بعد مرور بضعة شهور على اكتشاف إصابة الفنان أحمد زكي بالمرض الخبيث (مرض السرطان) مازالت القلوب والآمال معلقة مع الفنان الكبير في أزمته المرضية وصراعه مع مرض سرطان الرئة الذي أصيب به حديثا واكتشفه الأطباء عن طريق المصادفة البحتة.
ففي الوقت الذي كان يجري فيه بعض الفحوصات الطبية على الرئة بعد أن اشتكى من التهاب رئوي حاد كان قد أصيب به وخضع على إثره للعلاج لمدة أسبوع في منزله جاءت التحاليل لثبت شيئا آخر لم يتوقعه أحد وهو اصابه الرئة بالسرطان فتم نقله إلى مستشفى (دار الفؤاد) بالقاهرة إذ أجرى له الأطباء عملية بذل للمياه الموجودة في رئتيه والتي تعدت كميتها لترا كاملا من المياه المتجمعة في الغشاء البلوري للرئة عند أول كشف طبي، ما كان يضطره للنوم جالسا لعدم قدرته على التنفس الطبيعي.
وبناء على ذلك قرر الأطباء أن يستكمل علاجه في فرنسا وتحديدا إلى مستشفى معهد (جوستان روسيه) ليكون تحت إشراف البروفيسور( شيفاليه)، الذي يعتبر من أفضل الأطباء في هذا المجال على مستوى العالم، وهو ما سيكون على نفقة الحكومة المصرية بناء على طلب الرئيس المصري حسني مبارك.
وفعلا سافر زكي لفرنسا بعد اكتشاف المرض بيومين فقط إذ لم يكن أي تأخير في صالحه ليعود بعدها إلى القاهرة لاستكمال العلاج الكيماوي على أن يعود إلى باريس مرة أخرى بعد 9 أسابيع لإجراء الفحوصات مرة أخرى لمعرفة نتيجة الجرعات الكيماوية إذ اجمع الأطباء في فرنسا على ان العلاج عن طريق الكيماوي هو الحل الوحيد بعد أن استبعدت الجراحة، فقد أثبتت الفحوصات الطبية ونتائج الثلاثة مناظير التي أخذت من الرئة والقفص الصدري أن الخلايا السرطانية لن يجدي معها إجراء أي تدخل جراحي في الرئة وان العلاج عن طريق الحقن الكيماوية سيكون هو الأفضل.
انتهى زكي من جرعات العلاج الكيماوي الذي خضع له طوال الفترة السابقة وتحديدا منذ ثاني أيام عيد الأضحى المبارك الماضي، وعلى رغم مرور الفنان بظروف مرضية صعبة فإنه لم يفرط ولم يتراجع عن السعي إلى تحقيق أحلامه السينمائية، وفي مقدمتها فيلم (حليم) الذي كتبه السيناريست محفوظ عبدالرحمن ويخرجه مجدي أحمد علي وينتجه عماد أديب بمشاركة التلفزيون، المصري وفيلم (المشير والرئيس) والذي يتناول حقيقة العلاقة بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والمشير عامر وسيكون من إخراج خالد يوسف وإنتاج جهاز السينما، كما ينتظره مشروعان آخران وهما فيلم (نقيب العذاب) للمخرج رأفت الميهي وفيلم (من ظهر راجل) إخراج أحمد ماهر.
وما بين قراءة السيناريوهات والاتفاق على تحقيق أحلامه السينمائية كان زكي يخضع كل أسبوع إلى جرعة كيماوية لمدة لا تقل عن 6 ساعات في الجلسة الواحدة وكانت الجرعات الأولى شديدة الألم والقسوة ولكن مع مرور الأسابيع بدأ يتأقلم ومنحه الله قوة الإرادة وتقبل ما هو فيه بصبر فاستطاع أن يقاوم مضاعفات الكيماوي الذي يتغلغل في أعماقه ويسبب له آلاما مبرحة.
جماهير ومحبو الفنان الكبير لم تتركه لحظة واحدة من دون أن تلتف حوله بقدر الإمكان فرنين الهاتف في غرفته لم يتوقف طوال الفترة الماضية من جماهيره داخل وخارج مصر، واصبح ممر المستشفى الذي تقع فيه غرفته حديقة مصغرة من كثرة باقات الزهور التي تحمل ارق الدعوات بالشفاء العاجل، وعلى رغم أنه لم يستطع الرد على المكالمات أو استقبال أي شخص جاء للشد من أزره بسبب شدة المرض فإنه أكد لـ «الوسط» في اتصال هاتفي معه قائلا: «إن هذا الحب رفع من روحي المعنوية كثيرا ما سيجعلني اصمم على مقاومة المرض بكل قوة وبإذن الله تعالى قبل كل شيء حتى اعود لمن يحبونني واشكرهم بنفسي، فهذا الحب جعلني أتأكد انني لم افني عمري هباء، فالحب الذي لا يعترف بالحدود وليس وراءه أي هدف شخصي هو اقوى عقار للمناعة ضد كل امراض الدنيا وهذا ما لمسته من أناس كثيرين لا اعرفهم اتصلوا للاطمئنان على صحتي والشد من ازري... فادعوا لي...
بعدها أصيب زكي بجلطة في أحد أوردة الرقبة، سيطر عليها الأطباء بشكل جزئي أخيرا كما أكدوا اثرها انه لا علاقة بين حدوثها وبين العلاج الكيماوي الذي يخضع له، من ناحية اخرى يخضع الآن للعلاج النفسي بعد ان ساءت حالته النفسية كثيرا لدرجة عدم رغبته في تلقي اي علاج من الاطباء، ولقد اعلن ياسر عبدالقادر الطبيب المسئول عن متابعة حالته في بدايات شهر مايو / آيار لجاري «انه تقرر أن يبدأ زكي المرحلة الثانية من العلاج الكيماوي ولمدة شهرين ثم تعرض النتائج على طبيبه الفرنسي «شيفاليه» في باريس.
وقد بدأ أحمد عكاشة أستاذ الأمراض النفسية أولى جلسات العلاج النفسي للفنان لإخراجه من حالته النفسية السيئة التي ألمت به وإقناعه بأهمية الجرعات التى يتلقاها ومواجهة الحالات العصبية التي أصبحت تنتابه بصورة دائمة ورفضه تلقي العلاج وذلك على اثر إصابته بجلطة في أوردة الرقبة ودخوله العناية المركزة في حال حرجة.
وكانت قد سرت شائعات عن وفاته وقد ترامت هذه الشائعات إلى أسماع أحمد زكي بعد خروجه من العناية المركزة عندما لاحظ تجمع حشد كبير من الجماهير داخل وأسفل المستشفى تسأل عن صحة الخبر، كما علم أن المستشفى الفرنسي الذي كان قد بدأ الفحوصات به قد رفض عودته إليه مؤكدا أن حالته الصحية متأخرة وكل هذه الأمور أصابته باكتئاب شديد وحالات عصبية حادة ورفض تلقي العلاج.
من جهة أخرى قرر فريق الأطباء المعالج لزكي وقف عمليات نقل الدم بعد أن ارتفعت نسبة الهيموجلوبين ووصلت إلى معدلاتها الطبيعية، على رغم ظهور مشكلة جديدة، وهى اصابته بحال إجهاد تام كما تقرر وضع نظام غذائي جديد له مع بعض الأدوية المقوية التي تساعده على مغادرة الفراش والتحرك داخل غرفته أو في حديقة المستشفى حتى لا يصاب بقرحة الفراش.
يعد الفنان أحمد زكي واحدا من أهم نجوم السينما المصرية الذين قدموا أعمالا تعد من علامات السينما، بداية من فيلم (بدور) وفيلم (أبناء الصمت) العام 1974، وفيلم (شفيقة ومتولي) العام 1978، ومرورا بأفلام مثل (زوجة رجل مهم)، (الراقصة والطبال)، (النمر الأسود)، (عيون لا تنام)، (هستيريا)، (استاكوزا)، (الطبال)، (الراعي والنساء)، (اضحك الصورة تطلع حلوة) وصولا إلى فيلمي (ناصر 56) و(أيام السادات) والذي تم تكريمه عنهما رسميا من الرئيس المصري حسني مبارك. بالإضافة إلى مجموعة مميزة من المسرحيات والأعمال التلفزيونية مثل مسرحية (مدرسة المشاغبين)، (العيال كبرت) ومسلسلات مثل (الأيام) و(هو وهي).
مجموعة كبيرة من الفنانين التفوا حول زكي كان على رأسهم الفنانة رغدة التي لا تفارقه طوال إقامته بالمستشفى وكذلك الفنان ممدوح وافي، بالإضافة إلى الفنانين يسرا، صفية العمري، فاروق الفيشاوي ومحمد هنيدي والمؤلف وحيد حامد، كما زاره الكثير من الشخصيات البارزة مثل علاء جمال مبارك نجلا الرئيس حسني مبارك والعالم الكبير أحمد زويل والكثير من الوزراء ومن الكتاب محمد حسنين هيكل.
أحمد زكي له ابن وحيد (هيثم) من زوجته الفنانة الراحلة (هالة فؤاد) والتي توفيت نتيجة إصابتها بمرض السرطان!
فهل يمهله القدر لتحقيق حلمه بتقديم قصة حياة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ؟ الجماهير العربية كلها تدعو له بالشفاء العاجل.
لقد تحسنت حال أحمد زكي بعد أن اجتاز مرحلة الخطر فيما وصفت بالمعجزة الإلهية كما عبر عنها وزير الصحة المصري عوض تاج الدين، فلقد كانت السيطرة على الجلطة التي اصابته في وريد الرقبة الأيمن من أكثر المصاعب التي واجهت الفريق الطبي المعالج وخصوصا بعد تورم وجه أحمد بشكل كبير ومفزع صاحبها حال من القيء الشديد وصعوبة التنفس، وقد شخصت الفترة الزمنية للجلطة بأنها امتدت لمدة 18 ساعة قبل السيطرة عليها حين وصوله إلى المستشفى بعد أن كان قد طلب الذهاب لفندق (هيلتون رمسيس) إذ يقطن لتغيير الجو العام الذي يعيشه، بعد أن تأثرت حاله النفسية بسبب الإقامة في المستشفى بشكل مستمر، ولكن الادهى أن الأطباء اكتشفوا أثناء علاج الجلطة وجود جلطة أخرى حديثة في الوريد الأيسر بالرقبة ايضا وهي ما استدعت التدخل الطبي العاجل للسيطرة عليها قبل أن تتطور إذ يؤدي تطور الجلطة إلى إمكان انسداد الوريد بالكامل ومنع وصول الدم الصاعد للمخ من النزول مرة أخرى، وهو ما ظهر واضحا في الجلطة الأولى التي لم يكن يعرف احمد انه مصاب بها مع ظهور أعراضها.
الطبيب المعالج لأحمد زكي ياسر عبدالقادر أكد لـ «الوسط»: إن هذه التطورات المرضية متوقعة كآثار طبيعية جانبية لمرض السرطان، بل يمكن توقع ما هو أسوأ مثل حدوث ضمور في عضلات الساقين، ضعف الذاكرة أحيانا، لكن حدوث التجلط في الدم هو أصعب الآثار الجانبية لمرض سرطان الرئة.
وقد اكد الأطباء أن النتائج الخاصة بالعلاج الكيماوي الذي تلقاه أحمد مطمئنة ومبشرة لكن الخطر يكمن فعلا في حالته المعنوية، إذ أصيب بحال من الهياج العصبي الشديد نتيجة القلق والتوتر الذي يعيشه وخصوصا بعد التطور المفاجئ الذي لم يتوقعه، وقد انعكس هذا التوتر بشكل واضح حينما رفض تلقي العلاج بغرفة العناية المركزة إذ قام بنزع المحاليل الطبية من يده وفك أسلاك الأجهزة الطبية الموصلة إلى جسده، ولكن الأطباء استوعبوا هذا الانهيار وقاموا بتلبية رغبته في مغادرة غرفة العناية المركزة التي رفض أحمد أن يقيم بها بكل الطرق لأنها تشعره أن الناس تتفرج عليه وهو في هذه الحال المرضية!، كما قاموا بحقنه بمواد مهدئة قوية للسيطرة على الموقف.
وكانت قد سرت إشاعة سخيفة بوفاة احمد زكي عقب انتشار خبر الانتكاسة التي تعرض لها، ما جعل هاتف المستشفى التي يعالج فيها (دار الفؤاد) لا يكف عن الرنين للتأكد من صحة الخبر...
هذا وقد أصدر الرئيس المصري محمد حسني مبارك تعليماته لوزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي بوجود طائرة عسكرية جاهزة لنقل زكي للعلاج في الخارج في أية لحظة تستدعيها حاله الصحية.
يذكر ايضا أن الفريق الطبي المتابع لحال زكي في فرنسا برئاسة (شيفاليه) الشهير قد اعلن حديثا أن العلاج الكيماوي الذي تلقاه أحمد في الفترة الماضية قد أتى بنتائج واضحة إذ جف الورم في الغدد الليمفاوية والغشاء البلوري، كما جف (تيبس) الجزء المصاب في الفص الأوسط من الرئة اليمنى، على أن يستمر العلاج الكيماوي لمدة 3 اشهر أخرى.
من ناحية أخرى كان زكي طلب من فريقه الطبي أن يؤدي العمرة إلا انهم رفضوا ذلك بشدة بسبب أن حاله الصحية لا تسمح بأي مجهود أو تتحمل عناء السفر، ما اثر بشكل كبير ايضا على حاله المعنوية
العدد 611 - السبت 08 مايو 2004م الموافق 18 ربيع الاول 1425هـ