استناداً إلى دراسة جديدة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية، فإن القطاع المصرفي يُظهر بوادر انتعاش في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يُشير إلى أن أسوأ ما شهدته الأزمة المالية العالمية قد أصبح وراءنا. فقد واصلت الإيرادات المصرفية تحقيق نمو في الشرق الأوسط في العام 2009، ولو بوتيرة أبطأ من الماضي على رغم الارتفاع في احتياطيات خسائر القروض. من هنا، تواصل المصارف في الشرق الأوسط تبوأ مركز أفضل مقارنة مع نظيراتها العالمية.
وترتكز هذه الدراسة الجديدة على النتائج السنوية للعام 2009 والتي سجلتها المصارف في الربع الأول من العام 2010،؛ إذ إنها تشكل جزءاً من المؤشرات السنوية التي تُصدرها الشركة للخدمات المصرفية والخدمات المصرفية للأفراد. ويتم قياس هذه الخدمات من خلال التطوّر الذي تشهده الإيرادات المصرفية (إيرادات التشغيل) والأرباح في المصارف العالمية الرائدة.
وكانت مجموعة بوسطن الاستشارية قد أطلقت النسخة الأولى من مؤشر أداء الخدمات المصرفية في الشرق الأوسط في أبريل/ نيسان 2009، مبتكرة مؤشراً مصمماً خصيصاً للأسواق المصرفية الشرق أوسطية، مع الإشارة إلى أنها اعتمدت على نتائج الإيرادات والأرباح المسجّلة في العام 2005 كمقياس له. هذا المؤشر شمل كبرى المصارف في البحرين، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أما النسخة الثانية منه، والتي أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، فقد شملت 25 من كبرى المصارف في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك عُمان.
وتم هذا العام توسيع مؤشر مجموعة بوسطن الاستشارية ليشمل 33 مصرفاً من مختلف أنحاء منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وقد صرّح الشريك الأول والمدير الإداري في مكتب دبي لمجموعة بوسطن الاستشارية، وقائد أعمال الخدمات المالية في المجموعة لمنطقة الشرق الأوسط، راينهولد ليشتفوس، قائلاً: «يمثل المؤشر الجديد الذي تُصدره مجموعة بوسطن الاستشارية، أكثر من 75 في المئة من مجموع السوق المصرفية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى قطاع الخدمات المصرفية للأفراد، يقدّم التقرير للمرة الأولى نظرة متعمّقة في قطاع الخدمات المصرفية للشركات. كذلك، قمنا بتوسيع النموذج العالمي الذي يشمله المؤشر ليبلغ 21 مصرفاً من 8 دول، بما يوفر معلومات ونقاط إضافية للمقارنة».
المصارف الشرق أوسطية
تتفوّق على نظيراتها العالمية
وتواصل إيرادات الخدمات المصرفية في الشرق الأوسط تفوّقها على المعيار الدولي؛ إذ سجّل 22 من أصل 33 مصرفاً يشملها المؤشر، نمواً في الإيرادات في العام 2009 مقابل العام 2008، على رغم أن معدّل النمو المعتدل والبالغ 7 في المئة يبقى أقل من النمو البارز المسجّل في السنوات السابقة. في المقابل، حافظت عائدات المصارف العالمية على ركودها منذ العام 2006 استناداً إلى مؤشر مجموعة بوسطن الاستشارية، مع استمرار تراجع الأرباح.
وتُشير نتائج الأرباح في الشرق الأوسط إلى أن أسوأ ما شهدته الأزمة المالية قد يكون ولّى، ولاسيما أن أكثر من نصف المصارف المشمولة في المؤشر حققت ارتفاعاً في أرباحها. من هذا المنطلق، فإن الفجوة بين المصارف في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ونظيراتها الدولية آخذة بالاتساع.
والسبب الرئيسي للضغط الذي تتركه الأرباح الحالية، يكمن في احتياطيات خسائر القروض العالية لدى المصارف العالمية، والتي ارتفعت بنسبة تزيد على 50 في المئة مقارنة مع العام الماضي. كذلك، اضطرت المصارف في الشرق الأوسط لرفع احتياطياتها بشكل كبير في العام 2009، مع الإشارة إلى أن معظم المصارف في المنطقة بقيت تحت المعدّل المسجّل في العام الماضي عندما ارتفعت الاحتياطيات بمعدّل يزيد على 300 في المئة. وضمن المنطقة أيضاً، كانت الإمارات العربية المتحدة الأكثر تأثراً - 40 في المئة من مجموع احتياطيات خسائر القروض سجّلتها المصارف الإماراتية، وهو ما يمثّل ارتفاعاً مهماً في حصتها التي كانت تبلغ 23 في المئة في العام 2008. ومن المتوقع أن تحافظ احتياطيات خسائر القروض على مستوى عالٍ في العام 2010.
اختلاف أداء الخدمات المصرفية بين الدول
ويختلف أداء الخدمات المصرفية بين الدول: ففي الوقت الذي زادت إيرادات المصارف في كل من المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة وقطر، شهدت الدول الأخرى تراجعاً في إيرادات المصارف. في ما يتعلّق بالأرباح، فقد حققت المصارف السعودية نمواً بنسبة 7 في المئة في العام 2009 في حين تراجعت أرباح المصارف في الإمارات العربية المتحدة والكويت بنسبة تزيد على 20 في المئة. كذلك الأمر بالنسبة إلى عُمان؛ إذ انخفضت الأرباح بنسبة تقارب 50 في المئة. أما فيما يخص احتياطيات خسائر القروض، فقد ارتفعت بشكل كبير في جميع دول المنطقة تقريباً: من 48 في المئة في المملكة العربية السعودية إلى 139 في المئة في الإمارات العربية المتحدة وصولاً حتى 293 في المئة في عمان و347 في المئة في قطر. في الواقع، فقد اضطرت معظم المصارف في المنطقة لزيادة حجم احتياطياتها في النصف الثاني من العام 2009.
تقلّص الهوامش يزيد الضغط
على أعمال خدمات الأفراد
وبعد أن بلغت عائدات الخدمات المصرفية للأفراد ذروتها في العام 2006 وانخفاضها في العام 2007، شهدت عائدات هذا القطاع في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي نمواً مستمراً على مدى السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة 3 في المئة، وذلك في ظل استمرار تراجع مؤشر الأرباح. ويأتي هذا النمو، إلى حد ما، مدفوعاً بحجم المصارف السعودية المتمثلة في نموذج المصارف الذي تعتمده مجموعة بوسطن الاستشارية؛ إذ حافظت المصارف في المملكة العربية السعودية على المستوى نفسه من العام 2005 حتى العام 2009.
وفيما حافظت نتائج المصارف السعودية على المستوى نفسه خلال السنوات الأخيرة، فقد تمكنت المصارف في الدول الأخرى في المنطقة من تحقيق معدلات نمو بارزة، ترأسها المصارف في الإمارات العربية المتحدة التي حققت نمواً سنوياً بنسبة 27 في المئة منذ العام 2005. ومع ذلك، فقد عادت المصارف في جميع أنحاء المنطقة لتحقيق عائدات بنسبة أقل من 10 في المئة في العام 2009.
كذلك، شهدت المصارف السعودية انخفاضاً في أرباح خدماتها المصرفية للأفراد منذ العام 2006. ومع أن المصارف في الإمارات العربية المتحدة، البحرين وعُمان تمكنت من زيادة أرباحها في هذا القطاع على مدى السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن معظم المصارف في العام 2009 قد سجّلت تراجعاً في أرباحها.
وفي الإطار نفسه، فإن هوامش خدمات الأفراد المتقلّصة هي إحدى الأسباب المؤدية إلى ركود الإيرادات وتراجع الأرباح. من هنا، يشرح ليستفوس: «المنافسة المتنامية وزيادة كلفة المخاطر، تزيد من جهتها الضغط على الخدمات المصرفية للأفراد، فقد كافحت العديد من المصارف في المنطقة لتحقيق حصة في السوق، وذلك في ظل ارتفاع معدلات أسعار الفائدة على الودائع وانخفاض التمويل الاستهلاكي فضلاً عن معدلات الرهن العقاري. مع أن ذلك مناسب للمستهلك - على سبيل المثال، الحصول على قرض لتمويل سيارة بنسبة 3.99 في المئة وفي الوقت نفسه تحقيق عائد على الودائع بنسبة 3.75 في المئة - إلا أنه يعني مواجهة المصارف صعوبة في تحقيق عائدات كافية».
وأضاف: «مع أن بعض المصارف تسعى إلى زيادة الدخل من الرسوم بهدف تضييق الفجوة، إلا أن هذا الأمر لن يحقق النتيجة المبتغاة بل ينبغي على المصارف تحسين قوة مبيعاتها بغية زيادة أرباحها من المستهلك».
السبب الثاني الكامن وراء انخفاض إيرادات الفوائد هو السلوك السلبي للمصرف تجاه منح قروض جديدة. هذا الأمر يخفّض حجم القروض بما يؤدي إلى خفض هوامش الفائدة، وبالتالي يؤكد الحاجة لوجود مكتب ائتماني؛ الأمر الذي تتم مناقشته حالياً في الإمارات العربية المتحدة، بما من شأنه تقليل عدد القروض المتعثّرة كما وإعادة الثقة بالعمليات المالية التي يضطلع بها المصرف.
مؤشرات أداء الخدمات المصرفية
حقق قطاع الخدمات المصرفية للشركات نمواً كبيراً في الإيرادات بلغت نسبته 20 في المئة سنوياً على مدى السنوات الماضية، مع الإشارة إلى أن الإيرادات قد تضاعفت من العام 2005 إلى العام 2009. وفيما واكبت الأرباح نمو الإيرادات حتى العام 2008، فقد انهارت أرباح الخدمات المصرفية للشركات في العام 2009 بنسبة تزيد على 25 في المئة في مؤشر أداء منطقة دول مجلس التعاون الخليجي؛ الأمر الذي يعود إلى حد كبير لتراجع أرباح هذا القطاع في المملكة العربية السعودية.
كذلك، يُعزى هذا الأمر جزئياً إلى الصعوبات التي واجهتها مصارف الخدمات المصرفية للشركات في المملكة العربية السعودية، ولاسيما عندما كشفت المجموعات السعودية عن مواجهتها لصعوبات في تسديد الديون المستحقة. ومع أن المصارف الأخرى في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي كانت حتى الآن أقل تأثراً، إلا أنها تأثرت بعض الشيء؛ ومن المتوقع أن تشهد المصارف نموّاً إضافياً في احتياطيات خسائر القروض في العام 2010.
هذه الوقائع تُظهر مرة أخرى مدى أهمية الإدارة المتفوّقة للمخاطر بالنسبة إلى المصرف من حول العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
العدد 2788 - السبت 24 أبريل 2010م الموافق 09 جمادى الأولى 1431هـ