دخل العرب شبه الجزيرة الأيبيرية فاتحين، بعد أن تجاوزوا البحر إلى العدوة الأخرى. نقلة من حياة الصحراء إلى الجنة الخضراء، حيث الجبال المعشوشبة والطبيعة الناعسة والجمال الأخّاذ. ثمانية قرون عاشوها وقد حلِيَت الدنيا في أعينهم كالعروس، حتى ظنوا أنهم فيها مخلدون.
وحانت لحظة اختتام الحكاية الأندلسية الجميلة، مع زواج ملك أراجون فرديناند وملكة قشتالة ايزابيلا، إذ تعاهدا على طرد من بقي من المسلمين، فحاصرا غرناطة، آخر الممالك العشرين التي بقيت تقاوم من أجل البقاء. وفي لحظة الانهيار الأخيرة وقف الملك الشاب الذي ورث العرش عن أبيه وعمره 25 عاما، على ربوة خارج المدينة يتأمل قصورها وهضباتها وأيامها الناعمة، ولم يتمالك نفسه فأخذ يبكي كالجارية وهو يرى الدخان يتصاعد من قلعتها. وكانت أمّه (عائشة) تقف إلى جواره تشهد لحظة الأفول، وساءها أن ترى دموع الحريم على خديه، فنطقت شعرا أصبح عنوانا لختام اللعبة في الفردوس المضاع:
ابكِ مثلَ النساءِ ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مِثلَ الرجالِ
مضت تلك القرون الثمانية كالحلم الجميل، ولم يبق منها غير تلك الموشحة الأندلسية التي يتفجع فيها لسان الدين ابن الخطيب وينوح:
جادك الغيث إذا الغيث هما
يازمان الوصل بالأندلسِ
لم يكن وصلك إلا حُلُما
في الكرى أو خلسة المختلسِ!
على أن التاريخ القديم ظل صادقا وهو ينقل تفاصيل اللحظة البائسة، حتى دموع العار تتلألأ على خد آخر ملوك الطوائف القدامى، أبوعبدالله الأحمر و«الصغير»!
قاسم حسين
العدد 671 - الأربعاء 07 يوليو 2004م الموافق 19 جمادى الأولى 1425هـ