العدد 623 - الخميس 20 مايو 2004م الموافق 30 ربيع الاول 1425هـ

الاحتلالان الصهيوني والأميركي... وجهان لعملة واحدة

لم يعد خافيا على أحد أن أميركا أصبحت تحذو حذو «إسرائيل» في ممارساتها العدوانية وتهديدها للدول التي لا تجري في فلكها ولا تنتهج طريقها، وخصوصا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 م، إذ اتخذت أميركا سلسلة من المواقف العدائية ضد هذه الدول، وكان قرار شن الحرب على العراق من ضمن تلك القرارات، كما أكد الكثيرون من المسئولين الأميركيين، واتخذت أميركا ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل مبررا لها لشن تلك الحرب، وتبين بعد ذلك كذب وزيف ادعاءات أميركا، وحتى الآن وبعد مرور أكثر من عام على شن هذه الحرب، لم تجد أميركا تلك الأسلحة المزعومة، وقبل ذلك بفترة طويلة جال وصال ومشط مفتشو الوكالة الدولية للطاقة، ولجان التفتيش الدولية (أنموفيك) العراق من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ولكنهم لم يعثروا عليها، ولا على ما يدل على وجود مثل تلك الأسلحة في العراق.

ومن ثم قامت لجان التفتيش بتدمير عدد من صواريخ الصمود /2 الباليستية، التي تمتلك العراق منها 120 صاروخا، بحجة أنها تتجاوز الحد الذي فرض على الصواريخ العراقية بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991 من قبل مجلس الأمن الدولي، والتي قد يصل مداها إلى «إسرائيل»، وهذا هو الهدف الرئيسي من فرض هذه الشروط ومنع العراق من زيادة مدى تلك الصواريخ التي تصنعها لحد معين هو 150 كيلومترا.

وصناعة تلك الصواريخ كلفت العراق عشرات المليارات من الدولارات اقتطعت من قوت الشعب العراقي المسحوق، الذي حرم من خيرات بلاده وعاش الكثيرون يعانون قساوة الحياة تحت خط الفقر، وصرفت المليارات من الدولارات على الصناعات الحربية وامتلاك الأسلحة التقليدية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وزج العراق في حروب خاسرة كان وقودها الشعب العراقي، والتي قضت على الملايين منهم، بينما سلم وتنعم وعاش في رفاهية مفرطة الطاغية وعشيرته وجلاوزة نظامه بعيدا عن أتون تلك الحروب الحارقة وتداعياتها وما أفرزته من نتائج سلبية وخطيرة، وما تلاها من فرض عقوبات دولية، وكان أكثرها وطأة وأشدها تأثيرا الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق لأكثر من اثني عشر عاما، وخلف الويلات والنكبات والأمراض والعذاب، ومن ثم جاءت الحرب الأخيرة الظالمة لتكمل مسلسل البؤس والشقاء والمعاناة للشعب العراقي الصامد، الذي تزداد معاناته ومأساته وتنكأ جراحاته يوما بعد يوم.

وعلى رغم رضوخ النظام السابق وقبوله بشروط مجلس الأمن الدولي المجحفة التي فرضت عليه بخصوص تدمير أسلحة الدمار الشامل، فإن أميركا لم توافق ولم تقتنع، واتهمت النظام بأنه يراوغ ويمارس الكذب والخداع لتضليل الأمم المتحدة والرأي العالمي.

واستطاع بوش وتابعه قلب الطاولة على صدام ونظامه، وتجييش الجيوش وتأليب الرأي العام عليهما، وشن الحرب على العراق على رغم معارضة غالبية الدول في العالم، ورفض شعوبها كافة لهذه الحرب، التي اعتبرت خروجا على الشرعية الدولية، وتجاهل أصوات الملايين من البشر الذين خرجوا في مظاهرات مليونية منددين ورافضين لتلك الحرب، واعتبر ذلك تجاوزا للديمقراطية. وعلى رغم مرور أكثر من عام على شنها، فإن الأوضاع في العراق لاتزال متأزمة وتسير من سيئ إلى أسوأ، وتتصاعد المقاومة الشعبية يوما بعد يوم وتستمر عمليات القتل والدمار والتخريب من قبل فئات وأطراف مختلفة، وجدت في العراق ضالتها وهدفها المنشود لتمرير مخططاتها وتنفيذ رغباتها نتيجة للانفلات الأمني وفشل قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية والقوى الموالية لها الموجودة في العراق في حفظ الأمن والاستقرار. ويقال إن الاحتلال يتعمد افتعال الأزمات وإثارة الحروب ليتمكن من البقاء مدة أطول ويتنصل من الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه، ويؤجل تسليم السلطة إلى الشعب العراقي كما يدعي في نهاية شهر يونيو / حزيران المقبل.

والمتتبع للحوادث يلاحظ أن ما يحدث في العراق اليوم من ممارسات همجية وقمعية من قبل قوات الاحتلال بحق الشعب العراقي، وما طفا حديثا من فضائح وجرائم تعذيب المعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال في العراق، وخصوصا في سجن أبوغريب الشهير، يدرك جيدا أن ما يجري في العراق ما هو إلا مخطط صهيوني يدار بأيد صهيونية وتحت إشراف أميركي، بدليل اتباع قوات الاحتلال في العراق الأساليب والتكتيكات العسكرية نفسها التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، من قتل ودمار وهدم للمنازل واعتقال، وهناك الكثير من الخبراء والعسكريين الصهاينة الذين تستعين بهم أميركا في العراق لمواجهة المقاومة المتصاعدة. بالإضافة إلى الكثير من شركات الأمن الخاصة التي يكون أفرادها من العسكريين السابقين أو المتقاعدين أو المرتزقة الذين خدموا في مؤسسات عسكرية قمعية ولهم خبرة في مجال التعذيب والقمع والإذلال للشعوب، كجنوب إفريقيا وتشيلي وروديسيا السابقة وغيرها من الدول القمعية.

لقد أصبح الاحتلال الأنجلو أميركي في العراق، والاحتلال الصهيوني في فلسطين بما لا يقبل الشك وجهين لعملة واحدة، وإن شريعة الغاب هي التي تسود الآن، والعالم على رغم رفضه لكل تلك الممارسات، وعلى رغم كل الاحتجاجات والمظاهرات الصاخبة والمستمرة من قبل الشعوب المحبة للسلام، فإن غالبية الدول تلتزم الصمت، وربما تغض الطرف عما يحدث كل ساعة وكل دقيقة أمام ناظريها، في عالم متناقض اختلت فيه الموازين والمقاييس وأصبح فيه الحق للأقوى، وقوى الشر والطغيان والظلام باتت تسيطر على مقاليد وزمام الأمور فيه.

محمد خليل الحوري

العدد 623 - الخميس 20 مايو 2004م الموافق 30 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً