قبل أكثر من ستين عاما، كانت منطقة الشام نهبا للاحتلال الغربي، موزعة غنائم حربٍ بين الفرنسيين والانجليز، وكانت سورية من نصيب باريس «عاصمة النور»!
وكانت بحذاء الساحل السوري جزيرة صغيرة لا تكاد تبين على الخريطة، اسمها «أرواد»، اتخذها الفرنسيون سجنا للمعارضين من طلاّب حرية الوطن، وسبقهم إلى تلك «الفضيلة» العثمانيون!
في ذلك التنور شاء القدر أن يكون من بين النزلاء شاعرٌ شابٌ مرهف الحس، احترق كالفراشة بالنار، فأنشأ قصيدة ناضجة تضج بطعم المعاناة الانسانية الفادحة في مواجهة الظلم «الحديث»، كلماتها تذوب في الحلق مثل السكر المدقوق:
«ياظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلاّ فجر مجدٍ يتسامى»
ذلك الشاب السوري السجين في جزيرة ارواد قبل ستين عاما، لم يكن ليخطر بباله أن تتحول قصيدته إلى أنشودةٍ سيترنم بها كل الشبان العرب الذين ستستضيفهم سجون أوطانهم على امتداد خمسين عاما في عهد الاستقلال والحكم الوطني.
الشاعر الشاب مضى إلى حال سبيله بعد أن شاب شعره وابيضت عيناه في حب الوطن. الفرنسيون الذين جاءوا من وراء البحر مبشرين بـ «الفضائل والنور»، لم يتركوا وراءهم غير ظلام السجن يتغنى به المناضلون يفضلونه على «نور باريس»!
الشباب السجناء و«الجندرمة» الفرنسيون كلهم مضوا وأصبحوا ترابا، وبقيت جزيرة أرواد تستحم في مياه المتوسط وتغازل الساحل السوري على أمل أن يبزغ فجر المجد العربي الذي لا يجيء.
قاسم حسين
العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ