يتصدر أرق السكن قائمة الأرق اليومي العام لعائلات كثيرة، وعلى رغم اتساع رقعة المساحات الجديدة التي ستخصص لبناء المجمعات السكنية في مناطق متفرقة على الخريطة البحرينية في غضون الأعوام القليلة المقبلة، يتسع بالمقابل الأمل لدى قطاع كبير من المنتظرين للاستفادة من القسائم المرتقبة.
لن نعرج على المعاناة التي يعيشها هذا القطاع، جراء ضيق المكان وسنوات الانتظار، فالمشاهدات واضحة للعيان ولا تخلو منها قرية أو مدينة، ولكننا سنفتح نافذة اليوم على قضية عاشها مجموعة من أهالي قرية الدراز لسنوات طويلة وبقيت معلقة إلى يومنا من دون أن تحسم، فوجد أصحاب القضية العروج على الصحافة آخر خيار بعدما استنفذوا حلولا كثيرة.
يروي أحمد علي حسن معاناة المتضررين من مشروع توسعة القرى الذي استحدثته وزارة الإسكان قبل سنوات بقرار رسمي (قرار استملاك رقم 38 لسنة 1999) فكانت الطرف الأقوى تأثيرا في صوغ المعاناة التي نستعرضها في السطور الآتية.
يقول حسن «يبدو مشروع توسعة القرى في إطاره العام مشروعا جيدا، ولكنه طوى في جعبته هضم حقوق الملاك الأصليين للأراضي شرق الدراز التي اشترتها الوزارة بأبخس الأثمان لتعيد بيعها على العامة في وقت لاحق».
والمشكلة كما يستعرضها حسن أن تلك الأراضي كان جزء منها يعود للدولة وجزء منها إلى الأوقاف وجزء آخر أراض مثبتة ومملوكة للأهالي وجزء غير مثبت رسميا. إذا يملك الأهالي المخطط القديم الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، ولا يملكون وثائق تثبت ملكيتهم للأراضي رسميا. ويوضح حسن هنا ان سبب عدم تثبيت الأهالي لأراضيهم يعود إلى أمية الأجداد الذين كانوا يعتبرون أن تثبيت الأراضي رسميا أمر ثانوي ولا داعي له، معولين على معرفة الفلاحين حدود أراضيهم ومستبعدين أن يسطو عليها أحد.
أجريت عملية التسوية ما بين الملاك والوزارة، عوض الأهالي الذين قبلوا بالتعويض البخس لانعدام البدائل أمامهم، وبيعت الأراضي ما بين 900 فلس ودينار ونصف الدينار للقدم المربع، اعتمادا على موقع الأراضي ومساحتها وإطلالها على الشوارع الرئيسية والفرعية، فيما بقيت قضايا الأهالي الذين رفضوا البيع بسبب رخص الأسعار التي وصلت الآن إلى ستة دنانير للقدم الواحد عالقة في المحاكم، فيما بقي من لم يستطع تثبيت أرضه رسميا خارج المساومة... ومن هنا كانت للقضية فصول أخرى.
يؤكد الاهالي الذين حملوا قضيتهم إلى «الوسط» أن الأراضي تلك قسمت إلى قطع صغيرة، وبيعت على أصحاب الطلبات القديمة في وزارة الإسكان. يقول حسن: «فتح المجـــال لأهـــالي الــدراز لشراء تلك الأراضي بعد إعادة تقسيمها، ولكن أهالي الدراز لم يغطوا المخططات جميعها بسبب العائق الشرعي، إذ ذهب بعض علماء الدين إلى اعتبار بعض الأراضي مغصوبة من الأهالي الذين لم يستطيعوا إثبات أن الأرض أرضهم بفضل انعدام الوثائق المثبتة لذلك».
أحمد علي الأريش واحد من الأهالي الذين لم يقبلوا التعويض، وعلى رغم ذلك أخذت أرضه ووزعت على الملاك الجدد، يقول: «في البداية جاءوا لمعاينة الموقع وبعثوا مهندسين ومثمنين ليقوموا بتلك العملية، وبعد أسبوع بعثوا رسائل كتب فيها أن الأراضي أخذت للمصلحة العامة. كتبنا رسائل التظلم التي لم نجد من يرد عليها، اجتمعنا مع المسئولين وطلبنا منهم أن نشتري الأرض من جديد بالسعر الذي طرحوه ولكنهم لم يستجيبوا، وأصرت الوزارة على السعر الذي حددته وهو 950 فلسا للقدم... وبعدما رفعت القضية إلى المحكمة سلمت الإسكان إلى المحكمة مبلغ 30 ألف دينار مقابل 36 ألف قدم مربع بيعت كل قطعة منها بـ 5700 دينار، وتباع الآن القطعة الواحدة بـ 12 ألف دينار».
ويزيد الاريش: «المنطقة كانت مزروعة بالنخيل، أخذت الأراضي من أهالي عمرهم 70 عاما لم يكن لديهم من الوعي ما يحميهم، فقبلوا بالبيع عوضا عن خسارة كل شيء، تحدثنا إلى المسئولين لكن أيا منهم لم يكن يسمع، حتى استنفدنا كل الحلول وسدت كل المنافذ للحديث عن حقوقنا وأراضينا».
أما مقبل محسن مرزوق فيقول: «سعر الأرض كان يتراوح ما بين ثلاثة وأربعة دنانير للقدم واشتروها منا بدينار ونصف الدينار. جاءت هيئة التثمين إلى المنطقة وبعد التثمين لم نعرف لهم طريقا، تظلمنا مرارا من دون رد يذكر، دخلت الوزرارة مستثمرا لا كجهة تبحث عن مصلحة المواطن، واستفادت حتى من الرمال فباعتها».
يحدد مرزوق مطالب أهل القرية بالقول: «نريد تصليح الوضع، والوصول إلى صيغة توفيقية مع الأهالي، نريد إعادة النظر في التعويضات المجحفة التي دفعت سابقا أو ان تمنح لنا أراض مقابل الأراضي التي أخذت رغما عنا أو اغتصبت بمعنى أدق... تحدثنا إلى المجلس البلدي والمحافظة فقالوا إن هذا ليس من اختصاصهم، نحن لا نريد أكثر مما أخذ منا».
يتشابه عادل أحمد مع عبدالحسين أحمد في تفصيلية واحدة، إذ رفضت المحكمة تثبيت الأرض التي يملكها وهي مثبتة في التسجيل العقاري ولكن من دون وثيقة رسمية منذ العام 1977، بسبب تقرير رفعته الوزارة على المحكمة قالت فيه إن الأرض جرداء وخالية من الزراعة، وعلى رغم أن المساح قال في المحكمة إن الأراضي بها بعض النخيل غير المثمر فإن الدعوى رفضت جراء تقرير الوزارة كما يؤكدان.
يقاسمهما أحمد علي حسن التفاصيل ذاتها إذ أخذت أرضه للمصلحة العامة لأنها صنفت أرضا خالية من المرزوعات على رغم ان الشهود شهدوا بعكس ذلك في المحكمة، يقول: «بعد سنوات من المعاناة ومراجعة مكاتب المسئولين بما فيهم الوزير نفسه، حولت الإسكان قضيتنا إلى إدارة المساحة التي أخلت مسئوليتها لعدم الاختصاص، وبقينا عالقين إلى يومنا».
ويضيف: «الإسكان استكثرت علينا تعويض دينار للقدم، لأننا لم نستطع ان نثبت أن الأرض أرضنا (...) نحن أربع عائلات نسكن منزلا لا تتجاوز مساحته 40 * 40 قدما، تطلعنا الى مساعدة الإسكان لنا وان تحل لنا أزمة السكن التي نعيشها لا أن تأخذ أراضينا التي ورثناها عن والدنا من غير حق، نتطلع الآن إلى تسوية عادلة».
«الوسط» رفعت ما نقله أهالي الدراز في رسالة رسمية مفصلة إلى العلاقات العامة وخدمة المجتمع بوزارة الاشغال والإسكان في 17 ابريل/ نيسان الماضي، وتحدثت هاتفيا مع رئيس العلاقات العامة عدنان يوسف أكثر من مرتين والذي وعد بدوره بتحويل الرسالة إلى مكتب الوكيل للحصول على توضيح رسمي، ولكن الوعد لم يتحقق إلى حين موعد نشر هذا التحقيق لا سلبا ولا إيجابا
العدد 628 - الثلثاء 25 مايو 2004م الموافق 05 ربيع الثاني 1425هـ