العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ

بشارة لـ «الوسط»: الحكومات والأحزاب تهاب التغيير... وآليات الرقابة مغيبة

وثيقة «الشراكة» لقمة الثماني لم ترق إلى طموحات القوى الإصلاحية (2 - 2)

في الحلقة الأولى من هذا الحوار، أكد الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي في دولة الكويت احمد بشارة أن وثيقة «شراكة من اجل التقدم في «الشرق الأوسط» التي أصدرتها قمة الدول الصناعية الثمانية لا تتعدى كونها تمنيات تفتقد أدوات لتنفيذ الإصلاحات.

وفي هذه الحلقة، يؤكد بشارة أن عملية الإصلاح المنشود في «الشرق الأوسط» يجب أن يكون شاملة مضيفا أن عملية الإصلاح السياسي يجب أن يواكبها إصلاح الاقتصاد والثقافة والتعليم والبنية الاجتماعية.

وقال بشارة إن التعلل بالنزاع لتأجيل الإصلاح - كما تريد بعض الأطراف العربية - هو هروب من مستحقات الإصلاح ورهبة من تبعاته، وأضاف انه لا يتهم الحكومات فقط بل والقوى السياسية التقليدية في الدول العربية، من قومية ويسارية والقوى الإسلامية الجديدة على الساحة لأنها جميعها تهاب التغيير وتتاجر في النزاع وتضيع مصالح الشعب الفلسطيني.

وانتقد بشارة الوثيقة قائلا إنه على الرغم مما عددته الوثيقة ووعدت به من مشروعات طموحة إلا أنها قاصرة في جوانب الآليات والمراقبة والتحكم والتأثير، مشيرا إلى أن هذا القصور قد يفتح الباب للتأويل والتسويف من قبل الحكومات العربية التي تملك تراثا واسعا في هذا المجال.

يرى الكثيرون أن مشكلة الإصلاحات في البلدان العربية تعود إلى إفتقاد الديمقراطية الحقيقية بالدرجة الأولى إذ إن الأنظمة العربية أثبتت على مدى العقود الماضية وحتى اليوم وقوفها أمام أية إصلاحات سياسية أو اقتصادية لأنها تشعر بأن الإصلاحات عموما تشكل خطرا عليها. ما هي الأولوية برأيك في الإصلاح: هل هي الإصلاحات السياسية؟ أم الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعوب أوالأوضاع التعليمية؟

- عمليات الإصلاح شاملة ومتداخلة. والقول من أين يبدأ الإصلاح، هل في السياسة أو الاقتصاد أو التعليم والثقافة، قول يتجاهل أن الإصلاح ثوب شامل. فعملية الإصلاح السياسي يجب أن يواكبها إصلاح الاقتصاد والثقافة والتعليم والبنية الاجتماعية. فكل من هذه الأجزاء يغذي الآخر وإن كان من أولوية ملحة فهي بتقديري الإصلاح الاقتصادي عبر تحرير الاقتصاد وتقليص دور الدولة وإطلاق العنان للمبادرات الفردية والتعاون الدولي وتطوير وسائل الإنتاج. ففي جميع الدول العربية اليوم الفرد هو «عبد» لدى الدولة التي تتسلط على معاشه وجميع مناحي حياته. ومتى ما تحرر الفرد اقتصاديا سيطالب بحقوقه السياسية وستتغير البيئة الثقافية والتعليمية وسيبدأ الحراك الاجتماعي لجميع فئات المجتمع بمن فيهم الشاب والمرأة.

تعهدت الدول الصناعية بالتزامات عدة اقتصادية وثقافية وتعليمية وأخرى تتعلق بتطوير المشاركة السياسية ودعم أوضاع النساء ومحو الأمية. مثل هذه المشروعات كانت تتم في الماضي وان اكتسبت الآن شكل التزام علني ودولي. في الماضي لم تكن هذه مرتبطة بأية إصلاحات في البلدان العربية، فما الذي سيجعل لهذه الالتزامات أي تأثير على دفع الحكومات العربية نحو الإصلاحات برأيك؟

- على رغم ما عددته الوثيقة ووعدت به من مشروعات طموحة إلا أنها قاصرة في جوانب الآليات والمراقبة والتحكم والتأثير. ولربما سيتم تدارك ذلك من خلال التطبيق ومن خلال المجلس الوزاري الذي أشارت إليه باسم «منبر من أجل المستقبل»، إلا أنه قصور واضح سيفتح الباب للتأويل والتسويف من قبل الحكومات العربية التي تملك تراثا واسعا في هذا المجال كما نعرف جميعا. لقد نجحت الكثير من الحكومات العربية في السابق في البصق في ماعون المساعدات! وستجد تحت ذرائع متجددة، السياسية والأمنية وغيرها، على الانتقاء من سلة المعونات دون دفع الثمن عبر الإصلاح. لكن مجموعة الثماني تراهن على أن تثور المجتمع من تحت أقدام الحكومات إن هي نفذت هذه المشروعات. وسيبين المستقبل من سيكسب الرهان.

يؤكد الكثير من المحللين أن الصراع العربي- الإسرائيلي شكل باستمرار عاملا معيقا للتطور الديموقراطي للبلدان العربية. فبسبب المخاطر الكبيرة التي تمثلها «إسرائيل» على الأمن القومي العربي، تم تغليب الهواجس الأمنية والعسكرية على غيرها من المتطلبات. هل تتفق مع هذا التحليل؟

- أجد في هذا التحليل منطقا معكوسا. فـ «إسرائيل» خطر على الأمن القومي (وإن كنت فكريا أختلف مع هذا التعبير) بالضبط لأن العرب متخلفون. ليس فقط في الديمقراطية ولكن في الاقتصاد والبنية التحتية والتعليم والثقافة والإعلام والتنمية والاجتماعية. والقوة العسكرية والقدرات الأمنية هي نتاج قدرات المجتمع وتطوره في المناحي السابق ذكرها وليست قدرات منفصلة وبينت الحروب الكثيرة التي شهدتها المنطقة أن المؤسسة العسكرية هي الأكثر تخلفا لأن قوامها أناس ترعرعوا في بيئة متخلفة. فالجندي السوري مثلا الذي يقود دبابة ثمنها عشرون مليون دولار أغلب الظن يعيش في بيت من صفيح لا يملكه، وأولاده محرومون من التعليم الجيد ناهيك عن الخدمات الصحية والمعيشية والبيئة الآمنة. وهو لا إرادة له في من يحكمه أو كيف تدار شئون بلاده بينما عليه التعامل مع التقنية الحديثة للحروب. كيف يستوي الأمر؟ وأين له أن يتفوق وينتصر بينما هو يفكر بمستقبله المجهول؟ وكيف له أن يتعامل مع التقنيات العسكرية الحديثة والأقمار الصناعية الموجهة للآليات العسكرية وهو لا يملك هاتفا في منزله؟

النتيجة أن الأنظمة والقوى السياسية التقليدية في الدول العربية، القومية واليسارية والإسلامية، انشغلت حتى الهوس في الصراع مع «إسرائيل»، وهو ليس صراعا بالمعنى العلمي للكلمة، بينما العدو الحقيقي هو في شوارعها ويسكن منازلها ويخيم على عقولها.

في السياق نفسه، يؤكد الكثيرون انه لا يمكن الثقة في المشروعات الأميركية للمنطقة طالما استمر الانحياز الأميركي السافر «لإسرائيل» وطالما لم تمارس واشنطن أي ضغط على «إسرائيل» لإجبارها على الالتزام بمتطلبات السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة؟ برأيك هل يمكن أن يحمل هذا المشروع بوادر حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي خصوصا وانه وثيقة دولية وضعتها الدول الصناعية الكبرى وبمشاركة من زعماء شرق أوسطيين؟

- كما ذكرت أعلاه لا جديد في الوثيقة بخصوص النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فجميع ما ورد فيها هو إشارات لاتفاقات ووعود وقرارات سابقة، وجاءت الوثيقة لتؤكدها ولم تضف من جديد كما لم تأت بآلية حازمة وحاسمة. مسار النزاع تلعب فيه أطراف فلسطينية وإسرائيلية وفق أجندتها الخاصة التي ليست بالضرورة تخدم مصالح الشعبين في المدى البعيد. والمجتمع الدولي سيظل عاجزا عن المساعدة في حل النزاع ما دامت الأطراف المعنية لم تتوصل إلى صيغة يطمئن إليها الطرفان. ومن هذا الفهم يتضح أن التعلل بالنزاع لتأجيل الإصلاح - كما تريد بعض الأطراف العربية - هو هروب من مستحقات الإصلاح ورهبة من تبعاته. وأنا لا أتهم الحكومات فقط بل والقوى السياسية التقليدية في الدول العربية، من قومية ويسارية والقوى الإسلامية الجديدة على الساحة (مثل حماس والجهاد وحزب الله). جميعها تهاب التغيير وتتاجر في النزاع وتضيع مصالح الشعب الفلسطيني.

ما هو المطلوب عربيا برأيك لكي تنتقل هذه الوثيقة إلى ارض الواقع؟

- من واقع التجارب المريرة خلال أكثر من ستين عاما لم تعد عندي الثقة أو الحماسة تجاه أي عمل عربي مشترك. وأنا على يقين بأن الغالبية من الشعوب العربية تشاركني هذا الشعور رغم تعاطي الشعارات الفارغة. ومتأكد أن حماسة الدول العربية للوثيقة معدومة. بل لا أظن أن أيا من المسئولين قرأها أو أعارها أي اهتمام. فهم معتادون على القرارات والتوصيات والبيانات الختامية العربية التي تترك على الطاولة بعد أن تنفض الاجتماعات.

هل من وسيلة أخرى للاستفادة من هذا الزخم الدولي لإصلاح الواقع العربي؟ نعم لكن يجب أن يكون العمل بشكل منظم وعلى مستوى الدول والمنظمات الأهلية والقوى الليبرالية الناشئة في كل واحدة من المجتمعات العربية. فكل دولة عربية ممكن أن تحدد برنامجها الخاص في التجاوب مع هذه الوثيقة أو مثيلاتها وفق أجندة مدروسة وعلى مدى زمني معقول. ويجب أن تكون القيادة العليا على وعي وهمة عاليتين وأن تسخر الموارد وتوجه الجهود لإنجاز المهمات. وعلى المجتمع المدني مهمة الدفع بالإصلاحات والمطالبة بها ومراقبة أداء الحكومات. وعلى القوى الليبرالية كذلك مسئولية الترويج الفكري والإعلامي لقضايا الإصلاح. هذه الوصفة ممكنة. ولو تبناها عدد محدود من الدول العربية فسيؤسسون للإصلاح عند البقية.

هناك موجة كبيرة من العداء للولايات المتحدة في البلدان العربية ترسخت أكثر منذ أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق خصوصا. وعلى الرغم من المشاركة الدولية في برنامج الشراكة، كيف برأيك سيتقبل المواطنون العرب برامج إصلاح من الخارج خصوصا وان العداء للولايات المتحدة أصبح مرتبطا بالعداء للغرب عموما؟

- موجة العداء للولايات المتحدة والغرب عموما حقيقية. وهي نتاج شحن إعلامي وسياسي تروج له أطراف ذات مصلحة، مثل صدام سابقا وسوريا والإسلاميين الآن ولكنها ستنحسر مع الوقت، مثلما انحسرت الكثير من هواجس الوهم التي مرت على العرب من إنهاء «إسرائيل» من الوجود وعودة فلسطين والعداء للشعوب الإيرانية (أو الفرس كما نعتهم صدام) والأتراك والطوائف الإسلامية المختلفة والحماس الفائق للقومية العربية. وتاريخ العرب مثقل بالعداءات للغير بسبب التغذية الإعلامية والشحن السياسي.

أما رأي المواطنين العرب في الإصلاح القادم من الخارج كما ذكرت فهو رأي لا يؤخذ به في جميع الحالات والأوقات... فلماذا الآن؟ ثم كيف نعرف هذا الرأي ونحدده ما دامت أدوات القياس والتعبير والتمثيل غائبة أو قاصرة؟ لقد زُجت الشعوب العربية في حروب مدمرة ومواقف سياسية واقتصادية باهظة التكاليف، وشوهت القيم المجتمعية وعطلت التنمية... ولم نسمع عن أحد طلب رأي المواطن العربي! ولا أظن أن تطوير المناهج وبناء المدارس الحديثة أو تفعيل المشاركة السياسية أو خلق فرص عمل مجدية من الأمور التي سيعارضها هذا المواطن... حتى لو جاءت الأفكار والضغوط بشأنها من الشيطان.

في السياق نفسه، يكتسب العداء للغرب في البلدان العربية طابعا دينيا يؤكد دائما على رفض مظاهر الحياة الغربية بفعل هيمنة التيارات الأصولية المتشددة على الساحة السياسية في العقود الأخيرة. هل تعتقد أن هذا سيجعل المهمة صعبة أمام الحكومات العربية الراغبة في تفعيل مبادرة الشراكة هذه؟

- العرب يقولون: الناس على دين ملوكهم. وسطوة التيارات الأصولية على الساحة في العقود الأخيرة هي نتاج تحالف سياسي، وامتد إلى مناح مختلفة، وجد فيه المسئولون ما يخدم أغراضهم في حربهم مع الخصوم السياسيين المحليين. بل شجعتهم الولايات المتحدة والدول الغربية خلال فترة من التاريخ صارت معروفة للجميع. اليوم هذه القوى الأجنبية تريد من الحكومات العربية التغيير وتقليص حجم التيارات الأصولية وتقنين نفوذها وانفتاح المجتمعات العربية على العالم وهو ما ستفعله الحكومات العربية لأن مخاطر التيارات الأصولية بدأت تدق أبوابها. هل المهمة صعبة؟ نعم بعض الشيء ولكنها غير مستحيلة. لقد غيرت هذه الحكومات لباسها السياسي وتحالفاتها على مر السنين. ودخلت حربا مع خصومها السياسيين مثلما عملت اليمن في الجنوب وسوريا في لبنان والأردن مع الفلسطينيين ومصر مع الإسلاميين. هذه الحكومات ستفعلها هذه المرة كذلك. وها هي التيارات الأصولية تعطيها المبررات

العدد 651 - الخميس 17 يونيو 2004م الموافق 28 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً