقليدي منها قد بقي اجترارا لقديمه، فإن الحداثي فيها قد أفرز تراكما تبرأ منه حتى من اعتبروا في البداية من رواده وينكره اليوم ذوقا ومضمونا كل من يقاربه وإن عده أصحابه نموذج الإبداع والتمرد. وكانت العربية عرفت نماذج النثر الفني منذ أزمان ولكن ما سمي كتابة جديدة جاء أصحابه بما أسموه «قصيدة النثر» وهي أصداء باهتة لذلك النثر الفني ليتها بلغت مستواه، وقيل لنا ان هذا هو «الشعر الجديد»...
وأوضح الأنصاري أن «الأدهى من ذلك ليس تكاثر تلك النصوص لكن تحولها إلى مقررات دراسية و موضوعات للماجستير و الدكتوراه في جامعاتنا العربية باعتبارها نماذج للشعر الجديد والكتابة الجديدة، بما يتهدد بإفساد سليقة النشىء إن لم يفسدها بالفعل. إنني من فوق هذا المنبر الجامعي أنبه إلى خطورة هذا التدهور التعليمي والبحثي في جامعاتنا العربية وأدعو إلى وقفة مراجعة مسئولة بشأنه».
وأشارت رئيسة جامعة الخليج العربي رفيعة غباش في كلمتها إلى الدور الكبير الذي لعبه الأنصاري، ومساهماته الفكرية في النهضة بالفكر العربي، وقالت: «أتذكر أنه في مثل هذه الأيام من العام المنصرم، كنا نكرم العالم الكبير والرمز أسامة الخوري، وناقشنا قضية التنمية في الوطن العربي، ولم نكتف بتلك الندوة العابرة، بل خلدنا ذكراه في قلوبنا وعقولنا من خلال إطلاق اسمه على إحدى القاعات في الجامعة، وأؤكد من هذا المكان، أن الجامعة لن تتوقف عن تكريم العلماء، وسيكون هذا المشروع مشروعا سنويا، وسنكرم العلماء في كل عام».
من ثم عرض رفيق مسيرة الأنصاري نائب رئيسة الجامعة رياض يوسف حمزة إلى سيرة الأنصاري الذاتية، وعرج على مسيرته قائلا: «من أجمل الأمور أن تكون البداية من البداية، ومن المحرق كانت البداية... يفتح ابن المحرق عينيه على ضجيج الحياة والمستقبل الممتزج بالبساطة والطموح في آن واحد، وما يكاد يصل ويبلغ عمر المدرسة حتى تلتقفه الهداية الخليفية نافذته الأولى على العالم الرحب (...) من المنامة إلى بيروت، بيروت التي كانت عاصمة النور لوطن طالما التفّ بالظلام، وفي بيروت كما في الجامعة الأميركية حيث يتفاعل الفكر بحرية وتتصادم التيارات، كان الأنصاري واعيا ما حوله مدركا أبعاد ما يرى وما يسمع».
وواصل حمزة قائلا: «وما هي إلا سنوات حتى كان الأنصاري مرة أخرى في مدرسة المنامة الثانوية يتفاعل بالتعليم من جديد مدرسا ينظر إلى أجيال قادمة نظرة الواثق المطمئن... وأخذ الأنصاري يتنقل في العواصم يدرس ويكتب ويسهم في ميادين الثقافة، وبدأ بعد ذلك تحضير بحثه للدكتوراه التي جعل الفكر العربي الحديث موضوعا لها. وفي العام 1979 تتوجت بحوث الأنصاري بالدكتوراه في موضوع التاريخ المعاصر للفكر العربي الإسلامي واتجاهاته وظواهره في الخمسين سنة الأخيرة، وذلك في الجامعة الأميركية بامتياز...».
وخلال الحفل قدم سفير مصر لدى المملكة محمود عبدالجواد شهادة وزير الثقافة فاروق حسني إلى الأنصاري بمناسبة اختيار كتاب «تحولات الفكر والسياسة» أحد أفضل الكتب الصادرة في العام 2003. وقدم المدير العام للمكتبة العربية سعيد المليص درع المكتبة إلى الأنصاري، كما تسلم هدية تذكارية من جامعة الخليج العربي.
وتحدث بعد تكريم الأنصاري كل من محمد نعمان جلال في «فكر الأنصاري والتعبير عن الهوية البحرينية»، وتركي علي الربيعو في «لماذا يتكرر رسوب العرب في التاريخ: مساءلة المشروع الفكري لمحمد جابر الأنصاري؟». وتلت ذلك جلسة نقاش مفتوحة
العدد 548 - السبت 06 مارس 2004م الموافق 14 محرم 1425هـ