«مايكل بورتر» ليس خبيراً عادياً، انه استاذ الاقتصاد والإدارة في أفضل جامعة لتخريج الإداريين «جامعة هارفرد الأميركية» وهو مؤلف الكتب والمراجع عن «القدرة التنافسية» competitive advantage للمؤسسات والدول والأمم... وهو الآن على موعد مع القياديين العرب للتحدث أمامهم في «منتدى القادة» الذي سيعقد في مركز دبي الدولي للمؤتمرات في الفترة ما بين 29 و30 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ولكن وحتى قبل ارتحاله إلينا اطلق تصريحات تحذيرية لقيادات بلداننا وهي تحذيرات بحاجة إلى من يعي قيمتها.
فهو يقول إن ازدياد ارتفاع أسعار النفط الحالية لن ينفعنا على المدى البعيد وسرعان ما ستعود المشكلات المزمنة إلى منطقتنا... وحدد أهم مشكلة تعوق التنمية الاقتصادية المستديمة في بلداننا وهي «تدني مستوى الانتاجية» التي تعتبر أسوأ مستوى في العالم وهي أسوأ حتى من الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
وقال إن القطاع الخاص في منطقتنا يتعرض للاخفاق ويواجه الكثير من العراقيل لأن حكوماتنا تهيمن على الاقتصاد، وازدياد أسعار النفط سيزيد من الهيمنة الحكومية، وهو ما يعني المزيد من التأخر على المستوى البعيد. وأشار إلى أن المنطقة بحاجة إلى «أجندة جديدة» لخلق وتعزيز القدرة التنافسية من خلال تطوير بيئة الأعمال اعتماداً على أسس «الكفاءة والجدارة» وليس المحسوبية والمنسوبية.
ولكن كيف يحدد «بورتر» مفهوم ومستوى القدرة التنافسية لهذه المؤسسة أو ذلك البلد؟
يقول بورتر إن هناك عاملين أساسيين يحددان ربحية هذه المؤسسة أو تلك وهما: مقدار جاذبية السوق أو الصناعة التي تمارس المؤسسة من خلالها العمل، والموقع النسبي للمؤسسة مقارنة بغيرها من المؤسسات داخل هذه السوق أو الصناعة.
ولكي يستطيع بلد ما أو مؤسسة ما تحديد قدرته التنافسية فإن أول شيء يتوجب فعله هو تحديد الأهداف الاستراتيجية والطموح والرؤية.
بعد ذلك فإن على البلد أو المؤسسة التفكير في مستقبله فيما لو استمر على ما هو عليه، ومقارنة ذلك بما يطمح إليه، وهذا النوع من التحليل يطلق عليه «تحليل الفجوة» Gap Analysis.
بعد القيام بتحليل الفجوة بين ما يطمح إليه وبين ما سيصولنا إليه واقع الحال (فيما لو استمر الوضع كما هو)، فإن على المؤسسة أو البلدان تحليل وضعها الداخلي لمعرفة نقاط قوتها وضعفها Strength & Weakness، ومن ثم تحليل البيئة المحيطة بالمؤسسة او بالبلد للتعرف على الفرص والمخاطر Opportunities & Threats. ومجموع هذه التحليلات يطلق عليه «التحليل الاستراتيجي» SWOT Analysis. وكلمة SWOT مشتقة من الحروف الأولى للكلمات الإنجليزية الأربع المشار إليها اعلاه وهي نقاط القوة Strength، نقاط الضعف Weakness، والفرص المتاحة Opportunities، ثم المخاطر أو التحديات Threats.
وبعد تحليل الفجوة Gap Analysis، ثم إجراء تحليل SWOT، يمكن للمؤسسة أن تحدد قدرتها على التنافس ضمن المعطيات المشار إليها في التحليل الاستراتيجي، وعند ذلك فإن بالامكان لهذه المؤسسة أو البلد ان يستمر في مسيرته الاقتصادية بنجاح ونمو.
على أن تحديد الاستراتيجية القائمة على القدرة التنافسية يتطلب القدرة على صوغ الخيارات ومن ثم تقييم هذه الخيارات، وفيما إذا كانت ستوصل إلى الهدف المنشود، ومن ثم اتخاذ القرار على أسس علمية مع وجود قيادة ذات إرادة وقدرة واضحة على إدارة التغيير تجاه الرؤية المرجوة.
بالنسبة إلى المؤسسات، فإن بورتر يطرح أن هناك عادة توجهين للاستراتيجيين احدهمها يركز على تقديم السلعة أو الخدمة بسعر أقل لمنافسة الاخرين، وهو ما يطلق عليه Cost Leadership، أو أنهم يركزون على تقديم قيمة مميزة تستحق السعر المرتفع أو السعر الذي لا يختلف عن المنافسين وهو ما يطلق عليه Differentiation.
وفي كل الأحوال فإن جميع هذه الاستراتيجيات تتطلب انتاجية بمستوى معين Productivity وتتطلب ضبط الجودة پuality، وهذه أمور مازالت بعيدة عن بلداننا لأن الثقافة المطروحة هي ثقافة البحث عن عمل حكومي اشبه بالبطالة المقنعة، كما أن سيطرة الدولة على الاقتصاد وعلى الموارد والثروات واستخدامها معايير المحسوبية والمنسوبية يؤخر الكفاءة المطلوبة من أجل تحقيق القدرة التنافسية على مستوى عالمي، وهو ما يشير إليه «بورتر» في تحذيره من أن زيادة سعر النفط الحالية انما ستساعد على الاستمرار على ما كنا عليه، وهو حال لا يؤهلنا إلى أن ننافس أقل الأمم تطوراً فكيف بالبلدان التي توصف «بالنمور» لقدرتها على المنافسة العالمية بصورة سريعة ومذهلة.
ان تحذير «بورتر» يحتاج إلى من يعيه، وهم اقلية غير معتبر بها في بلداننا. والمتوقع ان الحكومات ستواصل خلال الفترة المقبلة سوء الادارة وسوء استغلال الثروة المتزايدة من النفط لتسيير الشئون العامة على أسس ابعد ما تكون عن الكفاءة والفهم الاستراتيجي لما يدور في عالم اليوم
العدد 708 - الجمعة 13 أغسطس 2004م الموافق 26 جمادى الآخرة 1425هـ