العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ

الإسلام والعلم

هل يمكن للعلم والإسلام أن يتعايشا؟

هل لهما أن يقترنا ببعضهما بعضا؟

وهل بوسعهما أن يتلازما؟

ينفر علماء الدين المسلمون من العلم، لأنهم يخشون أن تكون لدراسة الآثار الدينية والفلسفية للعلم (في قالبه الغربي) تأثيراتها علي العقل المسلم. وربما ترجع جذور هذه النظرة التقليدية إلى العلم والتفكير العقلاني إلى زمن الإمام أبي حامد الغزالي الذي كان يعتقد أن «من يقدم على دراسة العلم فقد لا يسلم من شروره ورذائله». ومن شأن هذه العقلية أن تجعل من التفكير العقلي أمرا نادرا، ومن ضحالة فكر الأمة القاعدة لا الاستثناء. وقد مهد ذلك السبيل أمام طريقة التفكير المتزمتة التي يتبناها مسلمو اليوم والتي تنطوي على رفض مناقشة الأسئلة الفلسفية الأساسية في العلم. ويكتفي هؤلاء بالحصول على نتائج العلم وثمراته مع السعي لتفادي تأثيراته. ومع تبني هذا المنهج واتباع هذه الطريقة في التفكير فإن إجابة السؤال الأول «هل يمكن للعلم والإسلام أن يتعايشا» هي على الأرجح «لا». غير أن ثمة اعتقادا بأن «أسلمة المعرفة» هي الطريق الصحيحة لإرساء أسس للعلم في المجتمع المسلم. والسؤال الجوهري هنا: كيف سيتسنى للمسلمين بناء هذه القاعدة دون دراسة مستفيضة ودؤوبة للعلوم الغربية. إن المسلمين لا يملكون أرشيفا وثائقيا لإبداعاتهم اللغوية والأدبية مثلا طيلة الأعوام الخمسمائة الماضية، ناهيك عن العلم والإنجازات العلمية التي حققوها خلال تلك الفترة. ولا يوجد تقريبا أي مؤرخين مسلمين للعلوم (أحد فروع علوم الإنسانيات) ولا أجيال من فلاسفة العلوم المسلمين (فرع آخر من العلوم الانسانية) من أجل صوغ تراكمي للأفكار عبر تاريخ المسلمين العلمي.

إن دراسة منطق وفلسفة العلوم ستمثل الخطوة الأولى على طريق دخول العلم إلى دنيا المسلمين. ويشمل ذلك أيضا معرفة أعمق بالفكر الإسلامي وتدبر آيات القرآن الكريم بروح عصرية لا ستيعاب ما فيها من رسائل أخلاقية ولغوية وتاريخية وكونية. ويجب أن تتلازم هذه الدراسات والبحوث مع بعضها البعض. ولا غنى عن توثيقها لتوفير ذخيرة من المعلومات تكون أساسا للمعرفة النافعة. كما أن ثمة حاجة لوجود تعاون وثيق بين علماء أكفاء وأذكياء لكي يستقوا ويستوعبوا ويستخلصوا هذه المعرفة المنشودة... أما الإجابة عن السؤال الثالث فهي نعم دون أدنى شك. إذ لابد للمرء أن يدرك أن أسس العلم تختلف عن قواعد الدين. فالعلم يحدد القوانين التي تسير وفقا لها نواميس الكون وسنن الطبيعة. فالإنسان مثلا يستخدم المعرفة العلمية في فهم الظواهر الغامضة وتفسير ارتباطها ببعضها البعض، أما الدين فإن دوره يتجلى في تدبر الحكمة من وراء كل هذا. إن الواقع العلمي في معظم الدول الإسلامية يقتصر على مجرد التدريب أو تعلم الأساليب العلمية. إن العالم الإسلامي مستهلك للعلم أكثر منه مساهم فيه أو ممارس له. إنه يستخدم ثمرة العلم لكنه لا ينتج هذا العلم. وبمعنى آخر، فإن المسلمين غير قادرين على تجريد الحقائق العلمية وتكييفها مع ظروفهم وبيئتهم مثلما فعلت الهند ودول أخرى. وربما تكون التكنولوجيا البديلة أوضح مثال في هذا السياق.

والأهم من كل هذا أن المسلمين بحاجة إلى تجديد عقولهم وتطويع طريقة تفكيرهم بحيث يتمكنون من إنتاج الأفكار العلمية وإدخال التفكير العلمي المنهجي إلى عالم الثقافة الإسلامية. ومن المفارقة أنه في العصور الوسطى التي سطعت فيها شمس الحضارة الإسلامية، وضع الفيلسوف المسلم ابن رشد (أو أفيروس كما يعرفه الغرب) أسس المعرفة العقلية والتفكير العلمي الحديث الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت جذوة التقدم العلمي في أوروبا، في الوقت الذي كانت فيه شمس العلوم الإسلامية تؤذن بالأفول.

وكما يقول مؤسسو العلوم فإن ابن رشد يمثل العقلانية، «العقلانية التي قادت إلى العلوم المعاصرة». ويشير هذا إلى أنه من الممكن بل ومن المثمر والمفيد أن تتعلم حضارة ما علوم حضارة أخرى، إذ هي بهذا تستفيد من تنوع المعرفة البشرية ومن تجارب الأمم الأخرى وصولا إلى صناعة نموذجها العلمي والمعرفي الخاص بها

العدد 574 - الخميس 01 أبريل 2004م الموافق 10 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً