مشكلات وتحديات كثيرة تتربص بزراعتنا البحرينية، تحديات تتكاثر يوما بعد آخر فيما ظل عدم اهتمام كاف من الدولة وغياب كامل لدور المجتمع المدني، البحرين تلك الجزيرة التي كانت تغطيها الرقاع الخضراء من شمالها إلى جنوبها لن تعود بسهولة مرة أخرى، ذلك أن لعودتها المنتظرة اشتراطات كثيرة منها ضرورة وضع استراتيجية - ولتكن عشرية - مدعمة بالدراسات والبحوث والموارد البشرية والمالية في إطار استراتيجية ترعى القطاع الزراعي في المملكة برؤية شاملة.
«الوسط» تستعرض واقع الزراعة في البحرين، وللتعرف على آفاق ورؤى المعنيين بالواقع الزراعي وقفنا في إدارة شئون الزراعة بوزارة البلديات والزراعة على تقرير بحثي يحكي واقع وتحديات القطاع الأخضر في البحرين. وتتضمن هذه الورقة البحثية عددا من الموضوعات المرتبطة باستراتيجية الزراعة في السنوات المقبلة، وخلصت الدراسة إلى ضرورة إنشاء مؤسسة للاستثمار في القطاع الزراعي، ووضع استراتيجية إعلامية توعوية للحفاظ على ما تبقى من زراعة في المملكة والعمل على تطويرها.
الزراعة في أرقام
يشير التقرير الذي أعد حديثا إلى أن مساحة الأراضي الزراعية تبلغ 6300 هكتار (أي ما نسبته 9 في المئة من المساحة الإجمالية للمملكة) وتبلغ المساحة المستغلة فعلا 4250 هكتارا. فيما يبلغ عدد المزارع النشطة 1100 مزرعة، ويقدر إجمالي عدد النخيل بـ 572 ألف نخلة في جزيرة البحرين التي كان يعرف عنها انها بلد المليون نخلة، وإذا ما قارنا بين الأرقام التي تشير إليها هذه الدراسة وبين الموروث الشعبي فسنجد أن الفارق في عدد النخيل تتجاوز نسبته الـ 50 في المئة عما كان يردده الحس الشعبي. ويغطي الإنتاج الزراعي الحالي نحو 12 في المئة من مجموع الاحتياجات الغذائية، وتبلغ قيمة الإنتاج الزراعي نحو 14,5 مليون دينار سنويا، أي نحو 0,5 في المئة من إجمالي الدخل القومي للمملكة. وتقدر الدراسة التي أعدها باحثون زراعيون في الوزارة عدد العاملين بالقطاع الزراعي إلى 5000 عامل، وتبلغ نسبة العمالة البحرينية 30 في المئة فقط. وترى الورقة البحثية أن الزراعة تستهلك نحو 140 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، بينما يبلغ عدد إجمالي السحب 195 مليون متر مكعب سنويا. بينما تبلغ كمية مياه الصرف الصحي المعالجة المستخدمة في الري نحو 15 مليون متر مكعب سنويا، وتفترض هذه الدراسة انها ستقفز إلى 73 مليون متر مكعب في العام 2011م.
استراتيجية التنمية الزراعية
وبخصوص استراتيجية التنمية الزراعية المفترضة تحدد الدراسة عددا من الوسائل والآليات والتوصيات التي تعنى بتطوير القطاع الزراعي البحريني ورفع نسبة مساهمته في الحراك الاقتصادي والدخل القومي للمملكة، إذ تشير الدراسة إلى ضرورة المحافظة على الموارد المائية من خلال تعميم طرق الري والصرف الحديثة، وتطبيق التشريعات المتعلقة باستخدام المياه وكيفية إدارتها بالشكل الأمثل. والمحافظة على الأراضي الزراعية وتأهيلها للأغراض الزراعية وتنظيم استخدامها من خلال وضع التشريعات الكفيلة بالمحافظة عليها وتنميتها. فضلا عن زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين دخل المزارع البحريني من خلال تكثيف زراعة المحصولات ذات الميزة النسبية، والتوسع في استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، إضافة إلى توفير المناخ اللازم لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الأنشطة الزراعية والتي تتمتع بمردود اقتصادي عال ومجزي.
إنجازات شئون الزراعة
وتسلط الدراسة الضوء على الإنجازات التي حققتها إدارة شئون الزراعة بوزارة البلديات والزراعة، بدءا من الخدمات الزراعية، إذ تقوم الإدارة بتوفير مختلف الخدمات الزراعية بهدف المحافظة على القطاع الزراعي وتطويره ومساعدة المزارعين من البحرينيين ومربي الحيوانات لتحسين ظروف الإنتاج وتنمية مدخولهم الفردي. ومن أهم الخدمات المقدمة إلى القطاع الزراعي وفقا لما يقوله مسئولو الوزارة يتمثل في: وقاية النبات والحجر الزراعي، صيانة شبكات الصرف الصحي، الخدمات البيطرية والحجر البيطري، خدمات مزارع الدواجن، الآليات الزراعية خدمات الأراضي والحوافز الزراعية وخدمات التربة والأسمدة فضلا عن الخدمات الإرشادية والتثقيفية. وتبلغ الموازنة المخصصة لتلك الخدمات ما يقارب الـ 600 ألف دينار بحريني.
أما على صعيد المشروعات الزراعية فتقوم الوزارة بتنفيذ عدد من المشروعات الزراعية التي تهدف إلى استمرارية العمل الزراعي والمحافظة على الموارد الطبيعية من مياه وأراض وتحسين البيئة في مختلف المناطق الزراعية. وتشير الدراسة إلى عدد من المشروعات والبرامج المنفذة حاليا وهي مكافحة سوسة النخيل الحمراء بكلفة مقدارها 40 ألف دينار، ومكافحة الحمى القلاعية وإنشاء وصيانة المصارف الزراعية وتوصيل المياه المعالجة إلى داخل المزارع بجانب المختبرات والحجر الزراعي، وتبلغ الموازنة المخصصة لهذه البرامج نحو 300 ألف دينار سنويا. وتصل كميات المياه المصروفة من الأراضي الزراعية إلى 25 مليون متر مكعب سنويا. وتولي الوزارة اهتماما خاصا لمشروع تطوير الحجر الزراعي من أجل حماية الثروة النباتية في البلاد من دخول وانتشار الآفات بتطبيق قانون الحجر الزراعي لدول مجلس التعاون الخليجي والاتفاقات الدولية المعنية بوقاية النبات والصحة النباتية(SPS-IPPC). ويتكون هذا المشروع الطموح من محجر زراعي رئيسي (حدائق عزل، غرف فحص، تجهيزات معالجة ومكاتب) إضافة إلى المختبرات ومراكز الحجر الزراعي بالمنافذ والتي تحتوي على غرف فحص أولي.
المشروعات المقترحة
وبخصوص المشروعات المقترحة التي تنوي الوزارة تنفيذها في غضون العامين المقبلين يشير التقرير إلى جملة من المشروعات منها: زراعة النخيل بالأنسجة، إنتاج الزهور والشتلات، تهيئة مواقع لمزارع الدواجن، التعداد الزراعي، دراسة تطوير وتصنيع منتجات النخيل وتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تطوير حديقة البديع.
ويتابع التقرير قائلا «كما تطمح الوزارة إلى إنشاء مؤسسة للاستثمار والتسويق الزراعي والتدريب ورفع القدرات لتطوير شئون الزراعة، إنشاء عيادتين وتطوير المحجر البيطري، وصيانة شبكات الري ومكافحة الآفات الزراعية، فضلا عن مشروع مركز تدريب المزارعين وتقديم الخدمات الإرشادية والإعلامية». وتبلغ قيمة هذه المشروعات المستقبلية ما يفوق الـ 8704 ألف دينار سيتم تنفيذها على عامين.
التعداد الزراعي
يشتمل مشروع التعداد الزراعي على توفير البيانات والاحصاءات الزراعية عن القاع الزراعي بحسب المناطق والمحافظات بغية وضع السياسات والخطط الزراعية، ويتكون هذا التعداد من بيانات ستحتوي على توضيح عدد الحيازات الزراعية واستعمالاتها، عدد المزارعين ومربي الحيوانات، أعداد الحيوانات الاقتصادية والدواجن، أعداد النخيل وإنتاجها، أعداد الآبار الارتوازية، مساحات المحصولات الزراعية الموسمية، عدد أشجار الفاكهة وأنواعها، المساحة المزروعة بالأعلاف الخضراء. ورصدت موازنة مقدارها سبعون ألف دينار لتنفيذ المشروع في 12 شهرا.
وعن الخطة المقترحة للخدمات الإرشادية والإعلامية والتي تسعى لتوفير متطلبات التدريب للمزارعين والفنيين وتعزيز دور الإعلام الزراعي والتوعية الإرشادية في مختلف مجالات العمل الزراعي. وتشتمل هذه الخطة المكثفة على وسائل كثيرة منها المباني والمنشآت المتعلقة بالتدريب (قاعة تدريب، أجهزة ومعينات بصرية وسمعية، وسائل النقل).
الاستثمار في القطاع الزراعي
يتطلع القائمون على التقرير إلى توسيع آفاق الاستثمار في القطاع الزراعي والتي يمكن التركيز عليها وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار فيها هي: مشروعات الإنتاج النباتي: الزراعة المحمية وإنتاج الزهور وشتلات الزينة وبعض أشجار الفاكهة المحلية وتجارة المدخلات الزراعية. أما عن مشروعات الإنتاج الحيواني فيتركز على إنتاج الدواجن وتربية الحيوانات وإنشاء العيادات والصيدليات البيطرية، وعن مشروعات التصنيع الزراعي يرى المسئولون أن هذا القطاع يستوعب الاستثمارات في مجالات تصنيع الأعلاف الحيوانية وإنتاج الأسمدة العضوية واللقاحات البيطرية وتصنيع التمور والمخللات والتعليب.
البحوث والتجارب الزراعية
لا يمكن لأية استراتيجية خدمية أن تهمل دور البحوث والاستقصاء والتجارب العملية في اختبار وتنفيذ المشروعات والبرامج، ومن هذا المنطلق فان الوزارة تقوم وبمساعدة الباحثين فيها بالدراسات والبحوث في الأوجه الآتية «بحوث تحسين أساليب الري ورفع كفاءة استخدام المياه، بحوث زراعة النباتات الداخلية ونباتات الزينة، بحوث إدخال أصناف جديدة من الخضر والفاكهة، بحوث إنتاج فسائل النخيل بطريقة الأنسجة، إدخال أساليب الوقاية الحيوية، تجارب زراعة الأعلاف البديلة، تجارب زيادة إنتاجية النخيل، تجارب تسميد محصولات الخضر، تطعيم أشجار الفاكهة، تحسين سلالات الأغنام والماعز».
خطة المواءمة
لم يغفل التقرير التعرض لخطة المواءمة بين التنمية الزراعية المستدامة والأنشطة التعميرية لمواجهة الكثير من المشكلات والتحديات التي تعوق تطور الزراعة في المملكة. ويتصدر هذه المشكلات تصحر الأراضي الزراعية وتدهور البيئة والمياه الجوفية وتأثير ذلك على الزراعة، والتوسع العمراني واحتياجاته المتزايدة من الأراضي فضلا عن طلبات التقسيم للأراضي الزراعية. ويمضي التقرير قائلا «تتطلب التنمية المستدامة عدم إهدار الموارد الطبيعية خلال النمو الاقتصادي حفاظا على الأجيال المقبلة، فالأرض التي تستغل في غير الأغراض الزراعية لا يمكن استرجاعها كمورد وطني مرة أخرى». كما يدعو إلى إيجاد توازن مقبول بين حق مالك الأرض في زيادة موارده من جانب والمحافظة على الرقعة الزراعية من جانب آخر. والإسهام في تحسين البيئة في المملكة وضرورة استناد التنمية الزراعية المستدامة على النظم الحديثة في الإنتاج وتوفير البنية الأساسية لجذب المستثمرين وتحسين الدعم للقطاع الزراعي وخصوصا لصغار المزارعين.
آثار«المواءمة»
يتناول التقرير تصورا عن الايجابيات المترتبة على تنفيذ خطة المواءمة وتتمثل في توفير أراض إضافية لمواكبة الاحتياجات العمرانية والإسكانية والاستثمارية وحدوث حركة تعميرية نشطة تنعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية الشاملة وتشجيع النشاط الزراعي وبالتالي زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة تخدم الشباب بصفة خاصة، وتوفير فرص استثمارية جديدة للأراضي غير المستغلة حاليا وتحسين البيئة بزيادة الرقعة الخضراء والعمل على تنشيط السياحة من خلالها، والاستفادة من المياه المعالجة والمحافظة على مخزون المياه الجوفية
العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ